من الأرشيف

الفرق بين المؤامرة ونظرية المؤامرة وخطورة الخلط بينهما (7)‏

في كبرنا نكتب بقلم رصاص لاننا تعلمنا ان الكتابة بالحبر ليس سهلا محوها
حكمة من يريد تجنب الخطأ

ثمة فهم تبسيطي خاطئ لنظرية المؤامرة يقوم على الخلط بين ما يسمى ب ‏Conspiracy ‎Theory‏ (نظرية المؤامرة) والمؤامرة ذاتها ‏Conspiracy، مع ان ثمة فرقا كبيرا بينهما لم ‏يمنع البعض من استعمال الاولى (نظرية المؤامرة) لاخفاء الثانية (المؤامرة) بتعمد غالبا، ‏فالبعض يدعي ان لفت النظر إلى وجود مؤامرة تنفذ فعلا يقع في صلب نظرية المؤامرة في ‏حين ان هذه النظرية لها اركان معروفة في علم السياسة وفن السياسة، اذن: ما هو الفرق ‏بينهما؟

نظرية المؤامرة تقوم على نسب كل الاحداث إلى وجود مخطط سابق لمتآمرين سريين ‏يتحكمون بسير الاحداث العالمية، بحيث لا يقع حادث كبير الا وربط بتلك المؤامرة، فتصبح ‏كل التطورات عبارة عن اجزاء في مسلسل كبير، إلى هنا قد يكون منطق النظرية مقبولا إلى ‏حد ما، ولكن هذه النظرية، بالكثير من اشكالها، تقع، أو توقع وحسب الحالة، في فخ المتآمرين ‏الفعليين انفسهم حيث ان توسيعها لتصبح اعلانا لمبادئ التحول المسيطر عليه بالكامل من قبل ‏منظمات سرية فوق الحكومات يتحول اما إلى مرض نفسي هو الارتياب (بارانويا) يجعل ‏الانسان شكاكا بكل شيء، أو انه في حالة خطرة يجعله منساقا خلف تيار مخابراتي لا يعلم عن ‏وجوده شيئا، وان علم عنه فبالامكان اقناعه عبر الاعلام وغيره بان ذلك مجرد وهم!‏

ومن بين ابرز أشكال نظرية المؤامرة المبالغات الفجة في قوة الماسونية واعتبار العالم كله ‏واقعا تحت نفوذها وسطوتها، مع ان الأمر ليس كذلك، وبناء عليه تفسر كل الاحداث وفقا ‏لمشيئة الماسونية التي لا تقهر كما كانت أمريكا قوة لا تقهر قبل غزو العراق لكن مقاومة ‏العراق قهرتها واذلتها. وباقناع بعض الناس بوهم القوة التي لا تقهر تزرع فكرة خطيرة في ‏اذهان الناس وهي ان الفاعل الحقيقي، وهو المستعمر والغازي الاقليمي أو الدولي يترك بلا ‏متابعة بحجم دوره التدميري لانه مجرد واجهة للعصابة الخفية فنقاتل أو نستسلم لقوة مجهولة ‏ببساطة لاننا لا نستطيع توجيه ضربة لشيء لا نراه ولا نعرفه ولا نستطيع تحديد مكانه!‏

ويذهب البعض إلى ابعد من ذلك بافتراض ان العالم كله مسير منذ ادم وحواء وحتى الان من ‏قبل الشيطان ورديفه المسيح الدجال وحزب الشيطان الذي يضم مخلوقات احتلت الجسد ‏البشري واصبح شكلها بشري لكنها عبارة عن مخلوقات تنتمي لجنس يشبه السحليات وهو ‏المسيطر على الارض كلها واتى من الفضاء الخارجي لاستعمار الارض! اما عند (اعز) ‏جيراننا وهم الفرس فقد طوروا نظرية عودة المسيح والمسيح الدجال ووضعوا المهدي المنتظر ‏محل المسيح فخلطوا بين المسيح والمسيح الدجال والمهدي المنتظر! وحولوا الانسان إلى ‏مخلوق اسوأ من الحيوان في خضوعه لفتاوى ونظريات رجال الدين وقبوله بكل ما يصدر ‏عنهم حتى لو كان توقع المستحيل وقلب التاريخ الانساني رأسا على عقب! وتبعا لذلك فان ‏مصيرنا مقرر سلفا من قبل المنتظرين: المسيح والمسيح الدجال والمهدي المنتظر! لذلك علينا ‏ان ننتظر الانقاذ من المنتظرين ونترك العمل ونمارس شتى اشكال السخافات والاعمال ‏المقززة.‏

