أرشيف الرأي

«قراءة تحليلية لوثيقة تمزيق وتدمير اليمن»‏

في مفاجئة صادمة وبكلفته تجاوزت كل الأعراف والتقاليد في الحوار الذي انتهى إلى لا ‏حوار والوفاق الذي انتهى إلى لا وفاق اعلن عن وثيقة حل القضية الجنوبية بطريقة قسرية ‏املائية تجاوزت الاعراف الديمقراطية والقواعد الحوارية المعلنة فالمخرج الدولي لا يؤمن ‏بشعارات الديمقراطية والحرية إلاّ كشعارات خادعة للمغفلين وكوسيلة لتمرير ما أمكن من ‏مشاريع تستهدف وطننا و إلا فسيرمى عرض الحائط لأية مبادئ أو تقاليد ديمقراطية لفرض ‏المشروع الاستخباري الدولي المعد و المخطط مسبقاً، وهالة التبرير والتمرير له جاهزة بغض ‏النظر عن مؤتمر الحوار وموافقة الأطراف وارادة وتطلعات الشعب اليمني.‏

إن الوثيقة المسماة "وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية" هي في الحقيقة مشروع صيغ ‏بعناية فائقة من قبل مراكز بحث استخبارية دولية وترجمت إلى اللغة العربية وهندست ‏بطريقة دقيقة غامضة في غاية المكر والدهاء لم يكن أي طرف يمني يفكر فيه أو يخطر على ‏باله.‏
والقيام بقراءة واعية ومجردة لمضامينها تكشف بما لا يدع مجالاً للشك وبجلاء ووضوح ‏المصير الذي ينتظر الوطن اليمني والمعارك الطاحنة التي يجر اليها هذا الشعب الطيب الواحد ‏الموحد.‏

فالوثيقة التي اعتبرها موقع التجمع اليمني للإصلاح أهم مخرجات الحوار الوطني الشامل لا ‏علاقة لها بمؤتمر الحوار وجرى إعدادها خارج أطر المؤتمر ولم تعرض عليه ولم يتم ‏التصويت عليها بطريقة سليمة بعيدة عن الضغوط فكيف تكون من مخرجاته، وللتعرف على ‏مكامن الخطر التي احتوتها الوثيقة سوف نسلط الضوء عليها وما اكتنفها من عوار واحتوت ‏عليه من ألغام كفيلة بتفجير الوطن والمجتمع اليمني إلى أشلاء تصارع بعضها بعضا وتحتكم ‏في صراعها المدمر إلى الوصاية الدولية بطلب وبتفويض وتخويل من القوى السياسية اليمنية ‏الموقعة على هذه الوثيقة الكارثية التي يبدو بوضوح من صياغتها أنها كتبت بلغة أجنبية ‏وترجمت بعناية إلى اللغة العربية،وهذا يشير إلى أن هناك دوائر متمكنة قد صاغتها واعدتها ‏بعناية فائقة ماكره ومخادعة لإدخال المجتمع اليمني في صراع دائم مفتوح على مختلف ‏المستويات (المحافظات، الأقاليم، المركز).‏

كما يبدو شبهاً واضحاً بينها وبين دستور العراق الذي فرض في عهد الإحتلال الأمريكي ‏وجاء بإشراف الحاكم العسكري الأمريكي برايمر، فهناك تشابه في صياغة بعض ما ورد في ‏دستور العراق مع ما ورد في الوثيقة بل ان بعض بنودها اسوأ منه بكثير وسوف نعرض ‏بإيجاز لأهم الملاحظات على الوثيقة فيما يلي:‏

أولاً: المقدمة :‏
‏- استهلت الوثيقة بالنص أنه «بناء على قرار مجلس الأمن 2014 والقرار2051 الذي يشير ‏إلى أن عملية الانتقال تتطلب مشاركة وتعاون جميع الأطراف بما في ذلك الجماعات التي لم ‏تكن طرفاً في مبادرة مجلس التعاون الخليجي والآلية التنفيذية واتفاقية نقل السلطة الموقع في ‏الرياض في نوفمبر 2011م وعملاً باستخلاصات فريق عمل القضية الجنوبية التي تبنتها ‏الجلسة العامة الثانية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل وبالنظام الداخلي لمؤتمر الحوار وبعد ‏مناقشتنا جميع الرؤى والمقترحات توصلنا نحن المكونات السياسية والاجتماعية المشاركة في ‏الحوار إلى هذه الوثيقة».‏

يلاحظ في هذا الاستهلال أنه حرص ومن أول كلمة وأول صدر على التأسيس لمرجعية ‏قرارات مجلس الأمن قبل أن يشير لاتفاق الأطراف اليمنية ولذلك دلالته الهامة في تأكيد ‏وترسيخ الوصاية والهيمنة الدولية، وكان يفترض أن تستهل الوثيقة فيما لو كانت الصياغة ‏يمنية على أنها تعبير عن إجماع واتفاق مؤتمر الحوار الوطني الذي كان يفترض أن يقرها هو ‏في جلسة عامة ويصوت عليها جميع المشاركين لتصبح حقاً وفعلاً مخرجاً للمؤتمر يمكن ‏الحديث عنه، أما حالة الكلفتة التي انتهت إلى تفويض بن عمر ليحسم الوثيقة فلا علاقة لذلك ‏بالمؤتمر وتوافقه واتفاق المشاركين فيه وإن وقعت بعض الأحزاب والأطراف اليمنية عليه في ‏جلسة ليلية جانبية وإلاّ فما الحاجة لمؤتمر حوار إذا كنا سنرجع لممثلي بعض الأحزاب ليكونوا ‏بديلاً عن مؤتمر الحوار ولماذا كل هذا الانفاق على المؤتمر والجعجعة الاعلامية التي ‏صاحبته إذا كان مشروعاً أن يوقع ممثلو أحزاب نيابة عن اعضاء اللجنة المختارة وأية علاقة ‏لذلك بالقواعد المنظمة لعملية الحوار التي تم تجاوزها في أخطر قضية تتصل بكيان الدولة ‏ووجودها والتي تشترط موافقة 90% من المشاركين على أي قرار يتبناه المؤتمر.‏

‏- وتضمن الاستهلال النص على أن الوثيقة «تحقق أعلى قدر ممكن من التوافق وفيها نلتزم ‏حل القضية الجنوبية حلاًّ عادلاً في إطار دولة موحدة على أساس اتحادي وديمقراطي جديد وفق ‏مبادئ دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية، وذلك عبر وضع هيكل وعقد اجتماعي ‏جديدين يرسيان وحدة الدولة الاتحادية الجديدة وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها».‏

وبعيداً عن الكلمات الرنانة والمعسولة عن الحق والقانون والمواطنة المتساوية فإن خطورة ‏هذه الفقرة تكمن في أنها قد غضت الطرف عن الدولة الواحدة الموحدة القائمة لتهد وتلغي ‏كيانها وتؤسس لكيان اتحادي وكأنه إتحاد جديد بين دولتين أو دول مكونة لهذا الإتحاد، اما ‏مبادئ دولة الحق فلا يعلم احد ما هي؟ واما الاستناد إلى مرجعية استخلاص فريق القضية ‏الجنوبية أو النظام الداخلي للمؤتمر فهو محض زيف فالقضية احيلت إلى لجنة الـ16دون ان ‏تكون هناك استخلاصات للفريق، ولأن المندوب السامي قد شعر بعدم التوافق على هذه الوثيقة ‏بين اعضاء لجنة 16وفريق القضية الجنوبية واحتمل ان لا يتم الاتفاق عليها في مؤتمر الحوار ‏فقد استبدل تعبير توصلنا نحن اعضاء مؤتمر الحوار بتعبير توصلنا نحن المكونات السياسية ‏والاجتماعية المشاركة في الحوار على اساس انه سيتم الزام قيادات الاحزاب بالتوقيع بغض ‏النظر عن موافقة اعضاء مؤتمر الحوار وهذا ما حصل فعلاً قبل الضغط على ممثلي ‏الناصري والاشتراكي والمؤتمر واستدراجهم للتوقيع باشتراطاتهم المتناقضة مع الوثيقة، كما ‏ان النص قد اشتمل على تعبير غير سليم ولا دقيق وهو ذكر مرجعية المبادرة الخليجية واليتها ‏التنفيذية والاضافة اليها لعبارة "واتفاقية نقل السلطة" مع ان الجميع لا يعلم بوجود اتفاقية ‏اسمها اتفاقية نقل السلطة ولا يوجد سوى المبادرة الخليجية التي تضمنت الاتفاق على تشكيل ‏حكومة توافق وطني، وهذا التعبير جاء لترسيخ وجهة نظر المبعوث الدولي الخاصة تجاه احد ‏طرفي المبادرة الخليجية كعصا تهديد باعتباره ليس شريكاً توافقياً وانه طرف خاسر مسلم ‏للسلطة، وهي اشارة مقصودة للضغط والابتزاز والتهديد لإثنائه عن معارضة الوثيقة وما كان ‏له ان يستخدمها لو التزم بمقتضيات الدبلوماسية والحصافة السياسية.‏

