[esi views ttl="1"]

هل يجوز القول إن اليمن بات يشكل همّا أمنيا أساسيا لدول الخليج؟

لم يكن اليمن يوما همّا لدول مجلس التعاون الخليجي الست، ولم يكن مصدر تهديد لهم، غير أن وجود دولة فقيرة جدا تسيطر على باب المندب وذات كثافة سكانية كبيرة تقاسم شبه جزيرة تضم - باستثناء المملكة العربية السعودية - دولا صغيرة ذات كثافة سكانية قليلة وثروات كبيرة.. أحجية تحتاج إلى حل.

لقد تداعت جميع الدول الكبرى وأرسلت أساطيلها البحرية قرب السواحل الصومالية وباب المندب وبحر العرب، عندما هدد القراصنة أمن التجارة البحرية، لأن الأمن الإقليمي جزء من الأمن العالمي، وهو كل لا يتجزأ، ومن مقوماته عدم وجود «دول فاشلة» في الجوار، كما حدث للصومال.

من جهة ثانية، يجب القول إنه ربط كثير من السياسيين الاستقرار بدول مجلس التعاون الخليجي باستقرار ورفاهية اليمن الذي يُعدّ اقتصاده من أفقر الاقتصادات في العالم، وذلك ليس بسبب طول الحدود التي تربطها بالسعودية وعُمان، وليس بسبب جغرافيتها المطلة على باب المندب والسواحل المقابلة للصومال فقط، بل أيضا لأراضيها الشاسعة وصحاراها الكبيرة، التي أصبحت معسكرات للتنظيمات الإرهابية التي تساهم في تفريخ الإرهاب لهذه الدول.

لقد نجح مجلس التعاون الخليجي في رفع فتيل الأزمة في الحراك اليمني، وكانت «المبادرة الخليجية» التي استطاعت أن تبعد الرئيس السابق علي عبد الله صالح من الحكم لصالح نائبه عبد ربه منصور هادي، والذهاب إلى حوار سياسي يخرج بنتائج توافقية. ولكن ضعف الحكومة المركزية اليمنية سمح لـ«القاعدة» بالتنامي في مدن اليمن وصحاريه الواسعة، وأصبحت دول التعاون معنية، ليس بحل الأزمة الناجمة عن الربيع العربي فقط، بل تأهيله سياسيا واقتصاديا، ليغدو دولة تستطيع الاعتماد على نفسها وبمواردها وتحقيق التنمية المستدامة، مما يتطلب مساعدة من دول «التعاون».. وهكذا نجحت «المبادرة الخليجية».

غير أن ما يُؤسف له أن الحراك السياسي اليمني الأخير لم يطمئن دول التعاون وإقناعها بالعودة إلى مشروع الانضمام إلى المجلس الذي كان حلم اليمن، لا سيما أن اليمن يستطيع إكمال كثير من النواقص، أهمها القوى العاملة في هذه الدول. لقد خطت دول التعاون، وبإجماع الدول الست، قبل حلول عام 2011، كثيرا من الخطوات، التي من شأنها تأهيل اليمن للدخول بالمجلس، وأدخلته ليس في الرياضة فقط بل في كثير من اللجان المتعددة للمجلس. وتأتي هذه الخطوة متزامنة، وما كان اليمنيون يشعرون به منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي، من أنهم جزء من هذا المنظومة في شبه الجزيرة العربية، وأنه من غير المعقول استبعادهم لأي سبب. ثم كانت مشاركة اليمن في عدد من اللجان المنبثقة عن الأمانة العامة للمجلس مكان ترحيب.

وقبل «الربيع العربي»، بدأت دول التعاون بالفعل إعادة تأهيل الاقتصاد اليمني، ودمجه في اقتصادات دول المجلس، في إطار الجهود المبذولة للتسريع بخطوات ضم اليمن إلى منظومة دول المجلس. ويقدّر الاقتصاديون أن مشروع خطط التعاون في سد الفجوة الاقتصادية بين الجانبين - باستثمار ثابت - تتراوح بين 40 و50 مليار دولار أميركي.. وهي توقّفت بعد ربيع العرب.