اما الاقل غرابة من نظريات المنتظرين فهو نظرية ايريش فون دينكين السويسري الذي ‏روج لنظرية ان الانسان عبارة عن مخلوق نتج عن تزاوج البشر الذين كانوا اغبياء مع ‏مخلوقات هبطت من السماء وتتمتع ذكاء خارق فانجب هؤلاء من يسمون ب(ابناء الالهة) في ‏الاساطير القديمة! وطبقا لهذه النظرية فان الانسان والكرة الارضية عبارة عن مختبر كبير ‏لتجربة المخلوقات فيها وتشرف على تلك الاختبارات اجناس بالغة الذكاء يصفها دينيكن باننا ‏بالنسبة لها مثل النمل بالنسبة لنا! وكتابه (عربات الالهة) هو احد اهم مصادر هذه النظرية.‏

نظرية المؤامرة هذه هي المؤامرة الحقيقية لانها تتآمر على وعي الانسان السليم بتشويهه ‏وتعطيل رده واجباره على انتظار المهدي أو المسيح لينقذه!، كما انها تآمر على حرية الانسان ‏وكرامته الانسانية ومصيره وجعل تطبيق العدالة بعيدا وحلما اسطوريا، فمن يروجها ربما لا ‏يعلم نتائجها وابرزها استبعاد الانسان وتسييره كعبد لا عقل له ولا إرادة وهكذا تستمر العصابة ‏الفعلية باستغلال العالم وهي عصابة اوغاد الرأسمالية العالمية دون تحميلها المسؤولية كاملة ‏عما يقع من مظالم. وتقوم هوليوود بدور حاسم في تنفيذ تلك الخطة الجهنمية لاستعباد البشر ‏بغسل ادمغتهم وزرع افكار خيالية تسلبهم القدرة على النضال من اجل حياة حرة كريمة، ومن ‏يتذكر الافلام والمسلسلات الأمريكية حول الفضاء والخيال العلمي يدرك مانقصده مثل فيلم ‏‏(لقاء من النوع الثالث) ومسلسل (ستارترك) وما يروج منذ بضع سنوات خصوصا في ‏الانترنت حول (القادمون) لغزو العالم من الفضاء الخارجي!!‏

نظرية المؤامرة اذن عمل منظم، مخابراتي غالبا، لتسيير الانسان وسلبه حرية العمل ‏والمبادرة بجعله يظن انه لا يستطيع التحرر من قوى جبارة تتحكم به وبمصيره وان عليه فقط ‏ان يستسلم! فهل تطابق هذه النظرية مفهوم المؤامرة؟ ان مفهوم المؤامرة شيء اخر مختلف ‏وان تشابهت الاسماء وهذا هو احد اسباب خلط مثقفين بين نظرية المؤامرة ومفهوم المؤامرة، ‏فالمؤامرة كل عمل يوضع لتغيير حالة أو لإلحاق الضرر بشخص أو جماعة أو دولة، وسميت ‏مؤامرة لانها تقوم على السرية غالبا لاجل تضليل الضحية وجعله لا يفهم ما يجري حوله لاجل ‏ضمان تصفيته، أو اذا انتبه وفهم يضلل باكثر من طريقة لإبقائه غافلا عما يعد له.‏

