وحش مقطوع الرأس يتجول حاصدا أرواح اليمنيين من مدينة إلى مدينة ومن شارع لشارع ومن معسكر إلى آخر ومن حصاد أصغر إلى حصاد أكبر صاعدا بثبات نحو الرموز الكبرى لهيبة الدولة وسيادتها .
قصص عديدة يتناقلها الناس بذهول من حجم الجريمة في العرضي ، فيما تغيب قناة اليمن الرسمية عنها اذ يفترض ان تفتح شاشتها لشهادات الشهود وأسر الضحايا. قصص محزنة يتداولها المشيعون الذين احتشدوا أمس في جنازة الدكتورة جميلة البحم ، قتل الأطباء والممرضات والمرضى. وبين السرد الحزين لما حدث يتدفق تعاطف وتضامن لا حدود لهما مع الضحايا ، وقلق لا قعر له على اليمن ؛ علينا جميعا من ضياع هيبة الدولة أمام وحش مقطوع الرأس يجندل جنود اليمن وضباطها وأطباءها وأبناءها أينما صادفهم ومر بهم طوال أكثر من عامين.
وحش مقطوع الرأس يدور في مدن اليمن معمما العبوات الناسفة وموتورات الاغتيال والتفجيرات الانتحارية واغتيال ضباط الجيش والأمن واقتحام المعسكرات وتفجير الأنبوب وتعطيل الكهرباء وصولا إلى فتح فجوات الاقتتال الطائفي .
وحش مقطوع الرأس يتجول كشبح مخيف مخلفا وراءه الدماء والأنين وبيانات العجز وعويل الثك إلى ووجوم المكلومين بفقد أحبائهم وذهول كل اليمنيين وهم يشهدون بلدهم يتسرب من بين أصابعهم كحبات الحصى المتناثر بعواصف الكانتونات الطالعة من جوف الجثة المتقيحة لنظام عتيد يتفتت.
نظام وبائي يتحلل موزعاً كل مخزونه التدميري المضغوط على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
نظام تحول إلى خلطة أشبه بالسلاح الجرثومي كنتاج منطقي لسنوات عجاف من صناعة التشظيات وتشكيل العصابات وتفتيت النسيج المجتمعي ودمج أساليب ومنظومات المافيا في بنية السلطة ومؤسسات الدولة وإحلال مواثيق الأخويات الدموية المستذئبة مكان الثقافة المجتمعية المسالمة التي ميزت اليمنيين في كل مراحل تاريخهم كبشر هم " الأرق قلوباً والألين أفئدة " الآية التي ترجمت سمتهم الأولى المعبرة عن كينونتهم.
الألين قلوبا والأرق أفئدة ، دونما ضعف أو هوان ، ذلك أن رقة الفؤاد ولين القلب تسكن شعبا " هم ذوي قوة وأولي بأس شديد.
الآن يعيش اليمنيون ذهولا صادماً وهم يشاهدون قتلا مجانيا وحشيا منفلتا من كل الضوابط التي ترافقت حتى مع الاستذئاب البشري وسلوك الغابات.
سعوديون أغلبهم نعم ، ولكن اليمني لم يسلم من حالات انعدام وزن كهذه ، حالات استثنائية يشاهد فيها اليمنيون أنموذجا وحشيا " لليمني " المغسول الدماغ ؛ يعمل خنجره ورصاصه في بشر لا يعرفهم وكأنه كائن غسلت دماغه زوايا التطرف المظلمة ، وسلمته وحشا جاهزا لشبكات نفوذ مستذئبة جريحة فقدت سلطتها " جنتها " وتلتقط أدوات القتل البشرية من مربعات مسحوقة أشبه بالهوام البشري.
قاع واسع أنتجته هذه الشبكات نفسها في إقامتها الطويلة ك " فايروس " متحكم بالدولة والمجتمع.
قاع واسع يفيض بزوايا مظلمة متنوعة بين التطرف الديني والبلطجة البوهيمية والهوام الديزبامي والتائهين بين الزوايا المظلمة وطائفة واسعة من نفس المخزن الخراب. زوايا مظلمة تجد فيها حاجتها لوحوش مستعدون للقتل تغذي بهم كائنها الأخطبوطي اللزج متعدد الأذرع وممتد الأطراف على كل الجغرافيا اليمنية الدامية.
وحش ضخم مقطوع الرأس يتنقل في الظلام ناشرا الموت والرعب والخراب من أبين إلى المكلا إلى رداع إلى السبعين. وحش مقطوع الرأس كان أمس دمويا ومصاص دماء في العرضي ، وضرب بعده بخفة ترفية في البيضاء وتعز ، ومر بجانب رأس الدكتور ياسين في صنعاء ، والقائمة مفتوحة بلا نهاية بقسميها الجملة والتجزئة ؛ ... فيما "رُبانْ السفينة" لم يغضب بعد ، ولم يرتق بعد إلى مستوى مواجهة الهلاك الذي يبشرنا به وحش مقطوع الرأس يتجول في كل الأنحاء بين ظهرانينا.