[esi views ttl="1"]

وثيقة جمال بن عمر والمآلات الخطيرة لتطبيقها في اليمن

وفقاً للظروف والتطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في الواقع اليمني، ووفقاً للمسارات العامة لمؤتمر الحوار ولمضامين الوثيقة المقدمة من المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر والتي وقعت عليها بعض الأطراف السياسية، ووفقاً للطريقة التي جرى فيها التوقيع، وبالنظر إلى العديد من التجارب المنظورة للتدخلات الخارجية وأدوار الجهة التي قدمت مثل هذه الوثيقة، وبعد البحث في الوضع بالمنطقة العربية واللعبة الدولية وطبيعة العوامل والظروف التي تحدد مسارات أوضاع أي دولة، هل يمكن القول إن اليمن يسير في طريق آمن؟ أم إلى طور جديد ومعقد من الأزمات؟.

في هذه الصفحات نتناول ثلاثة نقاط رئيسية من وثيقة بنعمر وهي: (الفيدرالية، المناصفة، الوصاية) لنطرحها على الواقع، لنرى هل هي "حلول" أم أنها خارطة طريق للانتقال إلى وضع اللاعودة وفقدان السيطرة؟ وماذا إذا ما سارت الأوضاع في هذا الطريق؟

أولاً. الاتحادية والتقسيم إلى أقاليم
تذهب القوى السياسية وفق وثيقة بنعمر ومسارات مؤتمر الحوار، بشكل عام، إلى تغيير شكل الدولة ويصمون آذانهم عن أي نقاش، الأمر الذي يبين أن القصد ليس الانتقال باليمن إلى دولة اتحادية، بقدر ما يكون تغيير شكل الدولة وسيلة للتنازل عن شرعية هذه الدولة وتفكيك مؤسساتها وإيصال اليمنيين إلى مرحلة الاستسلام للصراعات فيكون أبعد حلم لأحدهم هو التغلب على مشاكل وصراعات داخل القرى والمدن وهناك يصبح اليمن حلماً بعيد المنال.

ولن نتحدث كثيراً عن الفدرالية، فلدينا دراسة موسعة وكتاب مفصل وهو "الفدرالية في اليمن" يمكن العودة إليها، ولكن باختصار تام، الفدرالية التي نحن في سياقها في اليمن، هي ذلك النوع الذي يقوم بتحويل الدولة البسيطة الواحدة إلى كيانات دستورية مستقلة ذاتياً تحت مسمى "أقاليم"، كل إقليم أو جزء محدود بحدود جغرافية، يقوم عليه نظام حكم يمارس السيادة ويشكل حكومة وبرلماناً وقضاءً مستقلاً.. وهذه الأجزاء أو الأقاليم تتحد شكلاً في الدستور الفدرالي أو الدولة الاتحادية التي تتولى الشؤون الخارجية والأمن القومي. لكنها تختلف عملياً، في أن لكل إقليم أو جزء دستوره المحلي وقوانينه المختلفة وحكومته المستقلة. فإذا أزحنا الدولة الاتحادية وجدنا دويلات قائمة.

ولأن هذه الأقاليم أو الكيانات التي ستنشأ وفقاً للصيغة الفدرالية، ليست موجودة على أرض الواقع ككيانات مؤسسية متماسكة، ولأن الرؤوس والمكونات والقوى الداعية للفدرالية متعددة الأهداف والأطماع والمنطلقات، فمن الطبيعي أن عجلة التفكك سوف تستمر على مستوى كل كيان وإقليم ومحافظة. ولأن كل إقليم يحتاج إلى تثبيت نظام حكم فإنه يحتاج إلى المرور بالأطوار التي تمر بها أي دولة حتى تستقر، وهذه يعني أنه سواءً في حالة الانفصال أو الأقاليم ستكون الأجزاء الناتجة عن تفكيك الدولة أضعف منها.

