أرشيف الرأي

بن عمر يفكر بالطريقة اليمنية!‏

ما جاء به المبعوث ألأممي جمال بن عمر في نقاطه المفسرة لآلية شكل الدولة اليمنية ‏المقترحة بتحول اليمن إلى دولة اتحادية في جملة نقاط وصفها بحسم آلية تقسيم الأقاليم ‏وحدودها في الدولة، لقد توارى عن الأنظار لأسابيع بعد تهديده معرقلي العملية السياسية وكان ‏الرأي العام اليمني يتوقع منه عودة مظفرة مسلحا برؤية أممية لحسم القضية اليمنية وذلك ‏بالكشف عن معرقلي العملية السياسية، فإذا به يخرج لنا فلم يأتي بجديد وإنما تمخضت أفكاره ‏مع بعض أقطاب الحوار في رؤى فضفاضة لم تلقى ترحيبا يذكر..‏

ومن خلال ردود الأفعال الأولية لأهم الأحزاب الفاعلة في المشهد اليمني التي منيت بخيبة ‏أمل فلا رضي به هذا ولا قبل به ذاك، فبينما سارع المؤتمر بوصف تلك الرؤية (بالفخ)، تمسك ‏الاشتراكي برؤيته في الحل بإقليمين، ناهيك عن بقية القوى في الساحة التي لم تتحمس لتلك ‏الرؤية، وهكذا وكأن بن عمر فسر الماء بعد الجهد بالماء ولازال المبعوث ألأممي نفسه يدور ‏حول حلقة مفرغة، وغدا بتفسيره لرؤيته لليمن الاتحادي من زاوية الإقرار بحتمية هذه النهاية ‏للازمة اليمنية مع إنها قدد تكون بداية لازمات أخرى( مع إني أتمنى ان أكون هذه التوقعات ‏المتشائمة في غير محلها ) فبدلا من أن يساعد اليمنيون في تشخيص مشاكلهم أصبح ويكشف ‏معرقلي سير العملية السياسية المتعثرة، نراه يفرض رؤى قد لا تكون بالضرورة ناجحة، ‏وليس من المعقول اختزال هموم اليمن في تقزيم الوطن وتقسيم المقسم فيعاقبون الأرض ‏بأفعال الساسة فما ذنب الأرض ان تقطع أوصاله بسكاكين دهاقنة السياسة إرضاء لأهوائهم ‏المريضة وكأن مشاكل اليمن تنحصر في الفدرالية، فالتغيير المنشود لأي ثورة هي تصحيح ‏العلاقة بين الحاكم والمحكوم وليست بين الشعب والوطن، فلماذا تعاقب الأرض بأفعال الساسة!‏

‏ وهل خطر ببال المتظاهرين وخاضوا نضالا وكذا من استشهدوا أو وأصيبوا في جمعة ‏الكرامة وغيرها، ومعاناة الشعب الطويلة للخروج من هذا النفق المظلم فقط من اجل شكل ‏الدولة اليمنية وينحصر الخلاف هل فدرالية بإقليمين أو أكثر من إقليم

في بلد واحد سيتحول النزاع ويرحل فقط آجلا أو عاجلا بين أجزاء المجزأ فهل هو قدر ‏اليمنيون ان يتلقون حلولا جاهزة سواء من الخارج من نخب الداخل التي لا تمثل بالضرورة ‏السواد الأعظم بل يمثلون أحزابهم، ورغم إحساس كل الأطراف بأنها مغبونة واعتبارها قسمة ‏ضيزى فهي في نهاية المطاف لم تخرج من دائرة وجوب الفدرالية وكأنها قدراً محتوما ‏لليمنيين، مشكلة اليمنيون هي انهم حصروا أنفسهم في قوالب مقدسة ووضع ساسته في زاوية ‏نصوص ملغمة ابتداء من المبادرة الخليجية التي حملت بذور فنائها في طياتها فكانت مجرد ‏خطوط عريضة أبقت من افسد دولتهم لثلث قرن يواصل عبثه بتفرغ كامل فيترك الرئاسة ‏ويتفرغ للسياسة ويحكم نصف الحكومة ويعارض النصف الآخر، ويجعل من الرئيس التوافقي ‏مجرد مطية لتمرير مخططاتهم ومحلل لعودة ظافرة لمنقذ اليمن من هذه الفوضى الخلاقة، ‏فالرئيس التوافقي هو من قذفت به الأقدار لسدة الرئاسة ليس له منها سوى الاسم وصدق عندما ‏قال لقد سلموا لي العلم ولم تسلم لي السلطة. الإشكال هنا أن الرئيس عبده ربه قد وجه ‏شخصيات سياسية بدراسة تلك المقترحات، وهي تقريبا نفسها من قام بصياغة المبادرة ‏الخليجية والتي لم نكتشف أخطائها إلا بعد حين!‏