ولذلك فمفهوم المؤامرة هو عمل بشري وليس له صلة بقوى خارقة لا يمكن قهرها سواء ‏كانت عصابة بشرية متفوقة أو مخلوقات غريبة، وهو بسبب بشريته قديم قدم صراعات البشر ‏واتخذ اشكالا مختلفة ومارسه كل الحكام وربما بعض الناس على مستوى فردي، فالذي يريد ‏الاستيلاء على مال غيره يخطط للقيام بذلك بسرية ويتظاهر بالورع والتدين غالبا – تذكروا ان ‏اخطر ادوات احتلال العراق هم رجال الدين سنة وشيعة - لاجل خداع الضحية وضمان الثقة ‏به وعندها ينفذ مؤامرته، وتلك هي المؤامرة بعينها، انها حالة واقعية ومألوفة في التاريخ، ‏وهي من ثمرات المجتمع البشري المنقسم والمفتقر للعدالة بشقيها القانوني والاجتماعي.‏

اما على المستوى السياسي فان المؤامرة تقترن غالبا باسقاط انظمة بخطط سرية، أو احتلال ‏اراضي دول اخرى أو احتلال دول بكاملها، كما حصل للعراق في عام 2003، أو احتلال ‏فلسطين بعد قرار المؤتمر الصهيوني الاول باعتبارها وطنا قوميا لليهود فوضعت خطة طويلة ‏المدى تصل لاكثر من مائة عام لتنفيذها على مراحل متعاقبة. وفعلت النخب القومية الفارسية ‏نفس الشيء بوضع خطة خمسينية بخمسة مراحل كل مرحلة عشر سنوات هدفها اقامة ‏امبراطورية فارسية مسيطرة على العالم الاسلامي كله تحت غطاء نشر التشيع الصفوي. اما ‏النخب الرأسمالية خصوصا الأمريكية فانها الاكثر تأمرا على الدول والبشر ولذلك فانها تضع ‏خططا لنصف قرن لاجل تحقيق السيطرة على موارد الكرة الارضية كلها.‏

نحن نرى كل ذلك ونحن نعاني من كوارثه يوميا ولا نتخيل أو نتوهم بوجود شيء غير ‏موجود! والانكار هو حالة مرضية سببها تشوش الوعي وهو ما يقوم به الاعلام، أو انه عمل ‏هدفه اخفاء المؤامرة وتسهيل تطبيق خطواتها فهل ما نراه منذ قرن أو اكثر مجرد اوهام ‏نظرية المؤامرة؟ ام انها المؤامرة ذاتها وهي تطبق على مراحل متتابعة ومتكاملة؟

اذن نحن بإزاء مفهومين مختلفين المفهوم الاول هو نظرية المؤامرة وهدفها الاول والاهم هو ‏اخفاء المؤامرة الحقيقية بغسل ادمغة البشر وزرع معلومات مضللة أو نصف حقيقية فيها ‏لاجل جعلهم ينفذون خططاً أو يقبلون بها رغم انها ضد مصالحهم! ومن الضروري الانتباه إلى ‏حقيقة جوهرية في نظرية المؤامرة وهي انها تستمد قوتها ليس من ادواتها فعلا بل من قدرتها ‏على اقناع الناس بان تحت تصرفها قوة لا تقهر ولا تقاوم ولذلك يجب الاستسلام لها كليا! ‏وهكذا لا تواجه العصابة المتآمرة اي مقاومة ويستسلم الناس لها بلا اجبارها على تقديم ثمن ‏باهظ يجردها من كل مظاهر القوة المرسومة دعائيا لها، مثلما حصل لأمريكا في العراق بعد ‏الغزو حيث ثبت انها نمر من ورق ولو ان شعب العراق وطليعته البطلة المقاومة العراقية ‏صدقا قصة ان أمريكا لا تقهر لحصل الغزو وتمكنت أمريكا من البقاء في العراق ليس نصف ‏قرن، كما وعد قادتها، بل قرونا طويلة! الخطر الاكبر لنظرية المؤامرة هو انها تسلب الانسان ‏حرية المبادرة والنضال وتجعله مضطرا للاستسلام للعدو الغامض بدون قتال تماما كما سلم ‏حافظ اسد الجولان لإسرائيل بلا قتال!‏