وهناك 4 محددات رئيسية تجعل من الحديث عن الدولة الاتحادية لا يعدو عن كونه وهماً وخداعاً:

1- وضع الدولة ومؤسستها الأمنية والعسكرية:
دولة مركزية ضعيفة غير قادرة على إنهاء عصابات تخريبية وحركات مسلحة وتدخلات أجنبية تعبث بالسيادة، وجيش يتعرض للاستهداف المنظم، فكيف من الممكن أن تحافظ الدولة على أقاليم ومؤسسات حكومية حين تسعى للانفصال؟. مقارنة اليمن بالولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا، تعد نوعاً من السذاجة أو الخداع، فهناك مؤسسات دول عظمى وجيوش تملأ المساحات. وقد رأينا من الآن تحركات لإخراج الجيش من بعض المحافظات، فكيف يصبح الأمر بعد ذلك؟

2- العامل الاقتصادي:
ولنأخذ أبسط الأمثلة: لا خلاف على أن الدولة الاتحادية تحتاج أضعافاً مضاعفة من الموازنة المالية إذا ما قورنت بالدولة البسيطة، وإذا كانت الأزمة الاقتصادية هي التحدي الأول الذي يواجه اليمن وإذا كانت الحكومة حالياً لا تستطيع توفير الحد الأدنى من الأمان لمشاريعها، فماذا يعني أن تسير جميع القوى وأن تشجع الدولة الغربية هذا الحل، وهي أول من يعلم أن اليمن على أسوار الانهيار الاقتصادي والعجز المالي، فمن أين سيصبح اليمن دولة اتحادية؟
البعض يتحدث بحسن نية، عن موارد الأقاليم.. أين هي الأقاليم؟ ما لم تكن مؤسسات الأقاليم ومواردها موجودة على أرض الواقع (بحكم أن أغلب الدول الاتحادية تنشأ باتحاد عدد من الدول)، فإن هذه الأقاليم تحتاج إلى ميزانية هائلة لإنشاء مؤسساتها، والميزانية التي تحتاجها الدولة للإنفاق على عدد من الحكومات تكون أضعافاً مضاعفة للميزانية التي تحتاجها للإنفاق على الحكومة في الدولة البسيطة. والحكومة الحالية لا تستطيع الإنفاق على أية مشاريع أو موظفين جدد. فمن أين ستمول كل ذلك؟

3- الوضع السياسي:
مرحلة محاصصة وعدم ثقة ودعوات انفصالية وحركات مسلحة تم منحها الشرعية السياسية عبر مؤتمر الحوار، والفدرالية أو الأقلمة تعني "مأسسة الانفصال" أو "مأسسة الأزمات"، ونقل هذه الدعوات والحركات إلى مؤسسات دولة تعمل من خلالها. فإذا كانت هذه الدعوات والتحركات متصاعدة وآمنة في ظل الدولة البسيطة، فكيف سيكون الحال عندما يكون عملها قد أصبح دستورياً؟

4- العامل الخارجي:
التدخلات الخارجية في اليمن ووقوعه في هذه المرحلة تحت وصاية أجنبية شبه مباشرة، فمؤتمر الحوار هندسة أجنبية، والجيش والأمن أهم مؤسستين سياديتين يهيكلان بأيدي أجنبية، ووثيقة جمال بنعمر هي فرض أجنبي على اليمن.
ضعف الدولة، وجود دعوات انفصالية، تدخل خارجي، وعجز اقتصادي، هذه التحديات العريضة تحتاج إلى إجابة واقعية وعداها تصبح الفدرالية انتحاراً معلوماً سلفاً.

ثانياً: المناصفة
حددت وثيقة جمال بنعمر في بندها التاسع، أن يتم تقاسم المواقع القيادية في السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، 50% شمال، و50% جنوب خلال الدورة الانتخابية الأولى من «الدولة الموعودة»، وهذا يعني فيما يعني أولاً، نقل البلاد من المساواة بين المواطنين إلى المساواة بين الجهات، ويعني أيضاً أننا سنضطر لإبعاد أو حرمان الآلاف من الكوادر من مواقع المسؤولية للإتيان بآخرين، لا لشيء، إلا للانتماء المناطقي، وهذا معناه إلغاء عامل الكفاءة والخبرة، وفوق كل ذلك سنأتي بأشخاص لا يتحرج بعضهم من الدعوة إلى الانفصال وهو في موقع مسؤول رفيع، كما هو حال أحد الوزراء حين خرج في مؤتمر الحوار، ودعا من داخل قاعاته إلى الانفصال. فما الذي يضمن أن يقوم مثل هذا بخدمة المصالح العامة ويحافظ على مؤسسات الدولة؟
سيرد البعض: أن هذه المناصفة ستكون في الدورة الأولى فقط؟ الإجابة أنه إذا طبقت المناصفة فإنها ستؤدي إلى انهيار إداري وسياسي عاجل للدولة، وبالتالي ليس هناك مرحلة ثانية لأن الدولة نفسها على الأرجح أنها ستنهار في مثل هكذا وضع. والذي قدم الوثيقة يدرك ذلك، على الأرجح.

