هذه كلمة كنت أعددتها لألقيها في الجلسة العامة لمؤتمر الحوار الوطني تعليقاً على تقرير فريق القضية الجنوبية، ولم أتمكن من إلقائها نظراً لرفع الجلسة للفوضى التي وقعت فيها وتسببت فيها رئاسة الجلسة؛ لمحاولتها تمرير تفويض اللجنة التي يشكلها رئيس المؤتمر لتحديد عدد الأقاليم ليكون ما تقرره نافذاً دون الرجوع إلى مؤتمر الحوار، بطريقة تصويت فوضوية مخالفة لكل لوائح المؤتمر، وهو أمرٌ استمرأته هيئة الرئاسة في الفترة الأخيرة على الخصوص واتخذته لها عادة، إنه فرض الرأي بمظهر ديمقراطي، وحقيقته نوع من السطو، ولكنَّه السطو على آراء الآخرين والمصادرة لها، والحجة جاهزة " لقد صوت عليه مؤتمر الحوار"، وهكذا سيتحول هذا الحوار إلى مجرد آلة إعلامية تُمرَّرُ من خلاله الآراء المفروضة والطبخات الجاهزة التي تصنع خارجه.
وإليك الكلمة كما هي:
أيها الإخوة الأكارم:
لاريب أن الاتفاق خيرٌ من الافتراق، والائتلافَ خير من الاختلاف، ولكنّ أيَّ اتفاق لن يُكتب له النجاح، ولن يدومَ له الاستقرار إلا إذا اتُخذ بطريقة سليمة، وانعقد والنفوسُ به راضية، وسار بسفينته على أمواج هادئة، ولم توضع على جوانبها ألواحٌ بها مسامير خارقة، تؤدي إلى خرق السفينة كلما هاجت بها الأمواج، وكنا نتمنى أن يكون هذا الاتفاق على هذه الوثيقة، سار وفقاً لما اتفق عليه من لوائحَ وأنظمةٍ لهذا الحوار..
ولكن للأسف تم تجاوز تلك اللوائح، بَدءاً بتشكيل اللجنة المصغرة، ثم تلاها كثير من المخالفات، وللأسف فإن كثيراً من مخرجات هذا الحوار الذي جاء عبر تقارير الفرق، هو الآخر لم يسِر وفقاً للنظام الأساسي لمؤتمَر الحوار، فهناك عدد من تقارير الفرق لم يوقِّع عليها كثيرٌ من أعضاء الفرق، وقد استمرأ البعض هذه المخالفاتِ وصارت عادة وقاعدة، ومن المُتوقع أن وثيقة المؤتمر النهائية سوف يتم إقرارها بطريقة مخالِفة أيضاً، وسوف يتمُّ التصويت عليها حزمة واحدة وليست مادة مادة، ثم يقالُ للشعب اليمني زوراً وتضليلاً لقد نجح الحوار، وإنني أقول إن الحوار إذا سار بهذه الطريقة إلى نهايته فإنه يسير نحو عدمِ المشروعية وتنصُّلِ القوى والمكوِّنات من مخرجاته، حيث سيدّعي كلٌّ منهم أنه لم يتمْ التوافق عليه وفقاً للأنظمة واللوائح المقرّة، وهذه علامةٌ واضحة على فشله وعدم إلزاميته لأيّ طرف.
ومن غير الممكن أن تتم التوافقات خارج هذا الحوار ثم يُجعلُ أعضاءُ الحوار المغيَّبون عن هذه الاتفاقات تيوساً مستعارة ومحلِّلَة لمخرجاته، لا يُمكن أن يرضى أحدٌ منا بهذا على الإطلاق، والذي يرضى بهذا أخشى أن يفقَدَ مصداقيّتَه، وإذا كان رؤساء المكونات سيعقدون الاتفاقات والصفقات خارج المؤتمر، فلماذا يعقد هذا المؤتمر من الأصل.