اما المفهوم الثاني فهو مفهوم المؤامرة وهو مفهوم عادي ينسجم مع انماط حياة وصراعات ‏البشر وحنكتهم أو لؤمهم واطماعهم أو اهدافهم النبيلة وحسب الناس، فلكي يصل فرد أو ‏جماعة لاهدافها في بيئة لا تسمح بذلك سواء كانت بيئة ديمقراطية كأمريكا واوروبا الغربية، ‏او في بيئة استبدادية كما هو حال الشرق، فان اللجوء إلى العمل التآمري امر طبيعي. ‏والمؤامرة هنا لا تقتصر على الغزو بل ان عمادها الاقوى هو التضليل، فمن يستخدم في ‏تحقيق اهداف المؤامرة يجب اولا ان يقتنع بصواب ما يقال، وعلى العالم، أو بعضه على ‏الاقل، ان يكون مقتنعا بان الغزو ضروري لان الغازي صاحب حق قديم وما يقوم هو ‏استرجاع الحق كما قالت الصهيونية عند احتلالها لفلسطين.‏

وعلى مستوى العالم فان القوة الاعظم التي تصورت، وصورت نفسها، انها سيدة القرن ‏الجديد وان مصير العالم قد تقرر نهائيا بانتصار الرأسمالية الأمريكية بعد انهيار الاتحاد ‏السوفيتي – كما روج فوكوياما – كانت تعرف انها عاجزة عن السيطرة على العالم لانها لا ‏تملك الامكانيات المطلوبة لتحقيقه – وهذا ما اعترف به وحذر منه بريجنسكي - لهذا كان ‏ضروريا اللجوء لوضع خطط تآمرية متعددة تقنع العالم بان أمريكا لا تقهر وبان مواجهتها ‏انتحار حتى من قبل القوى العظمى الأخرى. وروجت لهذا الغرض معلومات عن اسلحة سرية ‏لم يعلن عنها بعد وعن تكنولوجيات تحسم اي حرب لصالح أمريكا، وقلل كثيرا من شأن ‏الازمة البنيوية في النظام الرأسمالي الأمريكي وروج كثيرون لنظرية بائسة تقول بان ‏الرأسمالية قادرة على التكيف وتطوير نفسها لحل اي مشكلة! وتولت هوليوود المهمة الاكبر ‏في غسل ادمغة الأمريكيين اولا والعالم ثانيا بان أمريكا هي سيده العالم بلا منازع وانها قادرة ‏على سحق من يعترض طريقها!‏

بعملية الخداع هذه، وبضمنها استخدام نظرية المؤامرة بالكثير من اشكالها، تأمرت أمريكا ‏وارادت بقدراتها العسكرية والتكنولوجية المتفوقة ان تجعل من غزو العراق مثالا لما سيحصل ‏لكل شعب يقاوم أمريكا ويرفض هيمنتها، فكانت العملية اولا وقبل كل شيء تآمر على قرار ‏البشر الحر ومصادرته وابتزاز لهم واجبارهم على الاستسلام بدون قتال. لكن ما حصل في ‏العراق فجر هذا البالون الهوليوودي بدبوس المقاومة العراقية، فتناثر البالون وسقطت مؤامرة ‏أمريكا برمتها مع ان النخب الرأسمالية تحتاج لغزو العالم بلا حروب عسكرية والا ستموت ‏تلقائيا.‏