وواصل الاستهلال بالاعتراف «بالأخطاء المؤلمة والمظالم التي ارتكبت في الجنوب وأنه ‏يتعين على الحكومة اليمنية معالجة هذه المظالم بما فيها التطبيق الكامل للنقاط العشرين ‏والاحدى عشرة خلال فترة الانتقال إلى الدولة اليمنية الاتحادية وأن ذلك جزء من سعينا إلى ‏بناء يمن اتحادي جديد يجب معالجة مظالم الماضي تحديداً من دون تأخير ووفق جدول زمني ‏يحدد في اطار متابعة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل ويجب توفير التمويل لالتزامات ‏جبر الضرر وضمان تنفيذ ذلك بشكل كامل وفق مبادئ العدالة الانتقالية ومن دون تمييز من ‏أجل التأسيس لمستقبل يتجاوز جميع مظالم الماضي ويحقق المصالحة الوطنية».‏

مضيفاً «يجب الضمان للجنوب ألاّ عودَة إلى الماضي أو إلى اساءة استخدام السلطة والثروة، ‏خصوصاً فيما يتعلق بالأمن والاستقرار والتنمية».‏

وفيما سبق يبدو بوضوح اعتبار أن الأخطاء والمظالم التي حصلت في الماضي ليست في ‏حق الوطن اليمني كله وكأن ما حصل من أخطاء ومظالم لم تمس غير الجنوب فقط وكأن ‏الشمال اليمني هو المسؤول عن هذه الأخطاء وليست أخطاء حكام وليس هذا فحسب بل يشير ‏الاستهلال إلى تطبيق النقاط العشرين و الإحدى عشر ووفق مبدأ العدالة الانتقالية والتي لم يجر ‏تحديدها وتوصيفها والاتفاق عليها وربط ذلك كله بالفترة الانتقالية ولا يدري أحد كيف ستتم ‏المعالجة لهذه القضايا وما قد يجري من توسع في تحديدها وتفسيرها ومدى قدرات الدولة في ‏مواجهة ما قد يجري اعتباره مظالم وأخطاء وماذا يمكن أن يحصل لو لم يتم ذلك في الفترة ‏الانتقالية بالشكل الذي سيتم النقاش حوله وتحديده وماذا لو حدثت خلافات أو عدم قدرة للدولة ‏المثقلة بالالتزامات على تلبية المطالب التي قد يكون مبالغاً فيها لأهداف سياسية صغيرة، وهل ‏ذلك شرطاً لاستمرار الدولة الاتحادية أو مبرراً للعدول عنها، إنها عبارات مطاطة وضبابية ‏مصاغه لتكون مجالاً للخلاف، ولم تشر الوثيقة إلى المظالم التي حصلت في الشمال والجنوب ‏كنتاج لأخطاء الحكم وليس خطأ الشما ل أو الجنوب، ولماذا يعتبر وكأن الشمال هو المسؤول ‏عن مظالم الجنوب إنه قمة المكر والخبث لتمزيق شعب واحد كل ما يأمله هو العدالة ‏والمساواة بين كل أبنائه بطول وعرض اليمن.‏

إنها ألغام نائمة سيجري تفجيرها خلال الفترة الانتقالية الجديدة للحيلولة دون بناء دولة اتحادية ‏جديدة لصالح مشاريع تفتيت تتستر تحت غطاء الوثيقة.‏

مع تأكيدنا على ضرورة إلغاء أية مظالم وقعت على أبناء الجنوب وأن ذلك حق لا ينبغي أن ‏يرهن بالحوار ونتائجه وبشكل الدولة بل أنه معالجات مطلوبة كان ينبغي أن تتم من قبل الدولة ‏دون انتظار لحوار أو غيره ولا ينص عليها في الدستور فأخطاء الحكم لم تقتصر على ما بعد ‏الوحدة والكل يعلم حجم الجرائم والمذابح التي حصلت في الجنوب ولم تستدعي اعادة النظر في ‏كيان الدولة آنذاك وتفتيته وتحميل منطقة جغرافية معينة مسؤولية هذه الأخطاء التي حصلت ‏من الحكام، ويشار هنا ايضاً إلى ان المبالغة في الاشارة لمظالم الجنوب دون الاشارة إلى ما ‏تحقق من ايجابيات بعد الوحدة هو نوع من خلق وترسيخ الشعور بالمظلومية المبالغ فيها ‏وتحميل الدولة اوزار هذا الظلم بحق الجنوب دون غيره من المناطق وكأن الوحدة التي اعيد ‏تحقيقها عام 90م احتلالاً تم بالقوة من قبل الشمال للجنوب وليس باتفاق سياسي بين الشطرين ‏وبدستور مستفتى عليه من قبل الشعب اليمني بأجمعه شمالاً وجنوباً،اما ما حصل ويحصل من ‏ظلم وتهميش للمناطق الاخرى من اليمن فلا مجال للحديث عنه أو الاشارة اليه انطلاقاً من ‏فكرة ان الشمال هو الذي يحكم وبالتالي فاية اخطاء فيه من مسؤوليته وهي فكرة غير صحيحة ‏وغير وطنية وغير منصفة ولا عادلة ولا بريئة.‏

ثانياً : المبادئ :‏
‏1- «يصاغ دستور جديد يقضي أن الإرادة الشعبية والتزام أعلى المعايير الدولية لحقوق ‏الإنسان أساس سلطة وشرعية الدولة الاتحادية على جميع المستويات وفق ما تقتضيه ‏الديمقراطية التمثيلية والتشاركية والتداولية».‏
وهنا يشار إلى أن النص ربط وجود كيان الدولة في حد ذاتها كدولة اتحادية بشروط قد تكون ‏براقة كالإرادة الشعبية وعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان لكنها اشتراطات تهدد كيان ‏ووجود الدولة ونحن نعرف أن الغرب الاستعماري كثيراً ما يستخدم شعار حقوق الإنسان ‏للهيمنة والسيطرة على البلدان وتوجيه سياساتها واحتلالها.‏

وكان من المفترض أن يكون الربط بين هذه المعايير وبين شرعية الحكم القائم وليس مع ‏شرعية الدولة الاتحادية ذاتها، والعجيب انه لم يستخدم عبارة المعايير الدولية لحقوق الانسان ‏بل نص على ان تكون اعلى المعايير الدولية هي اساس سلطة وشرعية الدولة الاتحادية وكأن ‏اليمن بلد من اعظم البلدان المتقدمة والعريقة في الديمقراطية التي تستطيع حكومتها ان تلتزم ‏بأعلى المعايير الدولية لحقوق الانسان التي لا اعتقد انها قد وجدت على الارض منذ سيدنا آدم ‏ولن توجد إلى ماشاء الله وليس بلداً فقيراً متخلفاً مازال يعاني من مصائب ومشاكل غاية في ‏الضخامة تنؤ عن حملها اعظم البلدان،والأخطر ان الالتزام بأعلى المعايير قد جُعل شرطاً ‏اساسسياً لشرعية الدولة الاتحادية نفسها وليس شرعية حكومة قابلة للتغيير بل بلداً قابل للتفكيك ‏اذا لم تتحقق أعلى المعايير.‏
إن أي خطأ قد يحصل أو دعاية أو شعار في بلد متخم بالصراعات والمشاكل ومثقل ‏بالاحتياجات والمطالب قد يستغل دولياً سيعني أن الوطن نفسه وليس الحكم في مهب الريح ولا ‏اعتقد أن دولة في العالم تقبل أن يكون كيانها ووجودها كدولة ووطن مرتبط بأية تشرطات ‏وخاضع لأي أخطاء أو تجاوزات لحكام، أو مرتبط بالتزام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.‏
ولم يقتصر هذا الربط على ذلك بل أنه أضاف الديمقراطية التمثيلية والتشاركية ويقصد بذلك ‏طبعاً استمرار التمثيل غير المتساو لشطري الوطن اليمني في السلطات التنفيذية والتشريعية ‏والقوات المسلحة والأمن بما يعني ذلك من تأسيس وادامة للمواطنة غير المتساوية ولا نعلم ‏دولة في العالم تفرق بين مواطنيها في التصويت والتمثيل في سلطاتها.‏

