هي فاجعة بكل ما في العبارة من معنى، فاجعة وطنية بكل المقاييس ذهب ضحيتها مئات الأبرياء. وذهب ما هو أعظم وأعني به الشعور بالطمأنينة والأمان بعد اقتحام قلعة الصمود والدفاع عن الوطن. ولا حد للأسئلة التي انطلقت منذ صباح الخميس الماضي الخامس من الشهر الجاري، ولم تكن وقفاً على العاصمة بل كانت على مستوى الوطن كله ومنها: إلى متى ستظل البلاد عرضة لهذا النوع من الفواجع المتلاحقة، ثم ما الهدف من وراء اقتراف هذه الفاجعة، ومن المستفيد من قتل المواطنين الأبرياء سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؟؟؟
أما عن الرعب الذي أصاب الناس العاديين، وفي صنعاء القديمة خاصة، فلا قدرة للكلمات على تصويره، وعلى تصوره، لقد شل الحادث التفكير وأفقد كثيراً من المواطنين حواسهم، وجعل من احتفظ بتماسكه منهم يبحث في ذهنه وأذهان الآخرين عن مبرر واحد لمثل هذا الفعل الشنيع، وفي عاصمة محاطة بالقلاع والمتاريس وبنقط التفتيش مما يكاد يصعب معه على ذبابة أن تتسلل إلى المدينة فضلاً عن السيارات والرشاشات، وهذا ما يضاعف من القلق ويجعل أيدي المواطنين تلوذ بقلوبهم خوفاً من تكرار هذه الفاجعة التي لم تكن الأولى بعد أن تابع الشعب نماذج لها في أماكن أخرى داخل البلاد، دون أن تنجح أجهزة الدولة في وضع حد لها، أو حتى تحديد ملامح القائمين بها تحديداً موضوعياً وبعيداً عن التكهنات والتخمينات التي كانت وما تزال تتردد وراء كل الأحداث التي تشهدها البلاد، وهي وراء حيرة الناس وتعدد أسئلتهم.
إن الشجب وحده لا يفيد، والإدانات التي بدأت فور وقوع الفاجعة لا تكفي، ومازال أمام الدولة وقت، وأمام جميع المواطنين وقت للبحث عن الأسباب والعوامل التي أدت وتؤدي إلى مثل هذه الفواجع، وهل هناك من وسائل غير المواجهة لسحب بساط الرعب وإنقاذ البلاد من المفاجآت الغامضة واستمرار الأفعال المدانة من جميع أفراد الشعب أطفالاً ونساء ورجالاً، سياسيين وقضاة وأساتذة وجنوداً وفلاحين وموظفين وعاطلين، لما تكبّده الوطن من ضحايا وللأثر السلبي الذي نتركه على طريق الخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية المتفاقمة التي أوقفت مسيرة البناء والاستثمار وتحسين مستويات المعيشة في بلاد أرهق الفقر أبناءها، ولم يعد في إمكانهم أن يتحملوا مزيداً من الصبر والفواجع.
ولتسمح لي القيادة السياسية أن أعرض في هذه الزاوية ما يدور في أذهان المواطنين من أبناء صنعاء القديمة يشاطرهم الرأي في ذلك سكان العاصمة أجمعون، عن ضرورة نقل موقع وزارة الدفاع من هذه المنطقة المفتوحة حيث لم يعد مناسباً، لقربه من مواقع الزحام اليومي، من باب اليمن التاريخي، ومن الجامع الكبير والمباني الأثرية للعاصمة، وفي مقر القيادة الحالية متسع لوزارة الدفاع وغيرها، ولي أن أقول في هذا الصدد أنني تقدمت قبل خمسة عشر عاماً تقريباً باقتراح موضوعي بتحويل مجمّع الدفاع إلى جامعة تسمى جامعة 26 سبتمبر فمنه انطلقت شرارة الثورة اليمنية، وإذا كانت هذه التسمية لا تروق للبعض فلتكن جامعة 22 مايو وهو اليوم الجامع لمشاعر جميع اليمنيين، لكن ما يؤلمني ويحز في نفسي أن هذا الاقتراح ذهب أدراج الرياح ولم يُدْرس أو يتم النظر إليه وكان ذلك قبل التوسع الهائل في البناء وتجديد المكاتب وما شهده الموقع من تطور معماري وإصلاحات صار معها "العرضي العثماني" لا يشكل سوى عشرة بالمئة فضلاً عن المستشفى النوعي وتجديد الجامع والعناية الفائقة بإنشاء الحديقة بعد أن كانت صعيداً جرزا.
لقد كنت على يقين أن تحويل ذلك المبنى إلى جامعة أيّاً كان اسمها سيخدم الجزء القديم من العاصمة وامتداداته شمالاً وجنوباً حيث الكثافة السكانية، وسيعطي فرصة ذهبية لفتيات صنعاء القديمة اللائي يتعذر عليهن الانتقال اليومي إلى جامعة صنعاء كما سيخفف على الطلاب أعباء المواصلات إلى الكليات البعيدة ويساعد على التخفيف من الزحام. وإذا كان هذا الاقتراح قد رُفِضَ في حينه ولم يتم النظر إليه فإن إعادة النظر فيه الآن تغدو ممكنة، والمصلحة العامة والوطنية تقتضي الوقوف أمامه بقدر كبير من الجدية والتفاعل وسيكون إذا ما تحقق انجازاً يحسب للنظام القائم ومأثرةً تتذكرها الأجيال بكل الإجلال والتقدير، ولا ينبغي أن ننسى أن الثكنات العسكرية في الماضي كانت خارج أسوار المدينة وبعيداً عن التجمعات البشرية ناهيك عن باب اليمن الذي يعتبر بما حوله أكبر منطقة زحام في العاصمة على الإطلاق.
الديوان الأول للشاعر عبد الرحيم التويتي:
كان إلى وقت قريب من أنشط الشعراء وأكثرهم حضوراً في المحافل الشعرية والأدبية ثم اختفت أخباره وأخيراً ها هو ذا يطالعنا بديوانه الأول الذي يضم عدداً كبيراً من القصائد الوطنية والاجتماعية والقومية والعاطفية. والشاعر عبدالرحيم التويتي من الشعراء المبدعين المتمكنين من الشعر الشعبي ومقوماته اللغوية والعروضية. ولا أدري لماذا اختار لديوانه عنواناً متشائماً هو (من قبر الأحياء)، وهو عنوان قصيدة كتبها وهو نزيل سجن دار البشائر، بعد أن جمع بعض قصائده الوطنية في شريط لم يعجب بعض المتنفذين.
تأملات شعرية:
لا تعتذر عمّا فعلتَ
ولا أنا.
حاول إذا ما اسطعت
أن ترجع إلى ما كنت،
هذا ما أحاوله أنا .
ولسوف تدرك يا رفيقي
أننا تهنا عن الدرب القويم
وأننا من دون أن ندري
ضللنا كلنا!