ماذا تفعل أمريكا وهي تعرف ان فشل غزوها للعالم هو قبول بموتها الحتمي مادامت موارد ‏العالم هي الدواء الوحيد الذي يطيل عمرها؟ الجواب: طورت بديلا ذكيا يستطيع خداع من ‏ماتت اماله نتيجة الاحباطات المتكررة خصوصا فشل اسقاط الانظمة والبديل هو (الدولة ‏الفاشلة) والتي تعني تدمير الأعداء المستهدفين بأيديهم هم وليس بقوة أمريكا فتستغل انحرافات ‏النظم العربية وفسادها وضعفها لاجل اعداد نخب ترفض ذلك وتزود بأساليب عمل تخلخل ‏النظام وتسقطه، لكن هذه النخب عاجزة عن اقامة البديل السليم حتى لو اردات ذلك لانها غير ‏مؤهلة لهذا الهدف، ومن ثم دفع القطر كله للوقوع في جحيم الفوضى الهلاكة التي اذا استمرت ‏تقود إلى تفكيك ليس الدولة ومؤسساتها فقط بل شرذمة المجتمع وتدمير منظومات القيم السائدة ‏فيه ايضا وهذا هو الخطر الاكبر.‏

ان مفهوم الدولة الفاشلة، أو مفهوم (الجيل الرابع) من الحرب وهو (الحرب اللامتماثلة) ‏Asymmetric war‏ هو الحل الذي يسمح لأمريكا، بدون غزو اقطار وتقديم خسائر باهضة لا ‏تتحملها مثلما حصل في العراق، بالوصول إلى تدمير الاقطار المستهدفة تدريجيا بيد أبنائها ‏وبعد وصول الدمار العمراني والبشري حدا لا يطاق تزرع فكرة مضللة تقول بان طلب التدخل ‏الأمريكي ضروري لايقاف الكوارث! وهكذا تستولي على موارد العالم تدريجيا بدون خسارة ‏جندي واحد أو دولار واحد! هل هذه فرضية نظرية؟ كلا انها واقع نراه الان يتشكل في سوريا ‏وليبيا ومصر وتونس واليمن ولبنان كما رأيناه في العراق. فكيف ننكر وجود مؤامرة تنفذ فعليا ‏وبلا غموض؟ وهل يمكن لعاقل لديه حد ادنى من الخبرات الانسانية ان لا يربط ما يجري لنا ‏منذ عام 2011 وحتى الان بما بدأت به المؤامرة الاكبر عندما عقد المؤتمر الصهيوني في ‏سويسرا واتخذ قرارا باقامة وطن لليهود في فلسطين وتتابعت التغييرات خطوة بعد اخرى ‏لتحقيق الهدف الصهيوني هذا؟

لماذا تستخدم نظرية المؤامرة؟ يمكن التأكيد على ان تسخيف فكرة وجود مؤامرة حقيقية هو ‏الهدف المباشر، فحينما تصبح قضية التأمر هاجسا مرضيا وتستحوذ فكرة الاستهداف على ‏عقل ومشاعر شخص ما بسبب ترويج نظرية المؤامرة بكافة اشكالها ويبدأ باستخدام افكار غير ‏منطقية ولا واقعية ترفض وتسخف، فيحوله رفض ما يقوله إلى بؤرة توترات لا تسمح له الا ‏بان يكون في حالة عدم توازن وافتقار للقدرة على استخدام منطق هادئ! هذا في افضل الحالات ‏اما في اسوأها فان الحالة تصبح نوعا من البارانويا المرضية التي تجعله يستعيض عن الواقع ‏بما يتخيله فلا يصدقه احد

والاخطر ان الخلط بين هذا النمط من مرضى الهواجس البارانوية وبين من يناضلون ضد ‏مؤامرة تطبق فعلا يؤدي إلى التشكيك بالمناضل وبقدراته العقلية والنفسية، فتستمر المؤامرة ‏الفعلية لان من يكشفها يصور على انه مريض نفسيا، وتتواصل خطواتها تكمل اللاحقة ‏سابقاتها لتنفيذ مؤامرة هي الاكبر والاخطر على الامة العربية وكانت خطوتها الحاسمة في عام ‏‏1991 بشن الحرب على العراق وبدأ عملية تدحرج كرة الثلج العربية من القمة!‏