‏2- «الشعب اليمني حر في تقرير مكانته السياسية وحر في السعي إلى تحقيق نموه ‏الاقتصادي والإجتماعي والثقافي عبر مؤسسات الحكم على كل مستوى وفق ما ينص عليه ‏العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية ‏اللذان وافق اليمن وصادق عليها».‏
‏- ومن غير المعلوم ماهو المقصود بأن الشعب اليمني حر في تقرير مكانته السياسية؟ وماذا ‏تعني المكانة هنا؟ ولماذا التاكيد على حريته في تحقيق نموه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ‏عبر مؤسسات الحكم على كل مستوى وربط ذلك بالعهود الدولية بعد ذكر مؤسسات الحكم على ‏كل مستوى؟ و ما الحاجة لذكر المستويات هنا ولا اعتقد ان يكون واضع هذا النص يمني أو ‏جرى حوار حوله بين يمنيين عند إعداده فكلمة انه حر في اختيار مكانته وكأنه في مواجهة ‏استعمار وتسلط خارجي فمن يمنع داخلياً ان يكون هذا الشعب حر في تحقيق نموه الاقتصادي ‏والاجتماعي؟ ولماذا الربط هنا بالعهدين الدوليين وما لزومه؟.‏
‏- ربط المبدأ الثاني حرية الشعب ككلام معسول بالعهود الدولية معناه أن حرية الشعب ‏اليمني ليست حقاً مستقلاً قائماً بذاته ولكنها خاضعة لصكوك دولية قد تحمل الكثير من ‏المخاطر وفي مقدمة ذلك ما يسمى بحق تقرير المصير الذي يمكن له أن يستغل لتهديد وجود ‏الدولة في أي وقت ولحظة.‏
ومن الواضح أن هذه الصياغة لا علاقة لها مطلقاً بأطراف الحوار اليمني وأن مصدرها هو ‏الطرف الدولي الذي أصاغها وأعدّها وفرضها.‏

‏3- المبدأ الثالث «تناط بكل مستوى من مستويات الحكم السلطات والمهام والمسؤوليات ‏بشكل حصري أو تشاركي لخدمة المواطنين بالطريقة الأفضل والأقرب لكل مستوى من ‏مستويات الحكم، سلطات وموارد كافية لأداء مهامه بفاعليه، ويتحمل حصة عادلة من ‏المسؤوليات المشتركة».‏
وهي عبارات فضفاضة صعبة التحديد والتعيين والتفسير، كما أن الموارد الكافية التي أشار ‏إليها المبدأ لا يعلم أحد كيف يتم توفيرها؟ ولا من أين؟ ولا ما هو معنى موارد كافية لكل ‏سلطة؟ وكيف تقدر هذه الموارد لكل مستوى إنها عبارات مطاطة تظل مجال خلاف ونقاش ‏وتفاوض وموضوعة بعناية ليظل الخلاف حالة دائمة بين مستويات الدولة التي لا تملك خبره ‏في هذه القضايا وبالتالي يظل الطرف الخارجي هو الحكم وهو الأقوى وفقاً لأغراضه وأهدافه.‏

‏4- «يحدد الدستور في الدولة الاتحادية توزيع السلطات التنفيذية والقضائية والإدارية ‏لمستويات الحكم الأخرى في نطاق مسؤولياتها الحصرية إلاّ في ظروف استثنائية ينص عليها ‏الدستور والقانون، بهدف ضمان الأمن الجماعي والمعايير المشتركة الرئيسة أو لحماية سلطة ‏أقليمية من تدخل سلطة أخرى».‏
فهذا النص يعطي كل مستوى من مستويات الحكم سلطات قضائية بمعنى أنه سيكون لدينا ‏‏22 سلطة قضائية على مستوى المحافظات (الولايات) ثم سلطات قضائية على مستوى ‏الأقاليم، ثم سلطة قضائية مركزية ولا يعلم إلاّ الله كم من الخبراء والقوانين والسنين تكفي ‏لاعداد هذه القوانين وتجنب وجود تناقضات وتداخلات بينها، فنحن منذ الثورة و إلى اليوم ‏وعلى مدى 50 عام عجزنا عن تطبيق قوانين دولة بسيطة فكيف سنستطيع بسهولة تطبيق ‏قوانين معقدة على مستويات ثلاثة.‏
كما أن النص مصاغ كأنه ينظم العلاقة بين تجمع مجموعة من الدول بهدف ضمان الأمن ‏الجماعي والمعايير المشتركة الرئيسية أو لحماية سلطة إقليمية من سلطة أخرى، فكان هذا ‏الاتحاد عبارة عن كيان لمجموعة من الدول بعدد المحافظات (الولايات) والأقاليم، وقد اختتم ‏النص "بحماية الدستور لسلطة اقليمية من تدخل سلطة اخرى" ولم يقل سلطة اقليمية اخرى ‏فهل يقصد بذلك حمايتها من السلطة الاتحادية أم انها طبيعة الترجمة الحرفية.‏

‏5- «تكون السلطات غير المسندة إلى السلطة الاتحادية من صلاحية مستويات أخرى من ‏الحكم وفق ما ينص عليه الدستور الاتحادي وتفصل الهيئة القضائية المختصة، التي ينص ‏عليها الدستور الاتحادي في أي تنازع حول اختصاصات الحكومة المركزية والأقاليم ‏والولايات».‏
وهذا النص أعطى مستويات الحكم على مستوى الولايات والأقاليم السلطات التي لم تسند ‏وينص عليها للسلطة الاتحادية، وأطلق هذا الحق وهذا النص للمستويات الأدنى الصلاحيات ‏التي لم تحدد وكان المفروض أن يكون العكس هو الصحيح بأن أي سلطات لم تسند للمستويات ‏الأخرى (الولايات والأقاليم) فإنها تكون من صلاحيات السلطة المركزية.‏

‏6- «يكون لكل إقليم دور قيادي في مجال تنميته الإقتصادية الأقيلمية، ويضمن النظام ‏الاتحادي مستوى مقبولاً لحياة كريمة لجميع أبناء الشعب وتوزيعاً عادلاً للثروة الوطنية».‏
ولم يحدد هذا المبدأ بعباراته العامة كيف يكون الدور القيادي للأقليم ولا كيف يضمن النظام ‏الاتحادي المستوى المقبول من الحياة الكريمة لجميع أبناء الشعب خصوصاً وأنه في المبدأ ‏الثامن قد منح الولايات «المحافظات» عقود الاستكشاف والتطوير للموارد الطبيعية وإدارتها ‏وجرد السلطة المركزية من حق المنح للعقود والإدارة لهذه الموارد،انه مجال لنزاع بين ‏الولايات والاقاليم وبينهما وبين السلطة الاتحادية.‏

‏7-« يتمتع كل مستوى من مستويات الحكم، المركز، والأقليم والولاية بسلطة تنفيذية ‏وتشريعية وإدارية ومالية مستقلة يحددها الدستور بما فيها سلطة مناسبة لجباية الضرائب».‏
وهذا تأكيد لما سبق وأن أشرنا إليه في فقرة سابقة من جعل التشريع والقضاءعلى مختلف ‏المستويات (ولاية – أقليم- مركز) وما سيتبع ذلك من تعقيدات وتداخلات وإزدواجية، فإذا كنا ‏في ظل السلطة المركزية لم نتمكن من ترجمة القوانين الواضحة على أرض الواقع لاندري ‏كيف سنتمكن من اعداد قوانين على هذه المستويات الثلاثة ولا كيف نمنع عنها التضارب ‏والاختلاف ولا كيف سنتمكن من تطبيقها وترجمتها على أرض الواقع، إنها متاهة مقصودة ‏تؤسس لفشل هذا النظام وإعطاء الفرصة للمشاريع المخطط لها لأثارة النزعات والصراعات ‏على مختلف المناطق اليمنية لتمرير مشروع التمزيق الذي جرى الاعداد المحكم له ليكون ‏نتيجة حتمية لهذا الكيان الاتحادي الهش.‏
ولا ندري مع هذه الصلاحيات الممنوحة للولايات المحافظات ما هي الحاجة للأقاليم، وألم ‏يكن من الأفضل منح المحافظات صلاحيات واسعة في ظل الدولة الواحدة البسيطة، أم أنه ‏لزوم التعقيد والتركيب، ولا ندري كذلك لماذا تم اغفال مثل هذا الخيار واستبعاده من النقاش ‏ورغم انهم قالوا ان الحوار سقفه مفتوح الا انه في القضايا المصيرية فتح المجال لمزادات ‏التمزيق واقفل مناقشة اصلاح الدولة في ظل نموذج يحافظ على تماسكها وكيانها إنها أسئلة في ‏غاية الأهمية الإجابة عنها قد تكشف ما رواء الستار وما خلف الأكمة.‏

