[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

حتى تكون الأحواز عمقا استراتيجيا للخليج

دائما ما تعتبر الكثير من الدوائر والمؤسسات السياسية في الدول العربية ومن تبعها عضويا ‏وفكريا تعتبر الحالة الأحوازية السياسية الراهنة العقبة في طريقها لدعم القضية الأحوازية ‏وتنسب إليها سبب عدم الدعم. حيث أثار هذا الأسلوب السطحي والبعيد عن الجدية والتعمق في ‏التعاطي مع القضية الأحوازية العديد من نقاط الاستفهام مما أستوجب الوقوف عندها والتدقيق ‏فيها حتى لا تصبح شماعة يُعلق عليها تراخي الأهل تجاه القضية الأحوازية.‏

عندما تطرح الدوائر والمؤسسات السياسية والاعلامية توحّد الفصائل الأحوازية كشرط ‏مسبق لدعم القضية الأحوازية ومساندتها ضد الاحتلال الفارسي وما يترتب عليه من ظلم ‏وجور وقهر ومعاناة إنسانية، قد يحمل هذا الشرط في طياته الكثير من المعاني الإيجابية. ولكن ‏من أجل أخذه والأفكار التي تقف خلفه على محمل الجد يجب معرفة بعض الحقائق السياسية ‏في المنطقة. ‏

عندما دعمت الدول العربية القضية الفلسطينية وقدمت لها الكثير مما تستحقه، لم تضع شرط ‏توحيدهم تحت مظلة واحدة ولم تأمر بإيقاف المساعدات بسبب اقتتالهم الداخلي (بين حركة ‏حماس وحركة فتح). والعراق في بداية الثمانيات من القرن الماضي لم يضع شرط توحيد ‏الفصائل والمنظمات الأحوازية قبل دعمها ومساعدتها. وإنما استقبل الأحوازيين رغم ‏انتماءاتهم إلى فصائل متعددة، بل دعمهم وساهم في لم شملهم وتوحيدهم تحت مظلة واحدة.‏

‏ وفي الوقت الراهن الدول العربية وعلى رأسها الخليجية لم تضع توحيد فصائل المعارضة ‏السورية شرطا مسبقا لدعمها. وإنما دعمتها ومازالت مستمرة بدعمها -بغض النظر عن حجم ‏هذا الدعم-رغم تشرذمها واختلافها. هذه أمثلة عن مواقف نبيلة تثبت وبدون أدنى شك إن ‏الجهات التي دعمت الشعب العربي الأحوازي آنذاك، والجهات التي تدعم الفلسطينيين ‏والسوريين صادقة في فعلها قبل قولها. ولكن الأصوات التي تردد مقولة توحّد الأحوازيين ‏كشرط مسبق لتقديم دعم مجهولة تفاصيله لا تبدو أنها على شاكلة الجهات الداعمة للسوريين ‏والفلسطينيين في الوقت الراهن.‏

يتخوف العرب من مستقبل الأحواز "الدموي" ويبررون تخوفهم بالحرب الأهلية التي حدثت ‏في أفغانستان ومازالت تستعر بين الحين والأخر. ولا يريدون تكرارها في الأحواز الجارة ‏والمطلة على الخليج العربي والمتحكمة بمضيق باب السلام (مضيق هرمز) والمحتضنة ‏لمفاعل أبو شهر النووي. قد يحتمل هذا الرأي بعض من جوانب الصواب ويكون التخوف في ‏محله، ولكن هذا الرأي لا يحتمل الصواب بكامله ولا يحيط بالحقيقة المطلقة وإنما تعتريه ‏جوانب من الخطأ والقصور. إذ تختلف البيئة الأحوازية عن الأفغانية وتتباين الخلفيات ‏التاريخية والاجتماعية والدينية للشعبين الأحوازي والافغاني. كما إن السياق الزمني والمكاني ‏والانتماء القومي، والكثير من المتغيرات الأخرى تفقد هذه المقارنة بين القضيتين (أفغانستان ‏والأحواز) موضوعيتها وعلميتها. لا يكفي فقط التخوف من الحرب الأهلية الأحوازية في ‏المستقبل كي يُترك الشعب العربي الأحوازي فريسة سهلة للاحتلال الفارسي، ولا يكفي فقط ‏الخشية من الانفلات الأمني المزعوم – مستقبلا -في الأحواز حتى تُترك إيران لتفعل ما تشاء ‏في الأحواز وفي المنطقة برمتها. وإنما الأخذ بيد التنظيمات الأحوازية ودعمها بدون شروط ‏مسبقة ومساندتها هو الخيار المنطقي والصائب في الوقت الراهن.‏