هل تعرفون لم يحفظ انصار الغزو واتباع أمريكا على ظهر قلب كلمات التسخيف والتسقيط ‏المعدة لهم سلفا بالسخرية ممن يتحدث عن وجود مؤامرة ويكشفها باتهامهم بانه مريض بداء ‏نظرية المؤامرة؟ هؤلاء ادخلوا دورات علمتهم ولقنتهم كيفية مجادلة مناهضي الغزو ‏والرافضين لأمريكا وفي مقدمة التلقينات الحط من شأن كاشفي الخطط التدميرية ومسلطي ‏الاضواء عليها باتهامهم بانهم يروجون لنظرية المؤامرة السخيفة وانه لا توجد مؤامرة وانما ‏هم مرضى يتخيلون وجودها ويحاولون التغطية على اخطاء العرب ونظمهم ونخبهم بالقاء ‏التبعة على عدو خارجي مفترض!‏

وقبل ان تبدأ الخطوات الاخطر في مؤامرات القرنين الاخيرين نشرت في عام 1994 مقالة ‏بعنوان (التفكير بالمؤامرة في الشرق الأوسط) كتبها مارك زونيس وكريج جوزيف في المجلة ‏الأكاديمية الشهيرة (بوليتكال سيكولوجي) اكدا فيها (أن نظرية المؤامرة هي جزء من أعراض ‏مرض جنون الارتياب (البارانويا) وأن المجتمعات في الشرق الأوسط أكثر عرضة للإيمان ‏بنظرية المؤامرة واستخدامها كآلية تفسيرية للأحداث كون بعض الأعراض النفسية قد تنسحب ‏من الحالة الفردية للأشخاص إلى حالة عامة تصيب المجتمع بسبب التنشئة أو بسبب ترسخ ‏أنماط معينة من التفكير على مستوى واسع بين الجماعات،)! بهذه الفقرة يريد الجهاز الثقافي ‏والاعلامي الأمريكي اقناع العالم بان العرب مرضى بجنون الارتياب وانهم يتخيلون وجود ‏مؤامرات عليهم مع ان الاحداث الواقعية منذ المؤتمر الصهيوني الاول تثبت وجود مؤامرة ‏متسلسلة الحلقات.‏

والحط من شأن العرب باتهامهم بانهم مصابون بجنون الارتياب لانهم يتحدثون عن وجود ‏مؤامرة ضدهم تنفذ فعلا يتم عن طريق اتهامهم بانهم يروجون لنظرية المؤامرة فتقل قيمة ‏التحذير والتوعية ويصبح العرب عبارة عن مرضى يحتاحون للعلاج وليس لتوقف العدو ‏الخارجي عن تدمير وطنهم العربي! فحينما يقتنع المشاهد أو السامع خصوصا في الغرب الذي ‏اشبع عمدا بافكار نظرية المؤامرة وتطبيقاتها في الافلام فاصبح يرفض اي حديث عن مؤامرة ‏لسخافة نظرية المؤامرة فان ضحايا المؤامرة الفعلية يزجون رغما عنهم ضمن فئة المرضى ‏فتهمل قضيتهم ولا يجدون مناصرا لهم! وتتجلى خطورة الامر في انسياق العديد من الشباب ‏العرب مع هذا التيار المغسول الدماغ الذي يسخف اي حديث عن وجود مؤامرة! فهل يوجد ‏تأمر اخطر من تنفيذ مؤامرات وليس مؤامرة واحدة فقط ونجاحها وتقدمها ومع ذلك نجد بيننا ‏من يسخر ممن كشف المؤامرة ونبه لوجودها وخطورتها؟ يتبع...‏

للاطلاع على الحلقات السابقة

* كاتب ومفكر عراقي

Back to top button