وفي هذه العجالة هنا بعض الملاحظات أحب تسجيلها على الوثيقة:
1- جاء في المادة الأولى للوثيقة: يُصاغ دستورٌ جديد يقضي أن الإرادة الشعبية والمساواة [يعدل إلى: "والعدل"] وجاء فيها: والتزامَ أعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان أساسُ سلطة وشرعية الدولة الاتحادية على جميع المستويات. [أنا مندهش جداً، فلست أدري لماذا نجعلُ المعايير والقوانين الدولية هي المرجع الذي نرجع إليه، وكأننا أمة لا شريعة لها ولا تاريخ، وهل توجد في غير الشريعة الإسلامية تعظيمٌ وتشريعاتٌ لحقوق الإنسان أعظمُ مما في شريعتنا الإسلامية، إن جعل المعايير الدولية أرفعُ من الشريعة الإسلامية هو منحى خطير يدلُّ على حبِّ التبعية وعدمِ الثقة بالنفس، وكان أقلُّ الواجب أن يقال: والتزام أعلى المعايير لحقوق الإنسان المقرة في الشريعة الإسلامية أساس سلطة وشرعية الدولة الاتحادية على جميع المستويات"، أو تضاف عبارة: "بما لا يخالف الشريعة الإسلامية" بعد عبارة " والتزام أعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
والاتفاق على مرجعية الشريعة هو الذي يحقق الأمن والاستقرار، والعيش بأمن وسلام. كما قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) [الأعراف : 96].
2- تفويض اللجنة لتحديد الأقاليم لا نوافق عليه، فما لم يُحلّ موضوعُ الأقاليم داخل المؤتمر بالتوافق لن يُحلّ خارجه بصورة تُرضي الشعب، وتَردُّ الحقوق، وتُوجد الضمانات، وأرى أن حلَّ الإقليمين هو الحلُّ الأمثل مع سلبياته؛ وذلك أن كثرة الأقاليم تحتاج إلى دولة قوية، وإمكانات كبيرة، ولن تستطيع دولتنا الضعيفة حلُّ مشاكلِ كثرةِ الأقاليم، مع ما فيها من احتمال تمزيق اليمن إلى عدة دول، وكنت أقول أن بيان الرئاسة رغم خروجه بطريقةٍ مخالفةٍ للنظامِ الداخلي؛ لأن مثل هذه القرارات يجب أن تكون من مخرجات الفرق لا من مخرجات الرئاسة، أقول هذا البيان ربما أعطى بعض الأمان والضمان من إنشاء كيانات شطرية، ولكن بعد أخبار الأمس بما حدث في دماج من إجبار طلبة العلم على المغادرة، وتهجيرهم تهجيراً طائفيا قسرياً، وتسليمِ دماج بالمحصلة من قبل الجيش اليمني الذي دخل حسب اتفاق مبرم مع أهالي دماج لمليشياتٍ مسلحة خارجة عن النظام والقانون، والدولة والشعب اليمني، أعطاني مؤشراً خطيراً بالإضافة إلى مؤشراتٍ أخرى، أن هناك مؤامرة خطيرة تُحاك ضد اليمن لتمزيقها طائفياً وإلى أكثرِ من دولة، وحينها لن تنفع أسطرٌ مكتوبةٌ على ورقة شيئاً، بل سيحسم الأمرَ المدفعُ والرشاش.
ولذا أهيب بأعضاء المؤتمر أن يقفوا موقفاً تاريخياً ستذكره لهم الأجيالُ أن يحفظوا اليمن من التمزيق، ومن تسليمِ أجزاءٍ من اليمن - ستكون شوكة مرة وصعبة في استقرارها في حاضرها ومستقبلها– لآيات إيران ليُعيدوا المجدَ الفارسي حين كانوا يحتلون اليمن في القديم، ولِيجعلوا من اليمنيين عبيداً، ومن نسائهم لعبة بنكاح المتعة، إنني أحذِّر كلَّ المكوّنات السياسية وغير السياسية من هذا المصير المؤلم لليمن؛ لأن الطائفيةَ المقيتة التي ترعاها إيرانُ في المنطقة وعلى رأسها اليمن ستجعل من الجميع عبيداً، وستنتهي كلُّ دعوات الحرية والحقوق والرأي والرأي الآخر الذي تتغنى به الأحزاب، ولن يقبلوا منكم إلا تقبيلَ رُكبِ السيد، وهؤلاء هم دعاة الدولة الدينية الكهنوتية الذين يجعلون من أنفسهم مفوّضين من الله.