‏8- «الموارد الطبيعية ملك الشعب في اليمن، تكون إدارة وتنمية الموارد الطبيعية منها النفظ ‏والغاز وبما فيها منح عقود الاستكشاف والتطوير من مسؤولية السلطات في الولايات المنتجة ‏بالتشارك مع السلطات في الأقليم والسلطة الاتحادية وفق ما ينص عليه قانون اتحادي، ‏وبموجب القانون نفسه تكون عقود تنظيم الخدمات المحلية من مسؤولية السلطات في الولايات ‏المنتجة حصراً، وتراعى في كل ما سبق المصلحة الوطنية العليا لضمان إدارة الموارد ‏الطبيعية بشفافية وكفاءة وفاعلية واستدامه وبموجب القانون نفسه تؤسس هئية وطنية مستقلة ‏تضم جميع السلطات المعنية على مستوى الإقليم والولاية والحكومة الاتحادية مهمتها تطوير ‏السياسات العامة وتمكين الولايات والأقاليم المنتجة بإدارة الموارد الطبيعية بكفاءة يحدد قانون ‏اتحادي يصاغ بالتشاور مع الأقاليم والولايات معايير عادلة لتوزيع عائدات الموارد الطبيعية ‏بما فيها النفظ والغاز، بطريقة شفافة وعادلة لجميع أبناء الشعب في اليمن، مع مراعاة حاجات ‏الولايات المنتجة بشكل خاص وتخصيص نسبة من العائدات للحكومة الاتحادية».‏
وهذا المبدأ يتضمن من العبارات الغامضة والفضفاضة والملغمة ما لا يعلم إلاّ الله وحده كيف ‏يمكن تفسيرها وترجمتها إلى دستور وقوانين و تطبيقات، فكما العادة في هذه الوثيقة يستهل ‏النص بعبارة اغرائية بحق الشعب للثروة ونظراً لان النص مترجم فانه لم يقل بحق الشعب ‏اليمني في الثروة بل قال بحق الشعب في اليمن وفي ذلك من الغرابة ما يثير التساؤل فهل سيتم ‏جلب سكان مستوطنين إلى اليمن وتطلب ذلك ان يشملهم النص في حق تملك الثروة لأن ‏الشعب في اليمني عبارة تشمل أي سكان في اليمن ام انه يستهدف شمولية الاخوه اللاجئين ‏الصوماليين والأفارقة في اليمن الذين وصل عددهم إلى ما يقارب المليون، اما اذا افترضنا ‏حسن النية فهل عجزت اللغة العربية وعجزت عقول واقلام اليمنيين عن كتابة نصوص ‏واضحة ودقيقة.‏
من ناحية اخرى فسرعان ما تلبث أن تتبدد العبارات البراقة التي وردت في النص بعبارات ‏أخرى تعطي الولاية (المحافظة) حق منح عقود وادارة الموارد الطبيعية، ولا ندري ماذا ابقى ‏هذا النص للأقليم وللسلطة المركزية؟ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد أكد بعبارات عامة ‏على توزيع الثروة دون أن يحدد كيف وكم ولم ينس أن يشير أن تمنح السلطة المركزية نسبة ‏من العائد فالحق قد منح أصلاً للولاية وما تبقى للأقليم والمركز مجرد منحة وعطاء ولعلّها ‏مصاريف إدارية لموظفي السلطة المركزية التي عليها أن تكفل العيش الكريم لأبناء الشعب ‏ولا بأس ان يغطى كل ذلك بكلمات وعبارات مخادعة من مثل الشفافية والكفاءة والفاعلية ‏والاستدامة، ولم ينسى التأكيد على أن "الثروة من حق الشعب في اليمن"مرة أخرى الشعب في ‏اليمن!!، وأن يضع تعبيراً غامضاً بمراعاة حاجة الولايات بشكل خاص ولا احد يدري إلى أي ‏مدى ستكون هذه المراعاة الخاصة لبلد فقير يفتقر لأبسط الخدمات وهل ستبلغ هذه الحاجة حد ‏تخصيص كامل العائد للموارد لصالح المحافظة(الولاية)؟ باعتبار ان كل ولاية بأشد الحاجة ‏لأضعاف دخلها في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة، وإذا كان مقبولاً ان تكون عقود تنظيم ‏الخدمات المحلية من حق الولايات المنتجة مفهوماً فإن لفظ حصراً يدعو للتساؤل ماذا لو لم ‏تتوفر هذه الإمكانية محلياً؟.‏
وتضمن هذا المبدأ أن تدار الموارد الطبيعية بالتشارك بين الولاية والأقليم والمركز أما كيف ‏فلا يعلمه إلاّ الله ومتروك للاختلاف والنزاع المستقبلي، وللهيئة التي نص هذا المبدأ على ‏تشكيلها والذي نص على أن يمثل فيها جميع المستويات (الأقليمية، والولاية، والحكومة ‏الاتحادية) والتي لا نعلم كيف ستشكل؟ هل من الولايات التي فيها موارد طبيعية كالنفط والغاز ‏فقط؟ أم منها ومن باقي الولايات؟ هذا في مجال النفظ والغاز والامر كذلك في بقية الموارد ‏الطبيعية إنها صياغات غامضة مقصودة لتدويخ مكونات الدولة اليمنية ومستوياتها الفيدرالية ‏المقترحة، ومن غير الواضح كذلك كيف ستساعد هذه الهيئة الولايات والأقاليم في إدارة ‏الموارد الطبيعية بالقانون المطلوب أن يصاغ بالتشاور بين الولايات والأقاليم والمركز؟ وكم ‏سنحتاج من الوقت والجهد لأن يخرج هذا القانون التشاركي إلى حيز الوجود؟ وهل سيكون ‏هناك اتفاق حوله بين هذه المستويات؟ ولا يدري أحد ما هو مبرر بقاء سلطة المركز الاتحادي ‏إذا كانت مصممة لأن تكون مجرد طرف يتشاور مع بقية المستويات (الأقليم والولاية) ولا ما ‏الذي ينبغي عمله إذا لم يتم التوصل إلى توافق حول القانون بين الولاية والأقليم والمركز؟! إنه ‏فضاء مفتوح ملغوم.‏

