للوهلة الاولى لقراءة التقرير يظهر بجلاء للقارئ أن التقرير مزج بين تخوفات شخصية لبعض معدي التقرير (على الوحدة) وبين ما يسعى المتحاورون من اجله في مؤتمر الحوار (ايجاد دولة جديدة) بدعوى فشل الوحدة الاندماجية.
فتغيير شكل الدولة ليس بالضرورة أن يكون فدراليا قائما على اقاليم (شمالي جنوبي أو اكثر) ليكون مدعاة للقلق لدى البعض حيث يمكن الدعوة لنظام يعطي الصلاحيات للمحافظات ويعالج الاسباب المعطلة لمصالح المجتمع والتي بدورها كانت سبباً لنفور الناس من الوحدة بسبب المركزية والتي استخدمها البعض لاستثارة الناس ضد الوحدة وبالتالي ايجاد حلول عملية للمشاكل الناتجة عن الممارسات الخاطئة للنظام السابق وضمان عدم تكرارها في المستقبل ويكون بذلك قدم معالجات حقيقية للقضايا المثارة..
سعي (التقرير) لتبني وجهة نظر طرف معين بمحاولة توجيه اللوم على شخص الوسيط الدولي (بن عمر) بينما المشكلة تكمن في الاطراف المتحاوره التي تشارك في المؤتمر الذي يتحاور فيه الجميع بروح المحاربين الذين يسعون لتحقيق نصر على (الاعداء) من وجهة نظرهم بانتزاع الموافقة من الجميع على طرحهم بخصوص بعض القضايا وليس ايجاد حلول حقيقية وواقعية للقضايا المطروحة على الساحة الوطنية.
فإذا افترضنا جدلاً عدم حيادية الوسيط الدولي (بن عمر) إلا أن المتحاورون بكل اطيافهم توافقوا على فكرة رفض الفدرالية هل بمقدور الوسيط الدولي (بن عمر) فرض فكرة الفدرالية على المتحاورين لا اعتقد ذلك وهذا ما جعل التقرير في هذه النقطة يظهر تبنيه وجهة نظر لطرف ما.
الامر المؤكد أن الانتقال السلمي للسلطة لم يتحقق بعكس ما اشار إليه (التقرير) بل هو تكرار لما كان يحدث قبل ثورة الشباب كحل لكل ازمة سياسية بين الفرقاء السياسيين من تقاسم للسلطة لأن الانتقال السلمي للسلطة يستوجب عملية استلام وتسليم خاصة بوجود شرط الحصانة في المبادرة التي تعني بالضرورة خروج (المتحصن) وتسليمه للسلطة للطرف الاخر لينعم بالحصانة ويترك للطرف الاخر العمل دون أية عراقيل وهذا لم يحدث والذي بدوره كان سبباً لاستمراء المتحصنون التوغل في سياسة الايذاء للثأر من الخصوم السياسيين اما عن طريق الفوضى على الارض أو باستخدام وسائل الاعلام لشن حملات تحريضية على بعض الاطراف السياسية واحداث ارباك للقيادة السياسية والحكومة على الارض مما استوجب التحرك لإيجاد حلول لوقف هذا العبث المتمثل بالتحصن بالمبادرة الخليجية وفي نفس الوقت العمل على عرقلة اتمام الانتقال السلمي للسلطة (وهو جوهر المبادرة) ما ادى لإيجاد مادة العزل السياسي التي اعتبرها التقرير من باب المكايدات السياسية ومخالفة لروح المبادرة الخليجية.
فلا يجوز الجمع بين الحصانة التي تعني عدم قدرة القضاء النفاذ إلى (المتحصنين) وفي نفس الوقت ممارسة العمل السياسي والتنفيذي والذي بالضرورة تحدث فيه الكثير من الاخطاء التي قد تستوجب المساءلة والمحاسبة القانونية وهذا يعتبر (تلغيم) للمبادرة وجوهرها (تسليم السلطة) من الاساس.
أغفل (التقرير) الاشارة إلى الوسائل الممكن استخدامها لإقناع بعض الاطراف بضرورة التقيد بما جاء في المبادرة الخليجية والخاص بموضوع الحفاظ على وحدة اليمن (الحراك) وكيفية اقناع الشارع في المحافظات الجنوبية بضرورة الالتزام بما نصت عليه المبادرة الخليجية بهذا الخصوص.. لو افترضنا جدلاً قدرة الدول الخليجية على اقناع قادة الحراك السياسيين كيف يمكن اقناع الشارع إن لم تكن هناك معالجات حقيقية؟
وكذلك الحال عن كيفية فرض الالتزام على بعض الاطراف للعمل في اطار النظام الجمهوري بعيداً عن دعوات الاحقية بالحكم وفق اعتقاد البعض بالحق الالهي لهم بذلك وتسليم ما لديها من عتاد عسكري ثقيل للدولة (الحوثة).
غلب على التقرير محاولة تحميل الوسيط الدولي مسؤولية الدعوة للفدرالية على اساس مخالفتها للمبادرة الخليجية والتي تنص على وحدة وسلامة واستقرار اليمن وما قد يترتب عليها من اضرار على وحدة البلاد (الفدرالية) وركز التقرير بطريقة ما على الدعوة لتغييره (الوسيط الاممي) بحجة التخلص من الآلية الاممية التي يمثلها والتي تتعارض مع المبادرة الخليجية بينما اغفل قراري مجلس الامن (2014-2051) للتأكيد على أن الوسيط الاممي لم يأتي حاملاً مشروع تقسيم اليمن بل دعم وحدة وسلامة واستقرار اليمن .. تماماً مثلما حدث في مؤتمر الحوار الوطني عندما ترك المتحاورون البحث عن حلول لمشاكل اليمن وركزوا على تحميل (الوحدة اليمنية) وزر اعمالهم والانقضاض عليها..
كما اغفل التقرير الاشارة إلى مخالفة الوسيط الخليجي لروح المبادرة بخصوص وحدة اليمن عند دعوتهم الاطراف للحوار تحت سقف (اللا سقف) وبالتالي فتحت المجال لكل الدعوات المطالبة بفك الارتباط والاصوات القائلة بفشل الوحدة الاندماجية بدل من فشل القائمين على الدولة في ادارة النظام وشؤون العباد وبالتالي المطالبة بتغيير شكل الدولة إلى الفدرالية التي يتوجس منها الكثير اليوم.
اخيراً اغفل (التقرير) تقرير اللجنة الفنية للإعداد للحوار التي تحولت إلى لجنة سياسية بوضع نقاط واشتراطات والمطالبة بتنفيذها كشرط من شروط (التسوية) وحلحلة القضية المطلبية (الحقوقية) للقضية الجنوبية والذي كان المدخل للخلافات واثارة الشكوك لدى الكثيرين من الاهداف الحقيقية من مثل هكذا اشتراطات ولربما اعتبرت تفخيخ لمؤتمر الحوار حتى قبل انطلاقه وتجاوز للدور الفني للجنة.
التقرير لم يشر للأخطاء التي رافقت عملية الاعداد لمؤتمر الحوار بإقصاء فئات مهمة من الشعب مثلما رافقت (الاخطاء) الاعداد للمبادرة الخليجية حيث يتعارض منح الحصانة والسماح بممارسة العمل السياسي.