في تناول الشأن اليمني بعد نحو ثلاث سنوات من محاولة الشعب في تغيير منظومة الحكم الفاسد والذي افرز لوطن يتلاشئ بتداخل وتقاطع تلك النتائج التي افضت لحرب سياسية بغطاء قبلي ودوافع طائفية، جعلت اليمن على فوهة بركان وعلى أعتاب حرب أهلية وغدت مرتعا خصبا لكل من هب ودب للإدلاء بدلوة وفي تحليل هذا الواقع المؤلم.. وبعيدا عن التنميط المسبق لكاتب هذه السطور وحتى لا البس ثوب هذا الطرف اوذاك، لان القضية ببساطة ليست مباراة كرة قدم تنحاز لجهة ضد أخرى هناك لاشك أخطاء مشتركة لاشك وتوجت بأخطاء الدولة منذ أكثر من عقد من الزمن وحتى ألان..
ما جرى ويجري منذ سنوات كله من صنع الساسة وتربص الخارج الإقليمي والدولي وما أبناء اليمن سواء منفذون ووقوداً لتلك الأجندات شأن ما يجري في بلاد الشام والعراق، فدائما الحكام (يأكلون الحصرم وشعوبهم يضرسون) وعلى هذا كانت خطى النظام السابق وفق تلك الرؤية معتقدا بأنه احد أساليب المكر والدهاء لاستمرار وبسط نفوذه وسلطته فضرب هذا بذاك ضانا بتلك السياسة الميكافيلة وبنظرية (فرق تسد) إدامة الملك بل وتوريثه وكانت الرياح تجري لما لا يشتهيه الحاكم بإمرة فاختلطت الأوراق وأزفت ساعة الثورة متزامنة بشرارة ثورة تونس وأخواتها، والنتيجة وطن يتآكل يوما بعد يوم فقد دشن عصر الاستبداد بشن حرب على شركاء الوحدة، وحينها كانت فرصة لتجاوز تلك المحنة وبناء وطن والشروع في تأسيس دولة مؤسسات كما هى مشرعة في دستور غدت مجرد حبرا على ورق، ولكنه بالعكس ازداد عتوا ونفورا، فظهرت قضية الحوثيين التي هي رد فعل لدعم الجهة المعاكسة في عهد شهر العسل بين السلطة السياسية وما يسمون بالتيار الإسلامي غداة حرب 94 اعتب ذلك بداية ظهور الحوثيين بمطالب بسيطة شأنهم شأن الحراك الجنوبي الذي بداء بمطالب قانونية، وهو الأمر نفسه فيما يتعلق بالحراك الجنوبي الذي بدأ بمطالب حقوقية قانونية، والمؤسف هنا بأن حل الإشكال في محافظة صعده فيما عرف بقضية (دماج) وبهذه الصورة التي دبرت بليل وجعلت الرأي العام في حالة شكوك بصلة اطراف اقليمية في هكذا حل، ويكاد الانطباع العام للمراقب البسيط لتداعيات تلك القضية بأن النهاية الدرامية لمجاميع سكانية من تلك البقعة الجغرافية ينذر بعواقب مستقبلية في حال إقرار الفدرالية ذلك ان الحالة قد تتكرر في حال استحداث بؤر جديدة في أماكن أخرى .
لقد خلق النظام السابق بذور الفتنة معتقدا بأنها تصرف تلك القوى عن إثارة المتاعب للنظام حينها ولم يكن يدرك بأنه يلعب بالنار ولطالما حذر البعض من مغبة تسييس الدين أو تدين السياسة، يبدو ان مطلع عامنا الجديد قد تم تطبيق مخرجات الحوار في صورها السلبية قبل أن يتفق أو يجمع عليها فإخراج ما يسمون السلفيين من محافظة صعده وكأنها إقرار بأن المحافظة قد أفرغت لطيف سياسي ومذهبي واحد، مع ان هذا قد يبدو حلا للسذج ولكنه كمن يعقر بقرة من اجل جرح بسيط، ذكرني ذلك بنصيحة إعرابي لآخر بأن ثوبه تعرض لبقعة من الحبر الأسود واستعصى تنظيفه، فكان نصيحة الإعرابي للآخر هو بتلوين الثوب بأكمله باللون الأسود وبذلك يتلاشى ذلك العيب!!
