من الأرشيف

اليمن تحت القصف الأمريكي

يقف اليمن اليوم، أمام مفترق طرق تتداخل فيه السياسات والرغبات والمصالح، وتبدو الأمور في غاية الضبابية بعد رحيل شخص الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وهكذا أصبح مصير اليمن رهينا بعملية الترتيب السياسي الداخلي الموزع على عدة قوى واتجاهات سياسية داخلية، ومرتبط بسياسات تجاذبية أو تنافرية مع الوضع الاقليمي أو الدولي، حيث الحراك الجنوبي الذي يعبّر عن خيبة أمل الجنوبيين في الوحدة التي أخذت منهم كل شيء ولم تمنحهم شيئا، وعاملتهم كمواطنين من درجة ثانية حسب تعبيرهم، والحوثيون الذين صعد نجمهم في السنوات الأخيرة، وتزودوا بالسلاح وتحصنوا في الجبال بالقرب من الحدود السعودية، وقد دخلوا حروبا مع الدولة التي وجدت في الدعم السعودي فرصة لتعميم المشكلة، إلا أن الجيش السعودي اضطر للاستنجاد بالجيش الأردني والجيش المغربي لمواجهة سطوة الحوثيين، وهناك السلفيون الآخذون في التنامي وهم القوة الخصم تقليديا ضد الحوثيين، وعلى علاقة تقترب من المملكة السعودية، وهناك الإخوان المسلمون وهم قوة راسخة وتقليدية في المكون السياسي اليمني، هذا بالإضافة للمؤتمر الشعبي الذي لايبدو أن موجات الربيع العربي قد أثرت على حضوره، وبجانب هذه القوى السياسية هناك القاعدة المتحالفة مع القبائل في الجبال، وهي تستولي على مناطق وتتسلح وتتدرب وتجنّد مقاتلين..

هنا لابد من الإشارة إلى دول لها علاقة بما يحصل في اليمن، ويبحث كل منها عن نفوذ له في هذا الموقع الجيواستراتيجي الخطير، ويبدو أن كل طرف إقليمي أو دولي غير مستعد للتراجع عن دعمه لهذا الطرف أو ذاك في لعبة نقل المعارك على أرض الغير، فضلا عن امتلاك ورقة ضغط مطلوبة له في التوازنات السياسية.

تتقاطع المواقف الداخلية من هذا الخصم أو ذاك، وتتبدل المواقع السياسية من حين إلى آخر بين هذا الخصم أو ذاك، المهم أنه لا يوجد في الأفق القريب تصور لمشروع وطني جامع، ذلك بسبب حدة الارتباط الداخلي بالخارج.

ولا يقف الأمر عند خطورة كل هذا التشظي الداخلي، فهناك ما هو أخطر، إنه قيام الطائرات الأمريكية بدون طيار من حين إلى آخر بقصف المدنيين اليمنيين، وكم حصل أن ألقيت الصواريخ على يمنيين وهم في مناسبات اجتماعية، فذهب ضحية ذلك عشرات القتلى والجرحى..

لقد أجمعت كل القوى السياسية اليمنية على إلغاء كل المعاهدات الأمنية السرية والعلنية مع الإدارة الأمريكية، ووصل الملف إلى البرلمان اليمني الذي أقر هذا التوجه، معلنا أن كل تلك الاتفاقيات أصبحت في حكم الملغاة..

إلا أن تصريحات يمنية رسمية تفيد أن التدخلات الأمريكية كانت بموجب مشاركة يمنية عمليا في ذلك المخطط، وأن هناك يمنيين يعملون في قواعد أمريكية في الخليج، يشتركون في الاشراف على قصف الطائرات الأمريكية لمناطق ما يسمى بالقاعدة.

اليمن هو زعيم القرن الإفريقي، ولقد كان لعدة عقود في العصر الحديث أحد أهم ضمانات الأمن القومي العربي، ويعرف الجميع حساسيته في الصراع العربي الصهيوني، ودوره المتميز في حرب 1973..

ومن هنا يأتي التخطيط المنهجي لتفتيته داخليا ومحاصرته خارجيا، فهل يتدارك اليمنيون بلدهم من التمزيق؟ ذلك ما نعرفه عنهم من حكمة وإيمان.. تولانا الله برحمته.

زر الذهاب إلى الأعلى