‏9- «خلال الدورة الإنتخابية الأولى بعد تبني الدستور الاتحادي يمثل الجنوب بنسبة خمسين ‏في المائة من كافة الهياكل القيادية في الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية بما فيها الجيش ‏والأمن، التي يتم التعيين فيها بموجب قرارات يصدرها رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، ‏ويمثل الجنوب كذلك بنسبة خمسين في المائة في مجلس النواب، ويجب معالجة عدم المساواة ‏في الخدمة المدنية والقوات المسلحة والأمن على المستوى المركزي عبر قوانين ومؤسسات ‏وبما يضمن إلغاء التمييز وتكافؤ الفرص لجميع اليمنيين، ومن أجل معالجة تفاوت التمثيل في ‏التوظيف يكون للجنوبيين أولوية في شغل الوظائف الشاغرة والتأهيل والتدريب في الخدمة ‏المدنية والقوات المسلحة والأمن، ويجب أن تحترم التعيينات متطلبات الخدمة المدنية ‏والمتعلقة بالمهارات والمؤهلات، ولا يحق صرف أي موظف بشكل تعسفي».‏
هذا المبدأ نص على مساواة الجنوب بالشمال في التمثيل في الهيئات التنفيذية والتشريعية ‏والقضائية والجيش والأمن ومجلس النواب خلال الدورة الإنتخابية التي تلي اقرار الدستور ولم ‏يذكر ماذا بعد هذه الدورة وكيف سيكون التمثيل؟ وهنا كذلك تأكيد على تشطير البلاد وأن شكل ‏الدولة الجديد هو كيان يمثل دولتين لا دولة واحدة ووطن واحد.‏
والغريب أن إعطاء الأولوية للأخوة الجنوبيين وبالنسبة التمييزية تم تبريره انه لمعالجة ‏تفاوت التمثيل في التوظيف، فهل هناك دراسة اُجريت تثبت ان نسبة الموظفين من الجنوب ‏هي اقل من نسبتهم السكانية؟ ام ان المقصود هو تساوي الجنوب مع الشمال؟ إن صياغة ‏النص تشير بوضوح إلى ان المقصود به هو المساوة بين الشطرين، ويبدو ذلك جلياً من سياق ‏النص فقد ذكرعلى أنه لمعالجة تفاوت التمثيل فإن الأولوية في التوظيف الجديد وشغل ‏الوظائف الشاغرة وكذا التدريب هي للجنوبيين فالسياق يؤكد بوضوح أن تفاوت التمثيل يقصد ‏به تساوي الشمال بالجنوب دون النظر لحجم السكان في أي منهما وهذا تأسيس خبيث ‏للمواطنة غير المتساوية وسيكون مجال لتأسيس مظلوميه بين أبناء الشعب الواحد وإرساء ‏لخلافات وصراعات لن توفر المناخ لبناء وطن واحد مستقر مع الاشارة إلى انه عند اعادة ‏تحقيق الوحدة اليمنية كان هناك 69الف موظف في جهاز الدولة بالشمال مقابل 240 الف ‏موظف بجهاز الدولة في الجنوب رغم ان سكان الشمال 4 اضعاف سكان الجنوب ورغم ذلك ‏لم يعترض أي احد في اليمن على ذلك لان الجميع يمنيون وليس في خاطرهم مثل هذه ‏النعرات والمخاصمات، كان من الممكن ان يتم اتفاق سياسي على معالجة اية مظاهر خلل ‏بحق الاخوة المواطننين في الجنوب الا ان محل ذلك ماكان يجب ان يكون الدستور الذي ينظم ‏سلطات الدولة على مدى طويل شبه دائم.‏
وكان من الممكن أن يهون الأمر لو أن الوثيقة نصت على أنه لفترة انتخابية واحدة ونصت ‏على الغاء التمييز بعد هذه الفترة وأن الأمر سيلغى بعد ذلك إلاّ أن صياغة الفتنة إقتضت ترك ‏الأمر دون تحديد ولا تبيين واضح ليكون مجالاً للإختلاف والصراع ويؤكد ذلك ما نص عليه ‏بقية المبدأ «لما بعد الدورة الإنتخابية الأولى ينص الدستور الاتحادي على آليات تنفيذية ‏وقضائية وبرلمانية من أجل حماية المصالح الحيوية للجنوب قد تتضمن هذه الآليات حقوق ‏نقض أو تصويت خاصة حول قضايا تتعلق بالمصالح الحيوية للجنوب، وتمثيلاً خاصاً يقوم ‏على معادلة المساحة والسكان، وعدم إمكان اجراء تعديل في الدستور يخص الجنوب أو يغير ‏شكل الدولة إلاّ عبر ضمان موافقة أغلبية ممثلي الجنوب في مجلس النواب إضافة إلى ‏ترتيبات لتحقيق التشاركية في السلطة تحدد في الدستور الاتحادي».‏
إن هذا النص يؤكد على إبقاء الشرخ بين الشمال والجنوب مفتوحاً وغير قابل للردم تحت ‏ستار ما أسمي بالمصالح الحيوية للجنوب ولا أحد يدري ما هذه المصالح الحيوية التي خص ‏بها جزء من الوطن الواحد؟، وزاد الطين بلهّ بأن اشترط حقوق نقض اوتصويت خاصة وأبدية ‏لما اُسمي بالمصالح الحيوية للجنوب غير المحددة ولا المبينة ومنع أي تعديل في الدستور ‏يخص الجنوب إلاّ بموافقة أغلبية ممثليه أو بما أُسمي حقوق النقض الخاصة التي سيتضمنها ‏الدستور وذلك يعني انه حتى دون حصول اغلبية جنوبية يمكن تضمين حقوق نقض حتى دون ‏حاجة لإجراء تصويت للحصول على غالبية ممثلي الجنوب، ومنع كذلك أي تغيير في شكل ‏الدولة وهذا في منتهى الخطورة لأنه يشير بجلاء إلى أن الكيان الاتحادي الشكلي هو كيان بين ‏دولتين ويؤكد على ذلك ما اُسمي الترتيبات لضمان التشاركية في السلطة التي ستحدد في ‏الدستور الاتحادي، وصحيح أن هذا النص قد تضمن إشارة إلى تمثيل بحسب معادلة الأرض ‏والسكان إلاّ أنها إشارة عابرة ضاعت في خضم عبارات واشتراطات التمييز، كما ألغى هذا ‏النص وحرم على اليمنيين إمكانية أن يعدلوا دستورهم بما يتفق ومتغيرات الحياة وحاجاتها ‏اومصالح البلاد التي قد تتغير من وقت لآخر وخلد حالة التشطير بنصوص دستورية وفرض ‏حالة الوصاية الدولية على اليمن يجلعها أبديه وهذا أمر مؤسف في غاية الخطورة والأنكى ‏والأدهى والأمر أن يأتي نتاجاً لما أسمي ثورة شعبية ! فأي ثورة شعبية هذه التي تشرعن تقسيم ‏البلد وتؤبد هذا التقسيم والتمييز بين ابنائه وتحول دون تغيير خياراته المستقبلية وكان الحياة ‏سوف تتوقف وتتجمد عند الظروف الحالية.‏

‏10- «ينص الدستور الاتحادي على ضرورة تفعيل جميع حكومات ومؤسسات الدولة في ‏دولة اليمن الاتحادية مبدأ المساواة، عبر سن تشريعات واجراءت تتضمن خطوات فعلية ‏لتحقيق تمثيل النساء ولا تقل نسبته عن ثلاثين في المائة في الهياكل القيادية والهيئات المنتخبة ‏والخدمة المدنية».‏
فهذا المبدأ نص على أن يؤكد الدستور الاتحادي على تفعيل جميع الحكومات وفي ذلك تأكيد ‏لتعددية الحكومات من مستوى الولاية فالأقليم فالمركز والنص على المساواه هنا لا معنى له ‏بعد أن شبّعت الوثيقه بنصوص التمييز بين الشمال والجنوب والذي اضافه هذا المبدأ هو ‏التمييز للمرأة وهو نص متناقض فالمساواه لا تقتضي التمييز والاشتراط المسبق وكان يمكن ‏أن يكتفي بتشجيع المرأة أما إشتراط نسبة معينة لتهيئة الفرص امامها فهو اشتراط تمييزي ‏يتناقض مع مبدأ المساواة، والاغرب ان هذا الشرط لم يقتصر على الهياكل القيادية والهيئات ‏المنتخبة بل اضاف الخدمة المدنية ولا احد يعلم كيف سيتم تحقيق هذا التمثيل في الخدمة ‏المدنية التي تعاني من تضخم كبير في عدد موظفيها ويسعى البنك الدولي دوماً لتقليص عددهم ‏وهل سيتحقق ذلك بطرد جزء من الموظفين الرجال الحاليين؟ ام بقصر التوظيف على النساء ‏في المستقبل وتضخيم عدد موظفي الخدمة المدنية؟ ولا احد يعلم كيف سيتم تغطية ذلك مالياً ‏طالما و 90% من موازنة الدولة حالياً نفقات تشغيلية والفترة القادمة متخمة بالتزامات مطالب ‏وموجهات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الهائلة والحالمة ومستحيلة التنفيذ، ان ذلك لايهم ‏واضع الوثيقة وليكن بحسب تخطيطه وتصميمة مجال لصراع وخلاف وعجز مستقبلي لا يعلم ‏الا الله نتائجه.‏

