أرشيف الرأي

اليمنيون يتطلعون للمستقبل رغم مصاعب التغيير!!

يدخل اليمن مع نهاية الشهر الجاري منعطفاً جديداً ومرحلة انتقالية ثانية ستكون الاولوية فيها للإعداد لدستور جديد وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الذى وصل إلى محطته الاخيرة بتوقيع كافة المكونات على وثيقة الحل العادل للقضية الجنوبية واتفاقها على الانتقال إلى النظام الفيدرالي والدولة الاتحادية بدلاً عن الدولة البسيطة كحل وسط للخروج من الأزمة التى تواجه وحدة البلاد بعد أن وجدت العناصر الفاعلة في المشهد اليمني أن تجربة الدولة المركزية الموحدة بدأت تتآكل وان العديد من الأمراض تفتك بها وانها قد تحولت بعد أكثر من عقدين من قيامها إلى مصطلح بلا مضمون وعبارة تخلو من المحتوى بفعل بروز العديد من المشاريع التفكيكية والدعوات الانفصالية التى تتهدد أجزاء متعددة في الجنوب والشمال معاً بالتفكك والتشظي والانقسام.

وإذا ما كان توافق الفرقاء في حواراتهم على معالجة وإيجاد الحلول للمشكلات المزمنة والمتوارثة من الماضي وإيجاد خارطة طريق للمستقبل قد أشاع مناخاً من التفاؤل في الوسط الاجتماعي الذي يبدو أنه قد مل الانتظار وصار يتطلع إلى اللحظة التي يتغلب فيها على مصاعبه والمعضلات التى تطحنه وتؤرق حياته فإن غير الواضح على أية ارضية ستقوم الدولة الفيدرالية وهذا التحول الدراماتيكي الذي ينطوي على فرضية لم يتم اختبارها على أرض الواقع بعد أن كان الدافع إلى تبني هذه الصيغة هو الهروب من الضغوط الخارجية لإنهاء الانقسام بين اليمنيين وحالة داخلية قلقة تأمل في اجتياز الوضعية الراهنة بأي ثمن في ظل ارتفاع وتيرة العنف كماً ونوعاً وخروج بعض المناطق عن سيطرة الدولة واقتراب البلاد من السقوط في مستنقع (الدولة الفاشلة).

وطالما أن اليمن يتجه نحو الفيدرالية فإن من مصلحة أبنائه انتقاء الأنموذج الذي يتناسب وواقعهم الاجتماعي والقبلي آخذين بعين الاعتبار الدروس المستفادة من تجارب الآخرين وخاصة من سبقهم في الانتقال من الدولة البسيطة إلى الدولة المركبة .. فالفيدرالية وإن بدت صيغة مثالية من الناحية النظرية فإنها التي لا تستند إلى صيغة واحدة فهناك العشرات من الفيدراليات في العالم التي لا تتشابه في مضمونها أو تطبيقاتها حيث نجد أن كل بلد فيدرالي حرص على اختيار الصيغة التى تتناسب وحاجة مجتمعه ولذلك فقد نجحت الفيدرالية في بلد كالولايات المتحدة الأمريكية أو سويسرا فيما أخفقت تماماً في تحقيق الاستقرار في العراق أو حتى الصومال بل إنها من أغرقت البلدين العربيين في فوضى الصراعات والعنف والعنف المضاد.

ولأننا ندرك أن مفاتيح التغيير في اليمن ليست بيد جهة واحدة أو طرف بمفرده ندرك كذلك أن بوسع اليمنيين أن يقدموا أنموذجاً فيدرالياً متميزاً إذا ما اتفقوا على الأفكار العملية والحلول التي تسندها ضمانات قوية يعتد بها وليس أمنيات تغذيها رغبات حالمة سرعان ما تتلاشى عند اصطدامها بأرض الواقع الجديد وربما تكون النخب اليمنية مطالبة أكثر من غيرها أن لا تركن إلى نشوة الانتصار الذي حققته في مؤتمر الحوار لأن مثل هذا الانتصار هو من قد ينتكس ويتحول إلى عاهة مستديمة إذا لم تقم هذه النخب بالاصطفاف وراء مشروع وطني كبير تصغر أمامه الطموحات الذاتية وما لم تعمل على إيجاد جبهة وطنية عريضة تضم في داخلها كافة أطياف المجتمع من دون أي استثناء لأحد بحيث يشعر الجميع أن معالجة أزمات الواقع هي مسؤولية كل الأطراف والكل معني بحلها على النحو الذي يجعل كلاً منهم شريكاً في إعادة بناء الدولة اليمنية المنتظرة وشريكاً في بناء المستقبل الجديد.

زر الذهاب إلى الأعلى