هناك مقولة لشمعون بيريز أكبر السياسيين الاسرائيليين سناً وأقدمية تقول: (الكثير من العرب لا يقرأون واذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يتعلمون)..
وأعتقد أن مثل هذه المقولة تنطبق تماماً على دعاة الانفصال في اليمن والذين لم يتعظوا أو يستفيدوا مما يحدث الان في جنوب السودان بعد اقل من عامين من انفصاله عن السودان الشمالي تحت تأثير الشغف بوطن مستقل، ووهم الدولة الموعودة بالثراء والرخاء والنهوض في وقت قياسي في ظل ما يختزنه الجنوب السوداني من ثروة نفطية كبيرة مقابل عدد سكاني محدود كما لو ان مجرد الانفصال كاف بذاته ولذاته لتأسيس دولة ناجحة وناهضة في ذلك الجنوب.
فالواضح تماماً ان دعاة الانفصال في اليمن وفي المقدمة منهم اولئك السياسيون الذين سبق وان حكموا الجنوب قبل الوحدة انهم الذين لم يتعلموا من الدرس السوداني وما يجري اليوم في جنوبه من حرب اهلية طاحنة واقتتال قبلي عنيف وتطورات خطيرة لا تتهدد فقط دولة الجنوب بالفشل بل إنها من تكرس فيها نسخة الحروب القبلية الصومالية إن لم تُحل تلك الدولة المنسلخة عن الجسد السوداني إلى دولة وهمية تفتقر إلى ابسط مقومات الدولة بيد ان استمرار اولئك الساسة بالمطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله والزج باليمنيين في محنة التفتت والتشظي - وجميعهم عرب اقحاح - تحت ذريعة فشل الوحدة في تحقيق المواطنة المتساوية والادعاء بأن الشمال قد تغول على الجنوب وقام بنهب مقدراته وثرواته (نفط وغاز) وهي ادعاءات حتى وإن كانت صحيحة فإنها لا تبرر بأي حال من الاحوال دعوات الانفصال التي يرفعها هولاء ويقاتلون من اجل تحقيقها قناعة منهم بأن انفصال جنوب اليمن عن شماله كفيل بإعادتهم إلى الواجهة بعد ان حنوا إلى السلطة وبريقها ونفوذها.
وما يثير الاستغراب حقاً التصريحات الاخيرة لنائب رئيس الجمهورية الاسبق علي سالم البيض والتى قال فيها إنه لن يتنازل عن مطالبته بالانفصال أياً كانت الحلول التى سيخرج بها الحوار الوطني للقضية الجنوبية باعتبار ان الجنوب صار محتلاً من الشمال بعد ان سقطت الوحدة التى قامت في مايو 1990م بين شطري اليمن بحرب صيف عام 1994م مشيراً إلى ان أي حل لا يؤدي للانفصال وفك الارتباط ستتم مقاومته من قادة الجنوب التاريخيين الذين لن يقبلوا باية تسوية متوقعة بما في ذلك الحل المطروح لاستعاضة الدولة الموحدة بدولة اتحادية تتشكل من خارطة فيدرالية ونظام سياسي جديد اكثر شمولية وتمثيلاً.
وطبقاً لهذا المنطق الاعوج يغدو من الجلي ان البيض وغيره من دعاة الانفصال هم من صاروا يختزلون وحدة اليمن بشخوصهم وأجندتهم والمخططات التى يعملون في اطارها ما يعني انهم عقدوا العزم على إعاقة وعرقلة تنفيذ التوافقات التى توصل اليها اليمنيون في حواراتهم الطويلة والشاقة والتى يعول ان تفضي مفاعيلها للقضاء على كل الاختلالات التى هيمنت على بنية دولة الوحدة خلال العقدين الماضيين دون إدراك من هؤلاء بأن المشهد المعقد الذي جعل من جنوب السودان يسبح في برك من الدماء بعد اقل من عامين من انفصاله هو ما قد يتكرر في جنوب اليمن بسبب القبلية الضاربة في النفوس وصراعات الماضي التى لازالت حاضرة وتنتظر اللحظة التى تتفجر فيها بين الإخوة الاعداء الذين لن تتوقف حروبهم حتى يسقط جنوب اليمن كأحجار الدومينو وبفظاعة تفوق ما نشاهده اليوم في جنوب السودان..