‏11- «ينتمي جميع أبناء الشعب في اليمن، مهما كان موطنهم الأقليمي إلى جنسية وطنية ‏مشتركة –ولكل مواطن يمني من دون تمييز حق الإقامة والتملك والتجارة والعمل أو أي ‏مساع شخصية قانونية أخرى، في أي ولاية أو اقليم من الدولة الاتحادية».‏
فعبارة أيّا كان موطنهم الأقليمي هو تأكيد للأقليمية أكثر منه إشارة للوطنية والحقوق ‏المنصوص عليها التي جاءت على سبيل الحصر تثير من التساؤل أكثر مما تجيب عليه، فماذا ‏عن الحقوق السياسية كحق الترشح والانتخاب للمواطن اليمني في أي منطقة كانت في اليمن ؟ ‏وماذا عن حق التوظيف في أجهزة السلطات للولايات والأقاليم ؟ وماذا عن الحقوق المدنية ‏الأخرى؟؟ إنها صياغة ماكرة تفرق بين أبناء الوطن ولا تساوي بينهم وتحرمهم حقوقهم ولا ‏تعطيهم أو تضمنها لهم، إنها صياغة تضمن حق الإستثمار والتملك والعمل والتجارة وكأن ‏المواطن اليمني في إقليم خارج إقليمه جاء من دولة أخرى مجاورة أو غير مجاورة وتقتضي ‏حسن العلاقة السماح بحق التملك والإستثمار والعمل والتجارة التي تضمنها أو ستضمنها ‏مستقبلاً اتفاقية التجارة الحرة بين دول العالم قاطبةً.‏
ولم ينس واضع النص المساع الشخصية القانونية الأخرى ولا ندري كيف كان يمكن أن ‏تصاغ العبارة الأخيرة باللغة العربية لو لم تكن مترجمة عن السادة الأجانب الذين أعدوها خلف ‏الكواليس والتي يعجز جهابذة القانون ان يفسروا معناها ومع من تكون هذه المساع؟ ومن ‏الغريب كذلك ان لا يقول النص بالجنسية الواحدة لأبناء اليمن وإنما يقول بجنسية مشتركة ‏لابناء الشعب في اليمن فهل ستكون خليطاً ومشتركاً بين الجنسية اليمنية والجنسية الصومالية ‏لابناء الشعب في اليمن أو منها ومن جنسية أي جالية أخرى أم أنها صعوبة الترجمة؟!.‏

تحديد الأقاليم :-‏
‏«يشكل رئيس الجمهورية رئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل لجنة برئاسته بتفويض من ‏مؤتمر الحوار الوطني لتحديد عدد الأقاليم ويكون قرارها نافذاً، تدرس اللجنة خيار ستة أقاليم- ‏أربعة في الشمال وإثنان في الجنوب، وأي خيار ما بين هذين الخيارين يحقق التوافق».‏
فمؤتمر الحوار قد تلاشى هنا وتجسّد بالتفويض للفرد الممثل بالرئيس ومن ورائه وأمامه ‏جمال بن عمر المندوب السامي الدولي والتفويض لم يأت من الحوار وإنما عبر لجنة مصغرة ‏لم يصوت كامل أعضاءها وممثلي المكونات فيها، وكان يفترض وفقاً لقواعد مؤتمر الحوار ‏الشامل أن تعرض الوثيقة على الجلسة العامة لأعضاء المؤتمر وقبلها على فريق القضية ‏الجنوبية لتحصل على الإقرار أولاً ولكنها الكلفته التي اقتضت أن تسير الأمور باتجاه محدد ‏مسبقاً دون النظر لقواعد ولا أسس للحوار ولا اعتبار للديمقراطية ومقتضياتها، فإذا كانت أهم ‏وأخطر وثيقة للمؤتمر تتعلق بشكل الدولة وكيانها لا يتم فيها المناقشة والتصويت من المؤتمر ‏فأي معنى أو قيمة لهذا المؤتمر الذي شغل منذ البداية وحتى النهاية بقضايا روتينيه بديهية لا ‏تحتاج لحوار، وليس هذا فحسب فقد جرى كالعادة التأكيد على تقسيم شمال جنوب عبر تحديد ‏أن يكون هناك اقليمين في الجنوب وأربعة في الشمال كتاكيد ملح على ترسيخ تشطير البلاد ‏بين شمال وجنوب واستبعاد إمكانية تداخل مناطق الأقاليم لترسيخ التشطير.‏

‏* ترتيبات بناء الدولة :‏
‏«تبدأ مرحلة بناء دولة اليمن الاتحادية بتبني الدستور، وتتبع جدولاً زمنياً وتنتهي في فترة ‏يحددها الدستور ويتطلب الانتقال الكامل والفاعل إلى دولة اليمن الاتحادية الجديدة، وفق الرؤية ‏أعلاه، بناء القدرات في كل ولاية وإقليم وإنشاء مؤسسات جديدة وسن تشريعات وقوانين ‏إضافية إلى تبني إصلاحات تشمل الملف الحقوقي للجنوب وضمان التنفيذ الكامل للنقاط ‏العشرين والاحدى عشرة، وإنشاء صندوق إئتماني للجنوب بناءً عليه، يستوجب الإستثمار ‏وبذل جهود مستمرة لتوفير وتطوير الموارد البشرية والمالية اللازمة لحكومة مسؤولة تخدم ‏الأهداف المشار إليها بفاعلية وكفاءة، وتكون الأولوية لتحسين إمكانات كل ولاية واقليم ‏وتعزيز مسؤوليات مسؤوليها المنتخبين ونقل السلطات بشكل مناسب لتحقيق ذلك، ينص ‏الدستور على تأسيس هيئة لمراقبة التطبيق الكامل لهذه المرحلة، وتضع الهيئة خطة عمل لهذه ‏الغاية، وتعمل بشفافية، على أن يوفر لها تمويل وإمكانات وافية لتطبيق الآتي:‏
‏1- وضع جدول زمني لتطبيق ترتيبات بناء الدولة.‏
‏2- مراقبة تنفيذ المخرجات والجداول الزمنية والمعايير التي تتضمنها خطة العمل.‏
‏3- تقديم النصح للحكومة حول برنامج بناء القدرات ومراقبته.‏
‏4- تقديم توصيات إلى السلطات المعنية وفق الحاجة.‏
‏5- نشر تقارير علنية حول تقدم عملية التطبيق كل ستة أشهر على الأقل.‏
‏6- تحل الهيئة في نهاية هذه المرحلة إلاّ إذا نص الدستور خلاف ذلك.‏

أن مرحلة بناء الدولة وفق الرؤية السابقة سيتبنى الدستور تحديد فترتها ولا يعلم إلاّ الله كم ‏سيتناقش المتناقشون على هذه الفترة ؟ وهل سيمكن تحقيقها وفقاً للفترة التي سيحددها الدستور؟ ‏أم انها ستحتاج لسنين أو عقود؟، وليس هذا فحسب بل ان هذا النص تضمن تأكيد على تبني ‏اصلاحات تشمل الملف الحقوقي للجنوب كتأكيد على صيغة التقسيم شمال جنوب وانشاء ‏صندوق أئتماني وتنفيذ النقاط العشرين والعشر والتأكيد على ضمان التنفيذ الكامل لها وفق ‏جدول زمني يحدده الدستور أي ضمان ان يتم التنفيذ خلال مرحلة بناء الدولة أو بعبارة اخرى ‏الفترة الانتقالية الجديدة فماذا لو لم تتمكن الدولة من تحقيق ذلك في ظل ظروف اقتصادية ‏عصيبة، ومن ناحية اخرى من غير المعروف إن كان هناك دستور في العالم يحدد فترات ‏زمنية لتنفيذ خطط ومطالب ومشاريع لان الدستور ينظم سلطات الدولة وليس برنامجاً ‏حكومياً،وتضمن النص كذلك تشكيل هيئة ينص عليها في الدستور لمراقبة التطبيق الكامل ‏لهذه المرحلة يوفر لها تمويل وامكانات وافية وهي هيئة فوق سلطات الدولة جميعاً التنفيذية ‏والتشريعية والقضائية ولا ندري مالزوم استمرار وجود هذه السلطات إذا كانت ستكون مجرد ‏تكوينات تخضع لهذه الهيئة التي منحت سلطات فوق سلطات ممثلي الشعب ولو بنسبة التمثيل ‏التي نصت عليها الوثيقية 50% للجنوب و 50% للشمال؟، ولفهم أبعاد وخطورة صلاحيات ‏هذه الهيئة واهدافها علينا ان ندرك ان المندوب السامي الدولي وخبرائه سيكونون من وراء ‏ستار الهيئة لادارة عملية الصراع الذي ستنتجة الوثيقة فذلك اسهل وايسر من ادارة سلطات ‏الدولة المتعددة و يبدو ذلك خبيثاً من الفقرة التالية:‏