ثالثاً. الوصاية
إن التوقيع على الوثيقة بتلك الطريقة المفتقرة للمسؤولية الوطنية أو المشروعية السياسية والمخالفة للوائح ومبادئ المبادرة الخليجية، والإصرار بالترويج لها، عزز مؤشرات سابقة بأن هناك أطرافاً دولية تحتاج إلى هذه الوثيقة لترسيخ وصايتها والتمهيد لتدخل عسكري غربي في اليمن بحجة فرض تنفيذ الوثيقة وحماية المصالح الأجنبية التي تتعرض لخطر متزايد مع تصاعد الانفلات الأمني والهجمات المسلحة ضد الجيش والأمن. أي أن المرحلة القادمة قد تشهد تطورات من نوع مختلف. والهجوم المتصاعد الآن على قوات الجيش والأمن في المحافظات الجنوبية يفتح الطريق أمام لذلك.

وفي هذا السياق، من المهم الإشارة إلى إن الكثير من التطورات في اليمن اليوم ليست بعيدة عن الوصاية الأجنبية والتدخل الخارجي، وقد أشرنا في كتابنا إلى الجيل الرابع من الحروب والذي تطابق مختلف مظاهره التطورات والتحديات في اليمن، وليست وثيقة بنعمر، وفقاً لذلك، إلا مظهراً من مظاهرها. فالمطلوب هو إفشال الدولة في اليمن وإيصالها إلى الصفر، ثم فرض واقع جديد معالمه الآن تتحرك وتنمو، وهو واقع مجتمع متصارع سياسياً وطائفياً ومناطقياً، تتخذ الأطراف المتحكمة به مناطق خضراء وتحتل المواقع الاستراتيجية ثم ترعى صراعاً طويل الأمد بين فئات المجتمع.

وهناك أمر، من المهم الإشارة إليه، وهو أن من يتابع الأوضاع في ليبيا، سيجد تشابهاً مع الأحداث في اليمن يصل حد التطابق، فلا يكاد يمر أسبوع إلا وتشهد ليبيا عمليات اغتيال لضباط الجيش والأمن، والدعوات المتصاعدة للأقاليم والفيدرالية، والطائرات بدون طيار وتبدو بنغازي كأنها حضرموت. وأطراف الصراع في اليمن ينظرون إلى بعضهم ويوجهون الاتهامات. وفي الحقيقة، وكما تشير الكثير من الشواهد والقرائن فأن مظاهر الانفلات الأمني والهدم المنظم للدولة هو عمل خارجي ويكاد يكون مكرراً من دول أخرى وقعت فريسة التدخل الخارجي أو تحت الاحتلال المباشر. ولنا أن نلاحظ لماذا جاء هجوم وزارة الدفاع وجاءت الأزمة في حضرموت بعد أن كانت بعض القوى بدأت بالتهرب من التوقيع على مخرجات الحوار؟

المآلات والمخاطر..
إن المراقب للواقع اليمني والتطورات على الصعد المختلفة يستطيع القول إن هذه الوثيقة ومثل هذا الطريق لن يؤدي باليمن إلى الانتقال من الدولة البسيطة إلى الدولة الاتحادية أو المركبة، بل هي في الواقع العملي مجرد أدوات مساعدة لإلغاء ما تبقى من المؤسسات الدستورية وإفشال الدولة، للانتقال إلى مرحلة يفرضها الواقع.
فإلغاء شرعية الدستور والمؤسسات الدستورية وإحلال شرعية التوافق ومضامين مثل هذه الوثيقة، يقضي على ما تبقى من شرعية الدولة، ويأتي بالجماعات المسلحة والخارجة على القانون لتمارس وظيفتها بضرب الدولة من داخل مؤسساتها. وما يعزز ذلك هو أن الجماعات المسلحة كالحوثيين تتوسع في محافظات شمال الشمال وتخوض مواجهات مع القبائل، وسط صمت الدولة والجهات الخارجية التي تشرف على المرحلة الانتقالية، وإن كان الأدق هو القول إن هذا التوسع يجري بدعم وتواطؤ من الأطراف الدولية التي تقود هذا المسار.

