أرشيف الرأي

هل خرج محمد علي أحمد عن النص؟

بعد وصول الرئيس هادي للسلطة تم الإتيان بمحمد علي أحمد لمساندته في تعزيز سلطته الوليدة. وقد اُختير لهذا الدور لأكثر من سبب منها: مكانته السياسية، حيث أنه كان يعد الرجل الثاني في جماعة الرئيس علي ناصر محمد (الزمرة)، ولمواقفه السياسية المغايرة لتوجهات الزمرة خلال حرب 94، حيث أنظم إلى علي سالم البيض خلال تلك الحرب، وتم تعيينه وزيرا لداخلية الحكومة الانفصالية التي وئدت في حينها، وهو ما يجعله قريبا من القوى الانفصالية.

وقد أنيط لمحمد علي أحمد القيام بعدد من المهام أهمها تشكيل قوة سياسية جنوبية تابعة للرئيس هادي يتم استخدامها لأكثر من غرض من قبيل: خلق حراك موازي لحراك البيض، وإيجاد أرضية سياسية للرئيس هادي في الجنوب يتكئ عليها لتعزيز سلطته في صنعاء. وضمن هذا السياق؛ تم تكليفه ليتولى أمر تمثيل الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار. وقد تم ذلك من خلال تشكيل مؤتمر شعب الجنوب في نهاية 2012، والذي تأسس برعاية واضحة من الرئيس هادي، وبتأييد ضمني من جمال بن عمر، وبعض الدول الراعية. وكما هو معروف؛ فقد تم منح مؤتمر شعب الجنوب حصة الأسد من مخصصات الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار، ليصبح الطرف المنوط به تمثيل القضية الجنوبية في المؤتمر.

وكانت المشكلة الرئيسية التي واجهت محمد علي أحمد منذ البداية تتمثل في القيام بأدوار متناقضة. فهو من جهة مطلوب منه أن يلعب دور الحراكي القح، بما يعنيه ذلك من التماهي مع الخطاب الانفصالي وحتى المزايدة عليه؛ من أجل أن يُقنع الشارع الانفصالي في الجنوب بأنه ممثل لمصالحه ومطالبه، ومن جهة أخرى، محتاج لأن يلعب دور الأداة السياسية الضاغطة للرئيس هادي وأجندته داخل مؤتمر الحوار، والتي لا يمكن أن يكون سقفها إلا الوحدة. ولطبيعة هذه الأدوار المتناقضة؛ فقد بدأ هذا الأمر صعبا ومربكا عليه منذ تشكيل مؤتمر شعب الجنوب. ففي ذلك المؤتمر، تم تبني أهداف، وشعارات، وبيانات شبيهة وما تطرحه أجنحة الحراك المتشددة، من قبيل: المطالبة بالاستقلال، وحق تقرير المصير، والتفاوض الشمالي الجنوبي، وغيرها من المواقف المتصلبة. في نفس الوقت؛ كان يصدر عنه تصريحات ومواقف مغايرة لهذه الأطروحات، تقبل بالمشاركة في مؤتمر الحوار، والقبول بحلول في إطار الوحدة. وخلال جلسات انعقاد المؤتمر أستمر محمد علي أحمد وفريقه في إعطاء التصريحات والمواقف المتباينة، وهو ما جعل من الصعب تحديد ملامح توجهاته الحقيقية وأهدافه.

لا يُعرف بالضبط ما هي الأهداف والخطط والتكتيكات، وربما الصفقات، التي تم الاتفاق عليها بين الرئيس هادي ومحمد علي أحمد بشأن مؤتمر الحوار، فما رشح من معلومات في هذا الخصوص لم تتعدى التخمينات والإشاعات التي يصعب البناء عليها. ومع ذلك، يمكن التكهن بأن الرئيس هادي وجماعته، كانوا قد اتفقوا معه على أن يتولى هو، ومكون الحراك، مهمة الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب للجنوبيين في المؤتمر، من خلال: الفدرالية، والمناصفة في الوظائف، وسيطرة الجنوبيين الفعلية على السلطة والثروة في الجنوب، وضمان بقاء الرئيس هادي في السلطة لأطول فترة ممكنة. ولتحقيق هذه المهمة؛ كان الأمر يتطلب القيام بمناورات وتكتيكات ذكيه تتم بالتنسيق التام مع الرئيس هادي. وأهم ما في الأمر أن لا تخرج عن النص المتفق عليه والأهداف الموضوعة.

