لقد كانت تركيا بعد سقوط الخلافة الإسلامية على ما فيها من قصور وتولي كمال أتاتورك الذي أراد أن يمسخ تركيا ويسلخها عن جسمها الإسلامي. وأصبحت هذه الدولة تلهث وراء الغرب وإقامة علاقات مع إسرائيل ومنعت اللغة العربية حتى الآذان بها، وتغيرت تركيا كدولة وأعدمت عدنان مندريس الذي أراد التوجه للهوية والشرق. ولكن هناك شعب لم ينسى هويته رغم الحرب عليهم في هويتهم.
وظلت تركيا تجري وتسعى للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي ووقفت لها فرنسا وألمانيا بالمرصاد. وفي الآونة الأخيرة عندما جاء حزب الحرية والعدالة توجه نوعاً ما شرقاً، وبدأت تركيا تتجه نحو الأمة العربية وهويتها، ورأينا مواقف تركية نحو قضايا فلسطين وغيرها وحتى ميانمار والصومال، وأصبحت لتركيا مساهمات في القضايا العربية والإسلامية. ولم نرى تركيا تتحدث بلغة الهيمنة والاستعلاء وإنما بأسلوب حضاري. ومع أن عدد من الدول العربية قد لا تتفق مع تركيا في بعض المواقف إلا أنه لا يمكن إنكار أن تركيا أصبحت حليفاً.
ودعت تركيا لمجموعة الثمان التي لو طورت وشجعت لساعدت في إيجاد قوة اقتصادية في العالم الإسلامي تساعد على خير كثير وامتداد لرسالة الرجل العظيم الذي سعى لجمع العالم الإسلامي الملك فيصل رحمه الله، رائد التضامن الإسلامي، هذا القائد الذي أعاد إلينا أفريقيا وأخرج منها إسرائيل وجعلها حليفة للعرب، وهذا القائد الذي أبقى الخير مع تركيا رغم خلافه معها في مواقف، ولكن كان يفكر بعقلية إستراتيجية بأنها دولة مهمة ويجب إعادتها إلى حضن الأمة الإسلامية بالحكمة والصبر.
وقد بدأت في الآونة الأخيرة جهود طيبة في التقارب مع تركيا في الجوانب السياسية والاقتصادية، إلا أن ذلك لم يعجب الدول الغربية التي بذلت مع إسرائيل جهود كبيرة لإفساد هذه العلاقة فسعت هذه الجهات عن طريق إعلاميين ومتعصبين لإفساد العلاقة والنظر لجوانب معينة لدفع تركيا نحو الغرب وإيران، وهذا ما يسعى إليه الإيرانيون وغيرهم. وتركيا بإمكانها أن تكون قوة اقتصادية وحليف أمام تمديد إيران. ولو قام تحالف تركي مصري خليجي لكان قوة أمام الخطر الإيراني، ولكن العرب لم يفكروا بلغة الإستراتيجية وبعد النظر، فربما هناك عدم رضى لبعض القضايا وخلاف في بعض الملفات فلا يعني ذلك أنه لا توجد قواسم مشتركة. وميزة تركيا إنها لا تحمل فكراً يصدر ولا تتدخل في شؤون الدولي وليس لها أهداف توسعية بل سعت لتوطيد علاقتها واتجهت شرقاً وهذا لصالح الدول العربية أفضل من توجهها نحو إسرائيل.
والخلاف في المواقف لا يفسد للود قضية، فالعرب مختلفون مع روسيا والصين والولايات المتحدة ودول كثيرة في ملفات سوريا وفلسطين ومصر وغيرها وسياستها نحو إيران، ومع ذلك أبقت الخيط مفتوح في مواقف كثيرة تمليه المصالح المشتركة بين الدول حتى الدول الغربية بينها توافق واختلاف في قضايا.
وفي الآونة الأخيرة كان الخلاف على الملف المصري مصدر فتور للعلاقات العربية التركية، وكان الأولى عدم الوقوف عند هذه النقطة وجعل الإستراتيجية هو تحالف مع تركيا أمام الخطر الإيراني وعدم دفع تركيا نحو إيران كردة فعل لمحاولة العزل العربية . فمهما اختلف العرب مع تركيا في هذا الملف فيمكن الحوار والتفاهم ويمكن الاستفادة منه للمساعدة في وقف الاحتقان والصراع والاستنزاف بمصر وبالإمكان السعي بجهود كبيرة لإبعاد تركيا عن إيران التي تسعى بفرح للمواقف العربية الانفعالية والسياسية، لا تقوم على الانفعالات وردود الأفعال بل بالحكم والحكمة.
وعلى دول الخليج وهي الدول التي يعتمد عليها في أن تكون نواة القوة في المجتمع العربي والإسلامي، وبعد أن رأت مواقف الغرب عن قضاياها وخذلان شعب سوريا للحرية والكشف عن خبايا العلاقات السرية مع إيران، فعلى هذه الدول تطوير الشراكة مع تركيا وكسب العلاقة معها للتعاون في الملق العراقي والسوري وغيره وكبح جماح السرطان الإيراني التوسعي في المنطقة. يجب أن لا يتركوها لمن يريدوا الإضرار بمصالح الأمة ويحققوا أهداف الغرب وأهداف إسرائيل وإيران لجعل هذه الأمة ضعيفة، وعدم الاستماع للإعلام والكتاب الذين يخدموا مصالح الغرب للأسف، بل لابد من التفكير بما يخدم المصالح العليا للأمة وبما لا يقوي خصومنا وأن لا نكثر الأعداء بل نكسب الأصدقاء. وتركيا دولة قوية ولا زالت الفرصة سانحة ولا يعني هذا أننا نوافق تركيا كل سياساتها ولكن هناك من المواقف والقضايا التي هي مهمة للتعاون وترك القضايا الخلافية للحوار بما يخدم مصالح الطرفين.