وفي المحافظات الجنوبية والشرقية تتوسع الجماعات الانفصالية وتنتشر وسط صمت وتواطؤ من السلطات الرسمية وتجري فيها حملات منظمة لطرد الجيش والأمن وفرض الانفصال على الأمر الواقع. وهذا كله شمالاً وجنوباً وشرقاً يتم بغطاء الحوار والمشرفين على العملية السياسية، وتأتي وثيقة بنعمر من الشق السياسي والقانوني لتآزر هذا التوجه، بإلغاء الدستور والجمهورية والوحدة وتفكيك مؤسسات الدولة وإفشال الجيش والأمن.

وهناك ما يمكن وصفه بأنه تناسق وتكامل بين المسارين السياسي والميداني، فوثيقة بنعمر واتجاه الحوار نحو حصر الحلول على التفكيك بشكل عام، تفرضان التقسيم دستوريا وتمحنان الدعوات الخارجة على الدولة مشروعية قانونية وسياسية، وفي الجانب الميداني تتوسع أعمال التخريب وضرب الدولة لفرض التقسيم واقعاً يقوي جانب الضغوطات التي تمارس على الأطراف السياسية للقبول بالتقسيم.

والبعض يردد أن ما يجري في حضرموت أو الضالع أو ما يجري من استهداف للقوات المسلحة والأمن يهدف إلى إفشال مخرجات مؤتمر الحوار، لكن من يدقق في الصورة يمكن أن يقرأها على نحو مخالف، وهو أن هذه الأعمال قد تكون لمؤزرة مخرجات الحوار بفرض المزيد من الواقع المعقد الذي يساعد على إقناع اليمنيين بالقبول بالتقسيم كمخرج وحيد. وهو ما كان ملاحظاً عندما يتأخر مؤتمر الحوار نجد تصعيداً أمنياً يعيد الأطراف إلى الطاولة ويقنعها بالتقسيم، فهجوم وزارة الدفاع تبعه عودة مفاوضات لجنة (8/8) بعد وصولها إلى طريق مسدود، وتصعيد حضرموت تبعه التوقيع على وثيقة بنعمر.

ومن جهة ثانية، من المتوقع أن تكون هذه الوثيقة مقدمة للتدخل الدولي، وهناك تصريحات وتحركات، تشير إلى أن هناك أطرافاً خارجية تمهد للمزيد من التدخل، بمحاولة فرض التقسيم واستهداف الدولة، ولا يأتي هذا لأجل الوثيقة والتقسيم بذاته، بل يأتي ضمن تحركات استراتيجية لتهيئة الواقع لصراع مستقبلي على مستوى إقليمي ودولي. وهذا أيضاً يعززه أن التوقيع كان مفتقراً إلى الشفافية وتم الترويج له بأنه توافق، مع أن أطرافاً رئيسية بارزة رفضت التوقيع، بما يوحي أن الأطراف التي تفرض الوثيقة قد تستقوي بالخارج لتنفيذها. وهي ليست إلا تصريح دخول، بعد أن تم إنهاك المؤسسة العسكرية والأمنية ودعم الجماعات المحلية والمسلحة في مواجهتها.

ومن الطبيعي أن يؤدي توقيع مثل هذه الوثيقة في منزل الرئيس عبدربه منصور هادي وتحت تأثير ضغوط منه، إلى حالة من عدم الثقة، وهذا أمر من المهم التنبيه إليه، فإذا كان رئيس الجمهورية موافقاً على مضامين الوثيقة وهو المكلف الأول بحماية وحدة البلاد وأمنها واستقرارها، فهذا يعني أن ما يستهدف الدولة ليس أولوية بالنسبة إليه، أو لنقل: لن يفاجئ الرئيس الناس باتخاذ إجراءات لوقف السير في هذا الطريق الكارثي.

وهنا تقفز أسئلة عديدة: هل معنى ذلك أن الوثيقة أصبحت البرنامج الذي يعمل لتحقيقه الرئيس؟ وكيف يمكن أن يقدم الجندي تضحياته في أقصى البلاد للحفاظ على مؤسسات يتم التفريط بها والسماح بأن تتجه الدولة إلى مناصفة مناطقية وشطرية؟ وكيف يمكن أن يقف بوجه مسلحي التخريب في بعض المحافظات ووثيقة بنعمر قد شرعنت الانفصال التدريجي وتكفلت بإزالة الحواجز وجعل البلاد كتاباً مفتوحاً للخارج؟

ما يعني أن عدم الثقة قد يؤدي إلى ارتفاع حالة الاستياء على الرئيس هادي من أوساط عديدة ترى أن وجوده على رأس السلطة لم يعد يبعث الأمل بالحفاظ على البلاد، بل يمكن أن يصل بالبلاد إلى الصفر ويقفز بها إلى المجهول. والأمر ذاته سيكون مدخلاً لمطالبات بالانفصال تنطلق من الشمال وليس من الجنوب.