ومن خلال استعراض لما قام به محمد علي أحمد في مؤتمر الحوار؛ يمكن القول بأنه قد حقق نجاحات جزئية، حيث أستطاع أن يمارس قدر كبير من الضغوط على المؤتمر عبر الانسحابات المتعددة، ورفع سقف المطالب، وهو ما مكنه من حشر المؤتمر في خانة القضية الجنوبية عبر احتكار حسم القضايا الرئيسية عليه وفريق أل 16، الذي تم تشكيله تحت تلك الضغوط والتكتيكات. غير أن خطواته الأخيرة، وبروز الخلافات بينه وبين الرئيس هادي، ومحاولة الأخير تغيير بعض أعضاء فريق أل 16، تشير إلى أنه ربما يكون قد خرج عن النص المتفق عليه. وفي حال تأكد هذا الأمر، وأنسحب محمد علي أحمد ومن معه نهائيا من مؤتمر الحوار؛ فإنه يكون قد قام بخلط الأوراق، وإربك خطط الرئيس هادي، وجمال بن عمر، وبعض الأطراف المحلية والأجنبية التي راهنت على المؤتمر. فالانسحاب النهائي لهؤلاء، يعني بشكل عملي فشل مؤتمر الحوار، وعودة الأمور إلى نقطة الصفر. إذ أن من غير الممكن إنعاش المؤتمر عبر استنساخ حراك جديد بدلا عن حراك محمد علي أحمد - الذي كان هو الأخر حراك مستنسخ – وإلحاقه بمؤتمر الحوار في اللحظات الأخيرة للتوقيع على القرارات التي رفض أن يوقع عليها محمد علي أحمد. فعمل كهذا؛ سيفقد مؤتمر الحوار ما تبقى له من جدية وشرعية، حيث أنه سيتحول من مؤتمر حوار بين أطراف تمثل قوى سياسية إلى لجنة رئاسية يتم تكليفها من قبل الرئيس للتوقيع على ما يريد. وحدوث هذا الأمر بهذه الطريقة لن يكون إلا عملا صبيانيا يفتقر إلى أبجديات العمل السياسي، كما أنه سيعزز من مواقف القوى الانفصالية التي ستمتلك الحجج القوية لرفض مخرجات الحوار، وتأليب الشارع الجنوبي عليه. والنتيجة في هذه الحالة فشل مؤتمر الحوار بشكل ضمني.

من جهة أخرى فإن توقف المؤتمر عند هذه المرحلة دون التوصل لقرارات خاصة بالقضية الجنوبية يعني إعلان فشل مؤتمر الحوار بشكل رسمي، ويرجع ذلك إلى الطريقة التي تم بها تصميم مؤتمر الحوار، والتي تمت بحيث تكون القضية الجنوبية هي حجر الزاوية فيه، ومقياس لنجاح المؤتمر من عدمه. وخروج مؤتمر الحوار دون التوصل إلى حلول لهذه القضية؛ يجر بشكل تلقائي إلى عدم التوصل لحلول في قضية شكل الدولة، وطبيعة النظام السياسي، والنظام الانتخابي، وغيرها من القضايا التي أنعقد مؤتمر الحوار لبحثها والتوصل لقرارات بشأنها.

ان المآلات التي يتجه مؤتمر الحوار إليها؛ تُشير إلى أن الرئيس هادي، وجمال بن عمر، وكل من هندس لمؤتمر الحوار، وراهن عليه في مأزق حقيقي، حيث أنهم يتحملون مسئولية فشل المؤتمر الرسمي أو الفعلي. وأخطر ما في الأمر؛ أن هؤلاء وغيرهم قد رهنوا مصير اليمن بمؤتمر الحوار، ولم يضعوا أي خطط بديلة. والحقيقة أنهم قد تصرفوا منذ البداية بخفة وعدم مسئولية؛ منذ تشكيل اللجنة الفنية، وما صدر عنها من قرارات رعنا، كان أخطرها موضوع المناصفة الشمالية الجنوبية، وتحويل مؤتمر الحوار إلى مهرجان وورشة عمل كبيرة؛ حين قاموا بحشد أعداد كبيرة ممن لا يمتلكون السلطة الحقيقية أو الدراية الكافية، إضافة إلى توسيع القضايا المدرجة على جدول أعمال المؤتمر بأكبر مما تحتمله اليمن. وكل ذلك يظهر تدني القدرات السياسية لهؤلاء، ودرايتهم المحدودة بالتضاريس السياسية المعقدة لليمن، وخيالهم الجاف الذي لم يسعفهم ليروا لما هو أبعد من أنوفهم.

زر الذهاب إلى الأعلى