أيها الجنوبيون وأيها الشماليون احفظوا بلادكم من التمزيق والتفتيت، وامنعوا الخارج من التدخلِ في شئونكم، وتعاونوا فيما بينكم لإخراج بلدكم ويمنكم وشعبكم من الوضع المأساوي الذي يعيشه، فليُعدِ الظالمُ ما أخذه من المظلوم، وليتسامحِ المظلوم وليقل: " عفى الله عما سَلف ولا تَعُد" رُدُّوا الحقوق إلى أهلها، وكوِّنوا دولتكم الموحدة تحت ظلال الشريعة، فإن أردتموها اتحادية فلتكن، ولكن لا تكن أكثر من إقليمين؛ لأنه بكثرة الأقاليم تكثر المشاكل، وتتضخم الحاجات، وتتقزّم الطموحات، ولا تعطوا تفويضاً لأحد في اتخاذ هذا القرار، ولْتكُن لكم عبرةٌ في التفويض الذي أعطاه أهلُ دماج، فهُجِّروا منها كما هُجِّر غيرهم، وصارت صعدةُ مغلقةً طائفياً.
3- الملاحظة الثالثة : جاء في المادة 4: يحدّد الدستور في الدولة الاتحادية توزيع السلطات والمسؤوليات بوضوح، ولا تتدخل السلطة المركزية في صلاحيات السلطات التنفيذية والتشريعية [أرى أنه يجب أن تكون التشريعات مركزية إلا ما يختص في الجوانب الإدارية، وأن يوجد مجلس نواب مركزي واحد].
4- جاء في المادة 8 المتعلقة بتوزيع الثروة: مع مراعاة حاجات الولايات المنتجة بشكل خاص. هذه عبارة مجملة وتَحملُ تفسيراتٍ كثيرة، وستؤدي إلى تنازعٍ في مقدار حاجات كلِّ ولاية، فأهلُ كلِّ ولاية قد يستغرقون كل الثروة المنتَجة لديهم، وسيطالبون بالمزيد لعدم كفايتها، ولذا لابد من تحديد نسبة مئوية معينة، وإلا تحول هذا الحل إلى مصدر للتنازع والتأزيم.
5- جاء في المادة 10: ينص الدستور الاتحادي على ضرورة تفعيل جميع الحكومات ومؤسسات الدولة في دولة اليمن الاتحادية مبدأ المساواة [تعدل إلى العدالة]، عبر سن تشريعات وإجراءات تتضمن اتخاذ خطوات فعلية لتحقيق تمثيلٍ للنساء لا تقلُّ نسبته عن ثلاثين في المائة في الهياكل القيادية والهيئات المنتخبة والخدمة المدنية.
[آخر العبارة يناقض أولها الذي يقر مبدأ المساواة، حيث ينقضها بفرض كوتة خاصة بالنساء وهذا يتناقض مع هذه المساواة، وإذا كان ولا بد من مشاركة المرأة فلتدخل بنسبة 100% فقط والرجال بنفس النسبة، أما أن تعطى المرأة نسبة 130% والرجال نسبة 70% فهذا يتناقض مع مبدأ المساواة والعدل].
6- أما المادة المتعلقة بدور المجتمع الدولي : فإن خلاصتها فرضُ الوصاية الدولية الدائمة على اليمن، وهذا أمرٌ لن يرتضيَه الشعب اليمني، وقد ناضل أجدادُنا لدحر المستعمر، فإذا بنا نحن الأحفاد نُدخله من جديد لكن بصور وأعذار شتى، إن الضمان الحقيقيَّ أن نكون صادقين مع أنفسنا، وألا نجرِّب المجرّب، وأن يسلِّم من أوصل اليمن إلى هذه الحال المزرية الرايةَ إلى الأجيال الصاعدة، لتقومَ بدورها في إصلاح الوضع، وتنفيذِ القرارات المتفق عليها، لا أن نبحث عن الأيدي الخارجية التي تعبثُ بمصالحنا لتحقيق مصالحهم، ولم تأتِ هذه الدول لمساعدتنا من أجل سَواد عيوننا، بل لحاجتهم إلينا في أرضنا وممرَّاتنا المائية وثرواتنا، فلْتكُن بيننا وبينهم مقايضةٌ ندِّية نحقق مصالحَنا من خلال حاجتهم إلينا.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وأطلب العذر إن كنت أغلظت في القول في حقِّ أحد؛ لأن اليمن أكبرُ من الجميع وفوق الجميع، وليس لي غرض سياسي فيما قلت؛ فإنني من ضمن المنظمات المجتمعية، ولست تبع حزب سياسي.
والسلام عليكم ورحمة الله.