في رؤيتي المتواضعة لما طرحة بن عمر في مضمونها ترمي لدولة مدنية حديثة إلا انه يرى ‏بأنها تخرج من فوهة الحل الفدرالي، فلماذا لا يؤخذ من تلك النقاط وكذا من تجارب الآخرين ‏لما يرسخ لتأسيس دولة مدنية وسن دستور يجمع عليه كل اليمنيون باستفتاء عام، بينما يتم حل ‏إشكالية الاستفراد بالسلطة من خلال المركزية بحلول أخرى بديلة للفدرالية والتي غدت لدى ‏العامة شبح مجهول الهوية، اليمنيون البسطاء تاهوا في خضم هذه المصطلحات ويحتاج ‏لدروس خصوصية لففهم ما يخطط لهم، فالجهل مطبق والإعلام الرسمي والحزبي يعمل بلا ‏هوادة لترويج رؤى تلك النخب المتناحرة فيما بينها وتضل الحقيقة هي المغيبة، الإنسان ‏البسيط يريد ان يرى الأمن والاستقرار ويحفظ كرامته ومصدر رزقه بعيدا عن التنظير ‏والديماغوجية.‏

ماذا دهاء اليمنيون، أهل الحكمة، أليس فينا راشد حكيم، أين عقلاء اليمن وأين رجالاتها، ‏اليمن ليست عقيمة بشبابها وعقلائها، لماذا يتسلط علينا من اثبت فشله لعقود مضت وحول ‏اليمن لدولة فاشلة، هل هناك من يدرك إننا نسير للهاوية دون أن ندرك مخاطر ذلك، وتأتي ‏الفدرالية في أجواء متوترة بين أبناء الشعب الواحد بعد شيطنة الشمال وكأنه السبب في تعاسة ‏الجنوب مع ان ذلك من أفعال الساسة والذين يتصدرون المشهد السياسي للأسف.‏

يبدو إننا ننزلق إلى المحذور بطريقة الموت الرحيم فوضى خلاقة في بقاع اليمن وانحسار ‏الوطنية والنخوة اليمنية وغداء الولاء للأشخاص والأحزاب، غير مدركين ان اليمن فوق ‏الأحزاب وفوق الأشخاص، هذه ليست أحزاب وإنما جمعيات خيرية وواجهات للاستحواذ على ‏السلطة، اين ديمقراطية الأحزاب ولماذا لا تتغير قيادة الأحزاب كما في كل دول العالم النامي ‏والمتخلف لماذا يصرف النظر عن ساسة اليمن الذين عبثوا بالبلاد والعباد، ولماذا كان الحوار ‏الوطني غاية وليس وسيلة ولماذا لا نستفيد من أخطاء الماضي، لقد كان الخطاء الأكبر في ‏الحوار انه احتوى كل مشاكل اليمن بدون سقف للثوابت التي كان يفترض ان تكون وحدة ‏اليمن فوق كل اعتبار، ولو كان ذلك لما وصل بنا الحال إلا معضلة الفدرالية وكأن مشاكل ‏اليمن المتعددة قد اختزلت في الفدرالية التي ستكون العصاء السحرية لكل هذه المعضلات ‏بضربة سحرية وبمجر إقرارها سيعيش اليمنيون في وئام وسلام ورغد من العيش، والحال ‏عكس ذلك فمشكلة اليمن هي في غياب الدولة المدنية والتي لا زالت مراكز القوى العسكرية ‏القبلية المتحالفة بالأمس المختلفة اليوم تتصارع فيها بينها والحالمون بالسلطة ممن ركبوا ‏موجة الثورة،عجبي لأمة تمجد الجلاد وتترك الضحية، يمرون مرور الكرام في أهم قضايا ‏الأمة في إيجاد حكم رشيد عادل ضمن دولة مدنية، يسودها المساواة والإنصاف وكرامة ‏المواطن، وغدت النخب المعول عليها التحول الديمقراطي الحقيقي وليس بديمقراطية الفوضى ‏الخلاقة التي شجعها الحاكم على مدى سنوات مضت، تلك النخب المتحاورة حوار الطرشان ‏هي مجرد ممثلي تلك الأحزاب الفاشلة وزعمائها المحنطون، نقاش الحكم الرشيد والدولة ‏المدنية وفصل السلطات، والعدالة والإنصاف لماذا هذه الأجواء المشحونة ضد أبناء الشعب ‏الواحد وتتركون ساستنا بمنأى عن ذلك، فهم من اوصلونا لهذا الحال، فلا تعولون على الحوار ‏الفاشل لانه ركز فقط حول شكل الدولة وكأنها بقرة بني إسرائيل، يتجادل القوم عن لون ‏بقرتهم، دون ان يدركون ان هناك قضايا أهم أولها وأخرها وجود دولة مدنية لا يشارك فيها ‏المؤسسة العسكرية والقبلية، ومن لطخت أيديهم بالسياسة، وما يجرى اليوم مجرد صراع ‏المتحالفين في الماضي المختلفين اليوم ولكن بواجهات وعناوين وطنية. تحرص النخب ‏المشاركة في الحوار التقيد بتطبيق الفدرالية دون الخروج عن النص قيد أنملة ويخشى ان نفيق ‏ذات يوم لقول لقد نجحت العملية ولكن للأسف مات المريض!‏

زر الذهاب إلى الأعلى