أرشيف الرأي

وثيقة بن عمر.. من أين وإلى أين؟

كنا نرغبها برلمانية تبعا للبيئة والحال، ولكن عميرا والرياح أتوا بها اتحادية، فقلناها اتحادية ‏اتحادية، ويصلح الله الحال والمآل، وليقضي الله أمرا كان مفعولا، وكفى الله الاخوة التناحر ‏والتشاحن وشتات القلوب..‏

ثم جاءت وثيقة بن عمر وعليها ريبة وكأنها غير بريئة وفيها دخن، وهو الذي أحسنا به الظن ‏ولا زلنا نجري في هذا المجرى معه للوصول إلى مخرج حكيم يليق باليمن ونضالات ابنائها ‏وثورتها العظيمة التي صارت ذكرا طيبا في العالمين..‏

وعليها نتحفظ في عدد من النقاط لبعض جزئيات منها كعينة، فنسيء بها الظن لما بدا ونبقيه ‏له ايجابيا فلعله مجتهد صادق يبغي رشدا أوقعه خبثاء الصياغة وخبؤوا لنا فيها كمائن و ‏مكرا.. ‏

‏1- بمعاودة قراءتها أكثر من مرة يتبين بجلاء ان من صاغها خبراء دوليون بعضهم في ‏الحرفية متمرس وآخر في الخبث وزرع الشقائق بتخبئته لنا كامنا إلى حين هو الآخر متمرس، ‏حيث السم مدسوسا في العسل، ولا أخال بني العم يعقوب الا في الوثيقة حضروا..‏

‏2- هذه الوثيقة حمالة اوجه، وتقرأ لأكثر من حال، فليست أبدا بالواضحة الدقيقة المحددة ‏لحسم أزمات وقضايا من هذا النوع.‏

‏3- الطابع العام عليها انها توافقية ايضا تُجَيَر لصالح طرف كرد اعتبار عاطفي في الملمح ‏وهي في الوقت تستدعي طرفا آخر، وتدس للمستقل حراكات وهبات.‏

‏4- هذه الوثيقة تبني في طياتها لنزاعات قادمة بين السلطة الاتحادية والاقاليم، وبين الاقاليم ‏مع بعضها، وبين الاقليم ذاته مع ولاياته..‏

‏5- أعطت الوثيقة نفسها سلطات ومرجعية على الدستور القادم، ولم تحدد مكانتها القانونية ‏وحدودها ومداها، أو أين تقف في حال اعلان الدستور والتوافق عليه، هل يكون مصيرها ‏الالغاء، أم كملحق في أدبيات الحوار، ام دستورا على الدستور..‏

‏6 مسألة كوتا المرأة واحدة من النخزات التي لا معنى لها في دولة تدعي انها ديمقراطية ‏يكون الحق فيها للمرأة ان تنافس على المجموع وليس الكوتا والرجل كذلك، فلماذا تزرع ‏الضغينة هكذا بين المرأة ومجتمعها، والاصل ان يترك ذلك لطبيعة الحراك والنمو العام..‏

‏7- التمثيل النيابي على صيغة ما ورد سيخلق أزمات، والحق انه كان يجب ان نسير تبعا ‏لخبرات غيرنا في الدول الاتحادية بحيث يكون هناك مجلسين الاول تمثل فيه المحافظات ‏والولايات بالتساوي ويكون الغرفة التشريعية الأعلى، والثاني يمثل فيه النواب تبعا لعدد ‏السكان...هذه المادة لو تركت هكذا فستخلق حالة من الضغينة والاحقاد بين الاقاليم وبعضها ‏بسبب التمايز المرسوم.‏

ولتبيين هذا العوار أختار جزئيات منها كعينة ممثلة..‏
جاء في المبدأ الثاني للوثيقة..‏
‏(. الشعب في اليمن حر في تقرير مكانته السياسية وحر في السعي السلمي إلى تحقيق نموه ‏الاقتصادي والاجتماعي والثقافي عبر مؤسسات الحكم على كل مستوى، وفق ما ينص عليه ‏العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ‏اللذان وقعهما اليمن وصادق عليهما. )‏

وهنا لم يتم تحديد من الشعب، أهو شعب الاتحادية، أم شعب الاقليم، كما أنه اعطى كل اقليم ‏او ولاية حق الانفصال من الاتحاد أو الاقليم بنص انه" حر في تقرير مكانته السياسية " ولا ‏جدل حول هذه فتفسيرها في الجزئية المكملة في ذات المبدأ " عبر مؤسسات الحكم على كل ‏مستوى " والمستوى هنا الاقليم أو الولاية..ثم ماذا تعني الحرية في النمو الاقتصادي والثقافي، ‏بمعنى هل ستكون هناك اكثر من سياسة اقتصادية للاتحادية فأقليم قد يتبع الاقتصاد المفتوح، ‏وآخر قد يتبع نظاما اقتصاديا موجها، وكذلك في المسألة السياسية والثقافية...والمعنى أنى لدولة ‏اتحادية تستقيم على غير رؤية وقيمة كلية جامعة كاتحادات العالم..‏

فماذا لو أعيد صياغتها هكذا
‏(. الشعب في اليمن الاتحادي حر في تقرير مكانته السياسية وكل اقليم حر في سعيه السلمي ‏إلى تحقيق نموه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي عبر مستواه المؤسسي في الحكم، وعلى ‏ضوء مرجعية جامعة يحددها الدستور الاتحادي وفق ما ينص عليه العهد الدولي للحقوق ‏المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللذان وقعهما اليمن ‏وصادق عليهما. )‏

وجاء في الاتفاقية..... ( خلال فترة صياغة الدستور، تؤسس هيئة وطنية (تسمى «الآلية») ‏تناط بها مسؤولية دراسة مسألة تحديد كامل أراضي الدولة الاتحادية في أقاليم عدة )....‏

وهذه تعني في قادم الايام خلق أزمات كبيرة بين الاقاليم وبعضها ومسمى الولايات وبعضها ‏في مسألة الحدود الجغرافية والنزاعات التي ستنجم كحال الدول الحالية وأشد..‏

وأخيرا فهذه وثيقة وإن قبلها الناس للخروج من المشكل بحل فإن في رحمها فيروسات قاتلة ‏للمرحلة القادمة لا على الاقليم وحده بل ووصولا إلى الولايات وبعضها.‏

وإني لأخشى أن وثيقة عمير هذه أداة ناعمة لمشروعين اقليمي ودولي لتدمير وتمزيق اليمن ‏بدل الشطرين اشطار..‏

كما أنه من الواضح عليها بجلاء أنها توفيقية مسكنة لا تنطلق إلى بناء دولة مدنية ذات ‏مداميك قوية وأعمد صلبة وعميقة..‏

للدكتور يسن سعيد نعمان :‏
حسرة قلبي لو صحت فيك ما قاله صالح
والمح فيك مكرا مخبأ وتكتيك مفاوض خبير، ترفض التوقيع على ما هنا للوصول إلى ما ‏هناك، الخيار الثالث المخبأ والمنحوس.‏

فإن صحت فيك مقولة صالح، فوعدٌ علي أن انزع بيدي ما تبقى في رأسي من شعيرات، ‏عقابا لقلم تغناك وطنيا عقدين من الزمن.‏

زر الذهاب إلى الأعلى