دور المجتمع الدولي :‏
‏«نطلب من المجتمع الدولي دعم تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والعملية الانتقالية في ‏اليمن خصوصاً مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية والإتحاد الأوروبي ‏والأمم المتحدة ومجموعة اصدقاء اليمن وباقي الدول والمنظمات الداعمة.‏
نطلب من أمين عام الأمم المتحدة مواصلة المساعي وفق قراري مجلس الأمن ‏‏2014،2051.‏
ونطلب من مجلس الأمن عبر الأمين العام دعم الجهود اليمنية لتطبيق مخرجات مؤتمر ‏الحوار الوطني الشامل ومراقبة تقدم العملية الانتقالية، خصوصاً تطبيق هذا الاتفاق، ونطلب ‏كذلك استمرار مساعدة الأمم المتحدة، بما فيها تنسيق جهود المجتمع الدولي لدعم بناء دولة ‏اليمن الاتحادية الجديدة.‏
نطلب من مجلس الأمن ومجلس التعاون لدول الخليج العربية تبني قرارات تدعم هذا ‏الاتفاق».‏
المخجل أن تختتم الوثيقة بتحويل مزيف ومزور لاعضاء لجنة الحوار الوطني الشامل من ‏متحاورين إلى مجرد مطلبين في مهرجان ومزاد الطلاب لفرض الوصاية التي لا مثيل لها في ‏العالم.‏

فقد نصت أول جمله على نطلب من المجتمع الدولي مواصلة دعمه لتنفيذ مخرجات الحوار ‏والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة مواصلة المساعي الحميدة وفق قراري مجلس الأمن، ‏‏2014، 2051 (أي بمعنى الإبقاء على مساعي وجهود المندوب السامي الدولي جمال بن ‏عمر المتخفي وراء تكوين الهيئة المشبوهة الهدف والدور). وشمل مهرجان الطلاّب دول ‏الإتحاد الأوربي والجامعة العربية وأصدقاء اليمن، والطلب من مجلس الأمن عبر الأمين العام ‏لدعم الجهود اليمنية لتطبيق مخرجات الحوار ومراقبة تقدم العملية الانتقالية خصوصاً تطبيق ‏هذا الاتفاق، والطلب من مجلس الأمن ومجلس التعاون تبني قرارات لدعم الاتفاق.‏

إنها صيغة مخجلة من الطِّلاّب والتوسل للوصاية الدولية والهيمنة الإستعمارية على بلادنا ‏ودولتنا وانه مهرجان فاضح للفرجة على اليمن وشعبها ولا أعلم من قبل عن ثورة وممثلي ‏شعب يطالبون باستمرار الوصاية الدولية على بلدهم وإبقاءها وإدامتها إلى مرحلة ما بعد ‏الانتخابات، لتظل هذه الوصاية هي المهيمنة على الاختيار الشعبي والمسار الديمقراطي في ‏اليمن حتى بعد الانتخابات الحرة، فمهام المراقبة والمتابعة والتقييم سيتبعها مهام التوجيه ‏والإقرار والإجبار بترهيب مجلس الأمن وتهديداته وعقوباته، فتباً لحوارٍ و لثورةٍ و ‏لديموقراطيةٍ هذه نتائجها التي لا تؤسس لحرية شعب واستقلاله، وتكرس الوصاية عليه، ‏وتعتبره قاصراً غير قادر على تبني وتنفيذ خياراته والتعبير عن إرادته ومصالحه حتى بعد ‏الانتخابات، وأية قيمة لمثل هذه الديمقراطية، ولو صدق السياسيون الماكرون المنهزمون ‏المساومون المكايدون مع أنفسهم أكثر لوفرو على أنفسهم، وتركوا للوصاية الدولية أن تختار ‏لهم خيارات أخرى لترجمة هذه الوصاية وهذا التقسيم دون حاجة لتنظيم انتخابات وتكوين ‏مجالس منتخبة، بدلاً عن أن تكون وصاية على اختيار شعبي وانتخابات ديمقراطية محكومة ‏بالسيطرة الأجنبية فذلك عار وشنار.‏

التزام رسمي:‏
‏«يعلن الموقعون أدناه إيمانهم وثقتهم الكاملين في أن هذا الاتفاق يتضمن تسوية عادلة ‏وانعكاسا دقيقاً لفهمنا المشترك، نعتقد أن هذا الاتفاق يصب في مصلحة الشعب اليمني، وعليه ‏تلزم احترام ودعم هذا الاتفاق بحسن نية ونظرة مستقبلية، بهدف بناء دولة اليمن الاتحادية ‏الديمقراطية الجديدة والحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها».‏
لم يفت هذه الوثيقة أن تؤكد باسم الموقعين عليها إقرارهم الاذعاني أنها وثيقة تسوية عادلة ‏لفهم مشترك يصب في مصلحة الشعب اليمني، حتى لا يقول قائل منهم أنه قد وقع عليها ‏مجبراً أو تحت تأثير غير طبيعي، فأكد هؤلاء على أنهم بعقولهم وأنهم فعلاً يرونها عادلة، ‏وحق لمهندس الوثيقة أن يختتم بهذا الإقرار لانها فعلاً غير معقولة وغير عادلة وغير بناءة ‏وليست في مصلحة البلاد والعباد ولا حول ولا قوة إلا بالله،ولا احد يعلم اي مجال قد ابقت هذه ‏الوثيقة لحسن النية الذي ذكره النص وهل بعد كل هذه الفخاخ ما يزال ثمة مجال لحسن نية ؟ ‏انها قمة السخرية والاستهزاء وحق لمن صاغها ان يسخر ويستهزئ.‏

خاتمة:‏
إن التأمل فيما تضمنته الوثيقة يستدعي التأمل فيما يجري في محيط بلادنا على مستوى ‏الوطن العربي باعتبار أن اليمن أحد أركان هذا الوطن الكبير بحكم موقعها الجغرافي وعددها ‏السكاني وموروثها ودورها التاريخي الحضاري.‏
إن قراءة ومقارنة بسيطة لما تضمنتها الوثيقة مع دستور بريمر الحاكم الأمريكي لمحتل ‏للعراق بعد احتلاله تثبت دون جلاء ودون ادّعاء أن المخرج واحد، فالعديد من النصوص التي ‏تضمنتها هذه الوثيقة تتشابه مع ما ورد في دستور بريمر إلا أنه وللأسف الشديد أن كثير من ‏النصوص التي تضمنتها الوثيقة اليمنية التي يراد أن تكون حاكمة لصياغة الدستور اليمني ‏المنتظر هي أسواء بكل تأكيد من دستور بريمر فيما يتعلق بالأقاليم وبدور السلطة المركزية ‏وبتوزيع وإدارة الثروة وبحقوق المواطنة المتساوية، وأدعو كل مهتم إلى قراءة دستور العراق ‏بعد الاحتلال ومقارنته بما تضمنته الوثيقة ليجد أوجه التشابه، وليجد كذلك أن بعض نصوص ‏الوثيقة هي أكثر سوءً وعواراً من دستور بريمر، ولعل ذلك قد جاء بفعل التغيرات المدمرة في ‏العامين الماضيين في الدول العربية في إطار المخطط الصهيوني الأمريكي لتدمير وتمزيق ‏هذه الدول وخلق صراعات مستعرة دائمة بين أبنائها وادعو كل يمني ان يتامل ماجرى و ‏يجري في العراق بعد اقرار دستور الاحتلال وكيف انتهى الامر إلى فوضى خلاقه وهيمنة ‏الطائفية والصراعات المدمرة؟ وكيف امكن لكردستان العراق ان تقوم بالتنقيب عن النفط ‏والتصدير بالتواطؤ مع الجار التركي له دون موافقة السلطة المركزية؟ وكيف عجزت السلطة ‏المركزية ان تنشر لواء من الجيش العراقي المركزي في منطقة اضطراب بمنع من حكومة ‏اقليم كردستان.‏