ان هذا الإقرار الضمني بتلوين جهوي على أساس مذهبي في غاية الخطورة، كان اليمنيون يتفاخرون عن غيرهم من العرب بأنه لا تمييز في المذهب فمدن اليمن تضم أحياء مختلطة المذاهب والجهات وكذا مساجدها، على غير ما هو سائد في لبنان والعراق على سبيل المثال فهناك الحياء ومناطق للسنة وأخرى للشيعة وكذا المساجد فالسنة لهم مساجدهم والشيعة حسينيات، وعندما يطرأ طارئ وتشتد حمى السياسة الممهورة بلون المذهب تصبح تلك الأحياء عبارة عن كانتونات يفصلها خرسانة مسلحة، أول الأشياء تبداء بخطوة وهاهي (الحكمة اليمنية) صارت غير حكيمة بحل معاكس لنواميس الطبيعة وحقوق الإنسان فكيف ينقل مواطنين عنوة من محل إقامتهم إلى أماكن أخرى، فإذا كان هذا قبل إقرار الفدرالية فكيف سيكون بعدها؟
يدخل هذا الإجراء من قبل دولتنا وحكومتنا (التوافقية) التي هي في حقيقة الأمر غير توافقية تعبير عن عجز كامل وهروب من المسئولية وكمن يدس رأسه في التراب، انها ببساطة عبارة عن سياسة العزل العنصر (الاوبريتايد) التي ودعتها دولة جنوب أفريقيا إلى غير رجعة بفضل حكمة قادتها الذين توارون على السلطة بمحض إرادتهم وليس بمبادرات خارجية، ودلت التجارب بأن حلول الترقيع والاحتواء المؤقت دون الاعتبار للمستقبل البعيد لن تثمر، وبأنها فقط ترحيل للمشاكل .
اللافت في هذا السياق بأن من يتغنون بالماضي القريب وكأن اليمنيون قبل عام 2011 يعيشون رغد العيش وكانت اليمن تنافس ارقي الأمم في الترقي والأمن والأمان، فتحميل المرحلة الانتقالية تبعات المرحلة السابقة هو الخطاء بعينه، فما يجري في هذه المرحلة هو نتيجة لسياسات المرحلة التي سبقتها، وكل المشكلات التي يعاني منها اليمن هي مشكلات كانت مطروحة للنقاش منذ ما قبل ثورة الشباب .
الإشكال في اليمن وسواها يكمن في تداخل الديني بالسياسي كان نتاج ثورات الربيع العربي ولعل كل الفتن التي تشهدها تلك البلدان تدخل في هذا السياق وعلى ما يبدو فأن الأمة تنزلق لنفق مظلم جديد لن تخرج منه بسهولة، إلا إذا أقصي الدين والقيم الروحية عن الحياة السياسية، وذلك بسن قوانين تحظر إنشاء الأحزاب والقوى السياسية على أساس دينية أو روحية أو عقائدية، وحصر ممارسة الحقوق السياسية بالأحزاب المدنية .
في الحروب الست السابقة كانت مراكز القوى شبه متفقة وكانت الدولة تدار وفق مقولة (شيخ الرئيس ورئيس الشيخ) ! ولهذا لم ينعكس ذلك على طرفي النزاع في صعدة ( السلفيين وجماعة الحوثي) بينما اليوم وفي اوج صراع تلك القوى مقرونا بحالة الفراغ وانشغال رموز تلك القوى قد قوت شوكة الحوثيين بدليل تقدمهم اللوجستي على الأرض وبتوسع نفوذهم بصورة لم يسبق لها مثيل خلال السنوات المنصرمة. بل وأصبحوا على تخوم العاصمة، وقد كانت الحلول الاخيرة لتلك الأحداث حتما بعد صفقة سياسية بين تلك القوى المتنفذة في المشهد السياسي.
خلال العام المنصرم ومنذ بداء الحوار ترافق ذلك بأحداث هامة وكل منعطف أو محطة من تلك المحطات تخضع للتأويلات من هذا الطرف أو ذاك، فقضية خروج السلفيين كل يفسرها بطريقته ولكنها في حقيقة الأمر حدث في غاية الخطورة أن تحل المشاكل بهذه الصورة التي جرت، صحيح ان جيش الدولة اعجز من ان يخوض حربا ضد الحوثيين لأنه في عز مجدة في العقد الأخير منى بهزائم منكرة ليس وحدة بل وبتعاون عسكري مع السعودية ومع ذلك كان الفشل هو نهاية تلك المعارك.
اللافت في مخرجات الحوار بل ومعظم أيامه قد تركزت على قضية الفدرالية، على الأقل ترويجها إعلامياً ولم تتناول الأمور الأخرى بنفس الأهمية وردود الأفعال وكأن مشاكل اليمن قد انحصرت في إقليمين أو عدة أقاليم غير مدركين بأنها قضايا متداخلة وأولها العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفصل السلطات في إطار دولة مدنية لا يترأسها تحالف العسكر مع القبيلة أو الحزب القائد كما هو معمول به في الأنظمة الشمولية ..