لقد كانت إسرائيل، هذه الدولة التوسعية والسرطان في قلب الأمة العربية والإسلامية، تسعى لتفريق وتمزيق الأمة لتحقيق أهدافها التي رسمتها ودرست أحوال وجوانب الضعف مستفيدة من وجود عناصرها في أقوى مراكز القرار في دول الغرب المهيمنة على المنطقة.
ولاشك أن دور إسرائيل في إضعاف الدول العربية مضى عليه سنوات، ونموذج جنوب السودان عندما جندت إسرائيل جوزيف لاقو وأعدت قرنق وغيره، وذلك في غياب الدول العربية وحكومة السودان عن الاهتمام بالجنوب وإصلاحه وإدماج مختلف مناطق السودان في دولة واحدة. وقد أخطأت حكومات السودان المتعاقبة في إهمال الأوضاع الداخلية والاهتمام بالجوانب التنموية والثقافية رغم الخير الكثير ووجود النيلين، وانشغالهم بالصراعات الحزبية. وتحركت إسرائيل عن طريق أوغندا وأثيوبيا في هذا الإطار، وللأسف لم يتعلم حكام السودان الدرس. وعندما وصل زعيم الجنوب جون قرنق للعمل على قيادة حركة المعارضة التي تحولت إلى حركة مسلحة أرهقت السودان وخزينته حصرتها حكومات السودان بجانب محلي فقط دون النظر للأبعاد الدولية.
وكان وصول موسفيتي زميل قرنق لرئاسة أوغندا بداية تغيير في الأوضاع والانتقال للمرحلة المطلوبة ودخول حكومة الإنقاذ في خلافات مع المعارضة ودول الغرب ودول الجوار ساعد كثيراً في التسريع للانفصال. وحصل الانفصال بعد ضغوط غربية. وظن السودان أن وضع الرأس قد ذهب وإذا به يبدأ. تركوا لهم أبيي الغنية بالنفط منطقة صراع وتحركوا معهم في قضايا دعم انفصال كردفان ودعم الحركات الانفصالية إضافة لعدم حل لمشكلة النفط وتصديره لحكام جنوب السودان. وظن الجنوبيون أنه بعد الانفصال الخير قادم وينعموا بالسعادة وتتحول بلادهم لجنة كبيرة، وإذا بهم يبدأوا بدفع الفواتير.
أولها القضاء على قرنق في حالة غامضة وإنهاء دوره ثم نسيانه وشطب اسمه من تاريخ جنوب السودان وأن دوره انتهى بالانفصال ويأتي سلفا كير، ويبدأ صراع مع حكومة السودان لعبة القط والفأر خلاف وصراع عملية استنزاف ولم يحصل جنوب السودان على أي وعود، تخلوا عنه وعاش الشعب أزمة ومحنة أشد من الماضي وبرز الفساد في الحكومات وتصارع الشركاء وكان خلاف مشار مع سلفا كير والقبائل وتحول الدول في الجنوب إلى دكتاتورية وإقصاء لام كول وغيره والانحياز لقبائل الدينكا على حساب غيرها والفساد وشركة الأموال وانتشار الأمراض وذهاب الخدمات وكثرة اللاجئين بل إن حليفتهم إسرائيل رفضت استقبال لاجئين جنوبيين وتخلى عنهم الغرب إلا لمكافأة الذين قاموا بالانفصال الجبهة الشعبية، وتشجيهم للقيام بأدوار ضد السودان في جنوب كردفان وهضم حق قبيلة المسيرية في أبيي وتشجيع حركات دارفور.
كل هذا يدل على ما وصلت إليه أحداث جنوب السودان التي انفجرت أخيراً إلى العلن ولن تتوقف لأن الدول الغربية مثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال أنا برئ منك. وستستمر الأوضاع إلى التمزق ونموذج الدولة الفاشلة التي ستسبب مشاكل لجيرانها وأولهم من دعموها كأوغندا وسيعود جيش الرب بدعم من المعارضين لسلفا كير انتقاماً من موسفيني وبقية دول الجوار. وهذا ما أقلق الاتحاد الأفريقي الذي يحاول الصلح ولكن الوضع أعمق وأصعب من ذلك ووضع شعب جنوب السودان فاتورة باهظة ومناظر اللاجئين ويكفي تقارير الأمم المتحدة برهان ودليل على صحة ذلك وإحصائياتها تثبت ذلك لمن له بصيرة.
وما يجري في جنوب اليمن هو قريب من هذا السيناريو وأبشع. ففي حال الانفصال لا سمح الله، كما تبريده الحليفتان إسرائيل وإيران، اللتان تريدان الوصول للبحر الأحمر، فإن القادم أقله ما يلي:
أولاً: صراع شمالي جنوبي على الحدود ومناطق النفط بين شبوه ومأرب والجزر وغيرها، وثانيها: تصدير الجماعات الإرهابية ودعم كل جهة للمعارضين وللجماعات المسلحة. وسيتم تصفية عدد كبير من القيادات التي ساهمت في انفصال الجنوب على يد حلفائهم في الداخل وصراعات قبلية وحزبية، فالمهرة ضد حضرموت ويافع لهم ثأر شديد وبين حضرموت اقرأوا تاريخ البكري ولا تنسوا صراعات وثأرات دماء من قتلوا على يد الجبهة القومية وتجاهله مضحك، ولن تتحسن الأوضاع الاقتصادية بل ستصل للأسوأ وستكون دولة فاشلة وستصدر مهاجرين سيستخدموا الشمال مرر لهم نتيجة الحروب وأكبر مستفيد الجماعات الإرهابية وسيندم من ينادون بالعنصرية لأن هناك إعلام ممول من علي سالم البيض وغيره لبث الكراهية والحقد فهؤلاء مفلسون فكرياً وليس لديهم أي إصلاح أو برنامج غير الوصول للكرسي. لقد غاب العقل وضاعت أخلاق الإسلام وباع الناس وطنيتهم ودينهم لأموال إيران التي تقف على مسافة واحدة من إسرائيل في هذا وستثبت الأيام صحة ما نقول وأنا أؤيد ما قاله سالم صالح الذي نبه لمثل ذلك. ولذا فإن انفصال الجنوب ليس نهاية المشاكل بل بدايتها بأسوأ.
وأتمنى أن نرسل عدد من أبناء الجنوب ومؤتمر الحوار إلى جوبا بجنوب السودان يأخذوا دورة ودورة في الصومال ودوره في بغداد ودمشق، ولا مانع يمروا على بيروت أسبوع ويخبرونا عن تجربتهم فلتقوا الله في العوام والفقراء والمخدوعين وسيحاسب الله أصحاب المواقع والإعلام على نار الفتنة. وسيحاسب الله العلماء في اليمن لعدم توعيتهم وسيحاسب الله الإصلاح على سلبيته وسيحاسب الله كل قادة اليمن على انشغالهم بالمحاصصة على حساب الأمة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.