‏ إن هذا الدعم غير المشروط مسبقا سيساهم في إزالة بعض الشوائب التي تعتري الساحة ‏السياسية الأحوازية وينتشلها مما هي واقعة فيه ويعيد تقويم بعض اعوجاجاتها وينشطها أكثر ‏ضد الاحتلال الفارسي. لا تختصر منطقية هذا الخيار بالنتائج الإيجابية على الساحة الأحوازية ‏فقط، وإنما سيساهم هذا الخيار في تفكيك إيران وانكفائها إلى الداخل بعد كل هذا التمدد في دول ‏الخليج والشرق الأوسط بكامله. إذ في ظل وجود إيران المارقة على القانون والشرعية الدولية ‏والمغذية للصراعات الطائفية، وفي ظل تعنتها وسلوكها العدائي تجاه دول الخليج العربي ‏يُستحيل إقامة أمن واستقرار في هذه المنطقة العربية ولا يُتوقع إقامته مستقبلا. لذلك الدفع ‏باتجاه تغيير الخريطة الجغرافية الإيرانية ونقل الصراع داخل "حدودها" الحالية أفضل من ‏انتظار الاقتتال الداخلي على غرار سوريا والعراق وتغيير الخريطة الخليجية لصالح إيران ‏وأدواتها.‏

قد تعتبر المتغيرات في المنطقة والأحداث الجارية فرصة تاريخية للأحوازيين لتحرير ‏أرضهم من الاحتلال الفارسي وتشكيل دولتهم المستقلة من خلال ترك الصراعات الجانبية ‏والعمل الممنهج والهادف ضد العدو، ولكن هذه الفرصة التاريخية ليست فقط للأحوازيين، ‏وإنما هذه الأحداث تعتبر فرصة تاريخية للخليجيين كلهم بعد ما اكتشفوا أهداف إيران ‏ومشروعها في دولهم واكتشفوا مدى تغلغلها في مجتمعاتهم واكتشفوا البيئة الأحوازية المتأثرة ‏بخطابهم وتوجهاتهم السياسية والعقدية. فحان الأوان لدعمهم بطريقة منظمة وهادفة وتدريبهم ‏وتنظيمهم عسكريا وسياسيا وإعلاميا حتى تكون الأحواز عمقا استراتيجيا للخليج، قبل أن ‏تفوت الفرصة على الخليجيين والأحوازيين على حد سواء. لذلك من يحذر الأحوازيين من ‏تفويت الفرصة التاريخية، عليه أن يحذر نفسه قبل تحذير الأحوازيين لأن إذا انقضت هذه ‏الفرصة قد يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى وتصبح دول خليجية في خبر كان مثلما حدث للشعب ‏الأحوازي ودولته. والأحداث في العراق والبحرين وسوريا مازالت ماثلة أمامنا وترفدنا ‏بمعطيات تثبت إن المشروع الفارسي لا يستهدف دولة دون أخرى وأهداف إيران لا تختصر ‏فقط بالدور الإقليمي. وإنما مشروعها يستهدف جميع الدول العربية وعلى رأسها المملكة ‏العربية السعودية السد المنيع أمام المشروع الفارسي، وأهدافها تتمثل بإعادة إمبراطوريتها ‏الساسانية ولو بطريقة حديثة وبغطاء طائفي.‏

من غير المعقول أن توضع شروط تعجيزية على التنظيمات الأحوازية قبل دعمها، ومن ‏غير المعقول أن يُترك الخطر الإيراني الداهم على دول الخليج العربي بحجة انفلات أمني قد ‏يحدث في المستقبل في منطقة مجاورة، ومن غير المعقول أن يُخشى على مستقبل الأحواز ‏ويُترك حاضره المأساوي بيد إيران الجزارة. كل هذه غير المعقولات تجتمع عندما لا تكون ‏نية حقيقية في دعم القضية الأحوازية وعندما يهرب المسؤول إلى الأمام ويتنصل من ‏مسؤولياته الأخلاقية والسياسية تجاه الشعب العربي على ضفتي الخليج العربي.‏

زر الذهاب إلى الأعلى