كما إني أدعو إخوتنا من الجنوب الذين يضللون عمداً بان الانفصال هو لحل معاناتهم ‏ومشاكلهم ان يتأملوا ما حدث في السودان فالانفصال لم يحل مشكلة ولم يوفر أمنا ولا ‏إستقراراً، فمنذ منذ لحظة اعلان الانفصال مايزال شمال السودان يعاني من حروب متعددة ‏على أكثر من جهة وولاية وها هو جنوب السودان ينغمس في صراع دائم وحرب ضروس ‏فكيف سيكون الأمر بجنوب وطننا الذي كان مقسماً قبل ثورة 14 أكتوبر إلى 27 سلطنة؟ إنها ‏أسئلة مشروعة ومطلوبة قبل ان يقع الفأس في الرأس ويتبخر الوهم وينجر الجنوب إلى واقع ‏مأساوي أسوأ مما كان في عهد الاستعمار والتشطير، وعلى الجميع ان يتأمل ما جرى وما ‏يجري في ليبيا التي أعلنت عدد من مناطقها تكوين أقاليمها الخاصة وتسعى لتصدير نفطها ‏بعيداً عن سلطة الدولة المركزية حتى قبل ان تعلن ليبيا دولة فيدرالية، وعلى الجميع أن ينظر ‏ إلى المشهد الذي يحدث في الوطن العربي كاملاً والذي لايخفى على كل ذي بصر وبصيرة ‏والذي يتبين منه بلا ادنى تشويش أو غموض إن البلدان العربية جميعها هدف حي للتدمير ‏والتمزيق والاحتراب والإبادة لافرق بين دولة واخرى الا باختيار عنوان الفتن التي تتناسب ‏معها ولا يوجد في هذا الاستهداف رابح وخاسر فالجميع خسران ومظلوم وعلى أيدي بعضهم ‏بعضا دون اعتبار لأي قومية أو مذهب أو ملة أو قبيلة أو جماعة أو حزب، وعلى الجميع أن ‏يتأمل بصدق ومسؤولية هل الفيدرالية في كل هذا المشهد العربي الدموي المرعب المتفكك ‏المتصارع خياراً مطمئناً ومأموناً.‏

إن كل الأحزاب الوطنية والشخصيات العامة الشريفة في هذا البلد مدعوة لأن تقرأ بوعي ‏وضمير مضامين هذه الوثيقة وما هدف أليه مهندسها من أبعاد خطيرة على مستقبل الوطن ‏اليمني كل الوطن شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وعلى الجميع أن يتساءلوا بصدق هل هذه ‏الوثيقة الموجهة والحاكمة لصياغة الدستور المستقبلي لليمن ثمرة ثورة كان المنتظر منها أن ‏تسهم في تصحيح المسار للبلد؟، أم أنها طبخة ومؤامرة لتمزيقه وتدميره، و أليس من الخطأ أن ‏نعالج أخطاء حكومات بالتأسيس لخطايا وجرائم سوف تدخل الوطن في مآسي لا يحمد ‏عقباها؟، وانه لمن المحزن أن هذه المآسي لم تعد من صنع حاكم أو فئة حاكمة بل أريد لها أن ‏تكون تعبيراً عن حالة توافق سياسي وشعبي ونتاج ثورة و حوار.‏

إن الجميع اليوم مدعوون أن يقفوا بمسؤولية وحرص وبأمانة أمام أنفسهم ويراجعوا الموقف ‏من هذه الوثيقة فان نتاجها سيكون حتماً هو صراع عنيف خطط له باتقان وستكون ثمرته ‏تمزيق الوطن وتفصيله إلى كيانين أو اكثر ولكن بعد فترة صراع وحروب وفتن تقضي على ‏ما تبقى من الجيش اليمني وتزرع الحقد والكراهية بين ابنائه حتى لا يفكر بعدها اي احد ‏ولايسمح له بالتفكير في الوحدة كخطيئة مدمرة لن تنسى،وهي بوضوح أهداف استعمارية ‏أمريكية بريطانية واقليمية لا تخفى على احد، وعلى كل القوى والشخصيات التي انساقت ‏لتمرير المشروع أن تتراجع عن موقفها وتعيد النظر فيه لأن هذه مسؤولية تاريخية تستدعي ‏موقفاً جاداً لا يكون تعبيراً عن مناكفات ومكايدات وانتقامات وأطماع صغيرة، ومخاوف مبالغ ‏فيها مما يسمى المجتمع الدولي لأن الوطن بعد الدستور المستند لهذه الوثيقة سيكون بكل تأكيد ‏أسوأ حالاً مما هو عليه حالياً وأسوأ من الانفصال بين شطرين.‏

إن على كل أبناء اليمن وفي المقدمة إخوتنا في المحافظات الجنوبية أن يعوا أن مهندس هذه ‏الوثيقة ومخرجها لا يريد لهم خيراً لأنه لا يريد خيراً لأحد في هذا الوطن، والكل مستهدف، ‏وسيكتوي بنار فتنتها، وما يحتاجه المواطن في اليمن في أي منطقة كانت هو العدالة ‏والإنصاف والأمن والاستقرار والمواطنة المتساوية، وأن الجميع مدعوون لوقفة حازمة ‏لمعالجة أية أخطاء حصلت في الماضي، ومعالجة كل المظالم دون استثناء وان نتوحد جميعاً ‏في ذلك، وتتولى الدولة بأجهزتها القيام بذلك دون إبطاء أو تأخير باعتبار ذلك من مهام الدولة ‏الأساسية، وتعبيراً عن إرادة شعبية جامعة، وبالإمكان تحقيق ذلك بقرارات رئاسية وعبر ‏الحكومة اذا ما صلحت النوايا وتوفرت الإرادة والعزيمة، وأن يتساءلوا بصدق هل كل ما ‏حصل في الجنوب بعد الوحدة كان مجرد خطأ وجرائم وان المسؤول عنها هو الشمال؟ أم أن ‏هناك انجازات بطول وعرض الجنوب وحسب امكانات البلد؟ وهل ان الأخطاء قد خص بها ‏الجنوب فقط ؟ وهل كان الجنوب قبل الوحدة على أحسن مايرام ؟،،

كما أن عليهم ان يتساءلوا ماذا لو اعقب كارثة 13 يناير في الجنوب دعوة لتمزيق الجنوب ‏كحل للصراع الدموي الذي حصل؟ وهل كل عاقل ووطني كان سيقبل ذلك؟ والحال كذلك فيما ‏جرى بالمناطق الوسطى قبل الوحدة، فلماذا انحصرت مقترحات معالجة الأخطاء كوسيلة للحل ‏التي حصلت في الجنوب بعد الوحدة وحصل أضعافها في الشمال على خيار تمزيق البلاد ‏وترسيخ المواطنة غير المتساوية ؟.‏

ولا أحد ينكر أن المظالم والأخطاء تنتشر في كل ربوع الوطن، ولا يمنع ذلك أن تكون ‏الأولوية في المعالجة للمحافظات الجنوبية طالما كانت النوايا هي لإصلاح وإزالة المظالم.‏
ومن الممكن أن يتحقق ذلك باتفاق سياسي وقرارات سياسية وإدارية كما اشرنا من قبل دون ‏الحاجة لتصميم دستوري يمزق البلاد ويؤسس للشقاق والاختلاف والمواطنة غير المتساوية.‏
إن الوحدة اليمنية هي أسمى أهداف الشعب اليمني والثورة اليمنية والحفاظ عليها هو بكل ‏تأكيد في مصلحة أبناء اليمن شمالاً وجنوباً ولكن إذا كانت فعلاً قد أصبحت مستحيلة وان ‏الانفصال قد أصبح هدفاً محتوماً بإجماع اخوتنا الجنوبيين وانا لا اعتقد ذلك مطلقاً، فما الحاجة ‏إلى أن يكون ذلك بعد خراب مالطا وصراعات وخلافات وكراهية وبعد ترسيخ مظالم جديدة ‏بين أبناء الشعب الواحد الوثيقة بنصوصها المفخخة ستقود حتماً اليها،انه سؤال مشروع فالحال ‏لم يعد يحتمل المكايدات والمزايدات والتنازلات والتعامي والتظليلات على حساب الوطن ‏ومستقبله، ومازال في الوقت متسع لإسقاط هذه الوثيقة وصياغة مستقبل اليمن بأيدي أبنائه ‏وإرادتهم الحرة ولغتهم العربية!.‏

زر الذهاب إلى الأعلى