ولقد كان مشروع السكك الحديدية أحد هذه المشاريع الناجحة التي من شأنها ربط اقتصاد اليمن باقتصاد دول التعاون، وخلق كثير من الوظائف والمشاريع ونقل المصادر الطبيعية والمنتجات الزراعية إلى دول التعاون.

من الضروري عدّ المشكلة اليمنية مشكلة خليجية، ومواصلة الاستثمار في اليمن على عدة أصعدة في التعليم والاقتصاد والنفط. هموم اليمن كثيرة، بالإضافة إلى فقدان الأمن، الذي يُعدّ أمرا طارئا مرتبطا بالأوضاع الاقتصادية، وبالذات الفقر والجهل لأن الأخيرين هما أساس المشكلة. لقد أسهمت قلة الموارد في رفع نسبة البطالة، وأدى سوء إدارة الحكم إلى استشراء الفساد، لا سيما بعد الاكتشافات النفطية التي من الممكن أن ترفع دخل الفرد قليلا في اليمن.

هذا البلد لم يشهد الاستقرار الحقيقي إلا في فترة محدودة بقيادة إبراهيم الحمدي في منتصف السبعينات، غير أنه راح ضحية الانقلاب عليه، لأنه رفض سيطرة زعماء القبائل على القرار السياسي. ولكن الحمدي في المقابل أعطى دورا جديدا قويا للجيش الذي استطاع من خلاله علي عبد الله صالح قيادة اليمن لأكثر من 33 سنة. من ناحية ثانية، لم يستفد اليمن من الوحدة كثيرا، ولم يستفد من استقرار وسيطرة «الدولة المنظمة» في اليمن الجنوبي، التي هي نتاج لاستمرار تأسيس الدولة الحديثة في اليمن أثناء الاستعمار البريطاني لعدن. ولم يستفد أيضا من الانفتاح والحرية الاجتماعية التي كسبها المجتمع المدني من الثورة الاشتراكية اليمنية، مما جعله مقرا آمنا لـ«القاعدة».

دول مجلس التعاون الخليجي لا يمكن أن تستقر تماما من دون استقرار اليمن، ورفع مستوى معيشته، ورفع مستوى اقتصاده، بصورة تضمن وقف تدفّق العمالة اليمنية إلى الخارج. كذلك على اليمن الحفاظ على حدوده من الهجرة الأفريقية إليه، خصوصا من الصومال المضطرب. وهذا الرأي لم يغب عن النخبة باليمن، إذ قال وزير الخارجية اليمني أبو بكر القُربي في «حوار المنامة» الأخير: «إن اليمن نجا من الدخول في أزمة سياسية طاحنة كادت تودي إلى حرب أهلية»، وتابع أن اليمن «يتعرض حاليا لمحاولات بعض القوى عرقلة مرحلته الانتقالية لحماية مصالحها، غير أن الشعب اليمني لن يسمح لها بذلك.. وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه اليمن، فإنه يظل عنصرا مهما في المنطقة، من خلال الموقع الجغرافي الذي يطل على ممرات مائية دولية, وباعتباره السياج الجنوبي للجزيرة العربية.. وهناك جهود قوية لمنع انتقال العمالة خصوصا اليمنية إلى دول التعاون الخليجي، الذين يهدفون لتأمين لقمة العيش، بينما هناك تغاضٍ عن انتقال الإرهابيين بيسر وسهولة، وخصوصا إلى اليمن، بالإضافة إلى أن اليمن يعاني من وجود نحو مليون أفريقي على أراضيه، بالإضافة إلى وجود عناصر تنظيم القاعدة.. وهذا يحتاج إلى جهد دولي».

*إعلامي وكاتب بحريني

زر الذهاب إلى الأعلى