وأمر آخر يفهم للبعض من مضامين الوثيقة والنقاط الـ20، وهو أن الفترة القادمة والمرحلة التأسيسية التي حذف اسمها وبقيت مضامينها، سيتم خلالها توفير بنية تحتية للانفصال بنهب ما تبقى من مؤسسات دولة الوحدة. وبتعبير آخر، الأقاليم أو الإقليمان انفصال تدفع ثمنه مؤسسات الدولة والانفصال المباشر يدفع ثمنه المنفصلون. حتى بدون انفصال سيتم فكفكة الدولة الضعيفة إلى أجزاء أضعف منها تستمر في التفكك وصولاً إلى أضيق دائرة اجتماعية، وحينها لن يربح أي طرف محلي حتى المنفصلين والفيدراليين أنفسهم سيجدون أنفسهم أمام واقع يصعب السيطرة عليه. ويبدو أن ذلك هو هدف الجهات التي تريد تقسيم البلاد ليس إلى دول، بل إلى كيانات ومجموعات هشة وضعيفة يتعامل معها الخارج عبر أجهزة الاستخبارات وليس عبر وزارات الخارجية.

فالواضح من خلال التجارب والتطورات أن الهدف ليس إقامة دول جديدة، فالصومال مقسم إلى أقاليم وكيانات لم تنهض وتحصل على الاعتراف الخارجي، لكن ذلك الوضع يبدو مغرياً للأطراف العابثة في الصومال. وقد بيّنا التجارب العربية في الصومال والعراق والسودان والعامل الخارجي في كتابنا "الفيدرالية في اليمن".

خلاصة:
- مسارات التقسيم والفدرالية في اليمن ليست سوى خارطة طريق للعودة إلى مرحلة سبقت الدولة. بحيث أنها تقسم الشعب إلى مجموعات بحدود جغرافية وسياسية على أساس انتماءات مناطقية وجهوية ومذهبية على الأرجح أنها لن تصمد. كل مجموعة تدور حول ذاتها في حلقة أضيق، وتنصرف بمجهودها عن المدار الأوسع الذي كانت قد وصلت إليه، وهو الوطن الذي كان قد تأسس على أساس الهوية الواحدة والمواطنة المتساوية.
- الأقاليم سواء جرى الاتفاق علي عددها أم لم يتم، في نهاية الأمر، ما يجري حالياً هو تفكيك الدولة وفرض الأمر الواقع بتوسع الجماعات الانفصالية والمسلحة، وتستطيع كل مجموعة أن تحدد اقليمها من خلال الأمر الوقع، بما يؤدي في النهاية إلى كيانات هشة وعاجزة وفي صراع دائم.
- الفترة القادمة لا يستبعد فيها تدخلاً عسكرياً مباشراً بالسيطرة على بعض المواقع الحيوية والاستراتيجية ورعاية التقسيم تحت مبررات فرض الوثيقة أو ضعف الدولة أو غير ذلك من الأسباب.
- إذا استمر الرئيس هادي وفريقه بالدفاع عن الوثيقة ومحاولة فرضها، فهذا قد يرفع من حالات الاستياء وعدم الثقة تقلل إمكانية بقائه لمرحلة قادمة.
- من المهم على الأطراف السياسية أن تدرك أن العملية السياسية والخطوات الاستراتيجية لعبة شطرنج وعندما يتم الانتقال بخطوة غير محسوبة أو تنازل، فإن التعويل على ما ورائها يبقى محدوداً. وبالتالي فإن القوى الموقعة على الوثيقة مدعوة لإعادة النظر في موقفها، حتى وإن أدت التطورات إلى التقسيم في أسوأ الأحوال، لا يفترض أن تكون قد بصمت عليه، خصوصاً أن اللاعبين من مختلف القوى والتوجهات قد لا يجدون موقعاً لهم أو فائدة يطمحون إليها. ولازال في الوقت متاح لإعادة النظر في كل ما تم والحفاظ على البلاد.
والله الموفق

* ورقة مقدمة في حلقة نقاش حول وثيقة حلول القضية الجنوبية والتي أقامها مركز البحوث والدراسات السياسية والاستراتجية
صنعاء - 31 ديسمبر2013.

زر الذهاب إلى الأعلى