بعد أن مرت أيام الاختطاف الغير أخلاقي للشباب محمد منير أحمد هايل، وكانت صعبة على أهله، إلا أن هذه الأسرة تميزت بالصبر والحلم ورفض المساومة حتى لا تسن سنة سيئة في هذه البلاد. فروحها الوطنية وأخلاقها منعتها من ذلك رغم خطورة الوضع وإنقاذ نفس. أدركت هذه الأسرة الأبعاد في ظل الظروف الصعبة التي تم بها البلاد والخوف من نتائج الاستسلام لشروط الخاطفين وإعطاء المشروعية لعملهم الذي يتنافى مع مبادئنا العربية وأخلاقنا الإسلامية والأعراف القبلية. وهي حالة وسلوك دخيل على اليمنيين الذين هم من وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيمان والحكمة.
ورغم ذلك تحركت القبائل نفسها برئاسة الشيخ غالب الأجدع وغيره برفض هذا السلوك ولأنه مس أفضل وأكرم أسرة في اليمن معروفة بسلامها وأخلاقها وكرمها.فهذه الأسرة التي تمسح دمع اليتيم وتواسي الأرملة والمحتاج وتقدم مشاريع الماء والصحة والتعليم ولا تتوقف عن عمل الخير. وقد أوجدت جمعية خاصة بهذا يستحيل أن تحمل العداء أو الإساءة للوطن وهي لا تميز بين أبناء اليمن.
عرفت الحاج هايل يخرج من بيته إلى المستشفيات لمساعدة المرضى والتخفيف عليهم، وعرفت هذا الرجل يسافر للقرى للإصلاح بين الناس، وعرفته أبا للجميع. وأخر أيامه كان بمستشفى عرفان بجدة وطلب تسديد فواتير المرضى المتعسرين دون النظر لجنسياتهم. ورأيته يقدم المساعدات للمراكز الإسلامية في أفريقيا وآسيا وغيرها. وعرفت ابنه أحمد هايل رحمه الله يسير على نفس النهج، وكذلك علي محمد سعيد الذي له دور في الدفاع عن اليمن وخدمتها والسعي لخدمتها وجمع الكلمة، وفتح بيته لكل رجالات اليمن والمساعدة بالرأي وغيره لما فيه المصلحة العليا. وهذا الرجل ترك المناصب لأجل أن يخدم أمته. وهذا أخوه عبد الرحمن هايل أمده الله بالصحة والعافية يساعد الطلبة وينشر التعليم ويساهم في التفريج عن هموم الناس. وعبد الجابر صاحب الدين والمشاريع الهادفة والمشاركة في كل ما فيه خدمة الأمة ومساعدة الناس ونفقد أحوالهم وبذل المستحيل في هذا المجال. وهذا عبد الواسع الذي يشارك الناس ويساهم في كل نشاط اجتماعي من البرامج الإنسانية ويمن لا قات ومكافحة السرطان وغيره. وهذا إبراهيم صاحب الأخلاق والتواضع والأدب وحب الخير. وكذلك الجيل الثالث كثير ممن عرفتهم كذلك كفتحي عبد الواسع وأخوه محمد وهايل عبد الرحمن ومنير وصلاح وأولاد أحمد هائل.
هذه الأسرة ضربت مثلاً في التماسك واحترام الكبير ورحمة الصغير، وهي أسرة متماسكة. فهناك أسر كبيرة تجارية في الخليج تفككت ووصلت للمحاكم، إلا هذه الأسرة التي تحكمها القيم والأخلاق وحسن التربية. وسمعت من والدهم يقول لي رحمه الله، إنه لا مجاملة ولا محاباة والكل سواء في العمل والإنسان يثبت وجوده في العمل من خلال ممارسته وإثبات جدارته.
لقد كانت أيام الاختطاف فترة صعبة على هذه الأسرة وغيرها. ولكن رغم ذلك كان هؤلاء واثقين من الرضى بعدل الله ورحمته وأعمالهم كانت تشفع لهم عند ربهم ولم يقروا المبدأ الخاطئ للمساومة الغير عادلة حتى لا تصبح تلك ظاهرة منتشرة في البلاد. فاليمن أغلى عندهم من أعز أبنائهم. قدموا نموذج لكل يمني ودرس لخاطفيه وللآخرين، وكان أقوى الردود وقمة السلوك الحضاري رفض التحكيم والعفو والسماح تمثلاً بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتثالاً لأوامر القرآن العظيم.
لقد كان موقف الأسرة على لسان الحاج عبد الواسع يقدم سلوكاً حضارياً إسلامياً. ويقول لهؤلاء تمسكوا بأحسن ما في الإسلام العفو والأخوة والسماح وطلب الخير من الله سبحانه وتع إلى وليقولوا لأهل اليمن أنشروا المحبة والعفو والسماح وتجاوزوا عن بعضكم، والانتقام والدم لا يجر إلا الدم. وقوتكم بأخلاقكم. لقد مارسوا الحضارة الإسلامية سلوكيا وليس شعارات، فكانت أقوى مت الرصاص والسلاح وأقوى من المال ورغم أنهم كان بإمكانهم العمل وبذل الأموال والانتقام إلا أنهم رفضوا استخدام النفوذ.
ونحن بحاجة إلى أن نتعلم من هذا الموقف في ظل الظروف الصعبة في اليمن. لماذا لا نعطي صورة همجية عن بلادنا بالقتل والاختطاف والإرهاب والعنف. لماذا ثقافة الكراهية والحقد. ولن نستطيع أن نبني اليمن وننهض به إلا بالأخوة والمحبة والعفو والسماح . رسولنا الذي علمنا العفو والسماح قالها في مكة ماذا تظنون أني صانع بكم .. قالوا أخ كريم وابن أخ كريم .. قال . اذهبوا فأنتم الطلقاء. وأقول لكم كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لي ولكم وهو أرحم الراحمين. فهذا يوسف رغم معاناته والتآمر على حياته إلا أنه عفا وصفح. الإسلام دين العفو ورسولنا أكرم كل من حاربوه وأساءوا إليه.
ندعو للوحدة الوطنية والأخوة بيننا. كان الواجب على العلماء والإعلام أن ينشروا هذه الثقافة الإنسانية الحضارية ويعلموا الناس . وهذا يستدعي أيضاً محاربة السلاح وانتشاره وتغيير ثقافة استعمال القوة والسلاح والعنف. وبصراحة لا مجال لتقدم اليمن وإثبات دورها وحل أمورها إلا بالأمن والاستقرار ومحاربة السلاح والدعوة للأخوة والحب والوفاء ومحاربة الظواهر الدخيلة على الإسلام والسلوك اليمني. ويجب أن يكون هذا الحدث درس وعبرة يستفيد منه الجميع. والله الموفق.