أكرر أن من أسوأ ما قامت به الدولة الزيدية - دولة الإمامة على مدى عقود في اليمن - توريث تخلف القائمين الاصطفائيين عليها في الإقطاع والملكية وأدوات الإنتاج التقليدية المنحطة، إضافة للتكوين الثقافي المغلق والعلاقات الاجتماعية العشائرية إلى الحلفاء والأتباع القبليين أيضاً؛ فبعد ثورة 1962 ضد الأئمة ظهر المشائخ تماماً متطابقين مع عقلية من أرضعوهم حليب اللاتطور والاستقواء، مناهضين على الدوام لقيام دولة مركزية قوية من الناحيتين السياسية والإدارية، كما مبدأ المواطنة المتساوية مع بقية الغالبية من الشعب.
وحتى وإن كان بعض هؤلاء قد خاضوا شوطاً مهماً في النضال الوطني ضد الإمامية مثلاً؛ إلا أننا سرعان ما سنكتشف بأنهم ضد تقوية فكرة الدولة لفرض المصلحة العامة عبرها لصالح كل الشعب، أي أنهم كانوا يتقمصون فقط مظاهر الجمهورية والقانون والدمقرطة.. والثابت أنهم استمروا يذودون عن مصالحهم الخاصة عبر فكرة الدولة فيما ظلت علاقتهم بها - وقد تطلبت تحولات الواقع تكوين علاقة مفترضة معها - مبنية على أساس الاستفادة الأنانية وبس؛ باعتبار أن لهم - خلافاً لغيرهم من طبقات الشعب بالطبع - حقوقاً تاريخية مشروطة وواجبة، يجب أن تأخذها هذه الدولة في الاعتبار، ما لم فإنهم بسلاحهم - الذي لم يرضخ أبداً لسلطة الدولة الهلامية أصلاً - سيفرضون ما يريدون.. تباً لتلك التركة التي مازالت تعيقنا حتى اليوم.