في مفاجئة صادمة وبكلفته تجاوزت كل الأعراف والتقاليد في الحوار الذي انتهى إلى لا حوار والوفاق الذي انتهى إلى لا وفاق اعلن عن وثيقة حل القضية الجنوبية بطريقة قسرية املائية تجاوزت الاعراف الديمقراطية والقواعد الحوارية المعلنة فالمخرج الدولي لا يؤمن بشعارات الديمقراطية والحرية إلاّ كشعارات خادعة للمغفلين وكوسيلة لتمرير ما أمكن من مشاريع تستهدف وطننا و إلا فسيرمى عرض الحائط لأية مبادئ أو تقاليد ديمقراطية لفرض المشروع الاستخباري الدولي المعد و المخطط مسبقاً، وهالة التبرير والتمرير له جاهزة بغض النظر عن مؤتمر الحوار وموافقة الأطراف وارادة وتطلعات الشعب اليمني.
إن الوثيقة المسماة "وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية" هي في الحقيقة مشروع صيغ بعناية فائقة من قبل مراكز بحث استخبارية دولية وترجمت إلى اللغة العربية وهندست بطريقة دقيقة غامضة في غاية المكر والدهاء لم يكن أي طرف يمني يفكر فيه أو يخطر على باله.
والقيام بقراءة واعية ومجردة لمضامينها تكشف بما لا يدع مجالاً للشك وبجلاء ووضوح المصير الذي ينتظر الوطن اليمني والمعارك الطاحنة التي يجر اليها هذا الشعب الطيب الواحد الموحد.
فالوثيقة التي اعتبرها موقع التجمع اليمني للإصلاح أهم مخرجات الحوار الوطني الشامل لا علاقة لها بمؤتمر الحوار وجرى إعدادها خارج أطر المؤتمر ولم تعرض عليه ولم يتم التصويت عليها بطريقة سليمة بعيدة عن الضغوط فكيف تكون من مخرجاته، وللتعرف على مكامن الخطر التي احتوتها الوثيقة سوف نسلط الضوء عليها وما اكتنفها من عوار واحتوت عليه من ألغام كفيلة بتفجير الوطن والمجتمع اليمني إلى أشلاء تصارع بعضها بعضا وتحتكم في صراعها المدمر إلى الوصاية الدولية بطلب وبتفويض وتخويل من القوى السياسية اليمنية الموقعة على هذه الوثيقة الكارثية التي يبدو بوضوح من صياغتها أنها كتبت بلغة أجنبية وترجمت بعناية إلى اللغة العربية،وهذا يشير إلى أن هناك دوائر متمكنة قد صاغتها واعدتها بعناية فائقة ماكره ومخادعة لإدخال المجتمع اليمني في صراع دائم مفتوح على مختلف المستويات (المحافظات، الأقاليم، المركز).
كما يبدو شبهاً واضحاً بينها وبين دستور العراق الذي فرض في عهد الإحتلال الأمريكي وجاء بإشراف الحاكم العسكري الأمريكي برايمر، فهناك تشابه في صياغة بعض ما ورد في دستور العراق مع ما ورد في الوثيقة بل ان بعض بنودها اسوأ منه بكثير وسوف نعرض بإيجاز لأهم الملاحظات على الوثيقة فيما يلي:
أولاً: المقدمة :
- استهلت الوثيقة بالنص أنه «بناء على قرار مجلس الأمن 2014 والقرار2051 الذي يشير إلى أن عملية الانتقال تتطلب مشاركة وتعاون جميع الأطراف بما في ذلك الجماعات التي لم تكن طرفاً في مبادرة مجلس التعاون الخليجي والآلية التنفيذية واتفاقية نقل السلطة الموقع في الرياض في نوفمبر 2011م وعملاً باستخلاصات فريق عمل القضية الجنوبية التي تبنتها الجلسة العامة الثانية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل وبالنظام الداخلي لمؤتمر الحوار وبعد مناقشتنا جميع الرؤى والمقترحات توصلنا نحن المكونات السياسية والاجتماعية المشاركة في الحوار إلى هذه الوثيقة».
يلاحظ في هذا الاستهلال أنه حرص ومن أول كلمة وأول صدر على التأسيس لمرجعية قرارات مجلس الأمن قبل أن يشير لاتفاق الأطراف اليمنية ولذلك دلالته الهامة في تأكيد وترسيخ الوصاية والهيمنة الدولية، وكان يفترض أن تستهل الوثيقة فيما لو كانت الصياغة يمنية على أنها تعبير عن إجماع واتفاق مؤتمر الحوار الوطني الذي كان يفترض أن يقرها هو في جلسة عامة ويصوت عليها جميع المشاركين لتصبح حقاً وفعلاً مخرجاً للمؤتمر يمكن الحديث عنه، أما حالة الكلفتة التي انتهت إلى تفويض بن عمر ليحسم الوثيقة فلا علاقة لذلك بالمؤتمر وتوافقه واتفاق المشاركين فيه وإن وقعت بعض الأحزاب والأطراف اليمنية عليه في جلسة ليلية جانبية وإلاّ فما الحاجة لمؤتمر حوار إذا كنا سنرجع لممثلي بعض الأحزاب ليكونوا بديلاً عن مؤتمر الحوار ولماذا كل هذا الانفاق على المؤتمر والجعجعة الاعلامية التي صاحبته إذا كان مشروعاً أن يوقع ممثلو أحزاب نيابة عن اعضاء اللجنة المختارة وأية علاقة لذلك بالقواعد المنظمة لعملية الحوار التي تم تجاوزها في أخطر قضية تتصل بكيان الدولة ووجودها والتي تشترط موافقة 90% من المشاركين على أي قرار يتبناه المؤتمر.
- وتضمن الاستهلال النص على أن الوثيقة «تحقق أعلى قدر ممكن من التوافق وفيها نلتزم حل القضية الجنوبية حلاًّ عادلاً في إطار دولة موحدة على أساس اتحادي وديمقراطي جديد وفق مبادئ دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية، وذلك عبر وضع هيكل وعقد اجتماعي جديدين يرسيان وحدة الدولة الاتحادية الجديدة وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها».
وبعيداً عن الكلمات الرنانة والمعسولة عن الحق والقانون والمواطنة المتساوية فإن خطورة هذه الفقرة تكمن في أنها قد غضت الطرف عن الدولة الواحدة الموحدة القائمة لتهد وتلغي كيانها وتؤسس لكيان اتحادي وكأنه إتحاد جديد بين دولتين أو دول مكونة لهذا الإتحاد، اما مبادئ دولة الحق فلا يعلم احد ما هي؟ واما الاستناد إلى مرجعية استخلاص فريق القضية الجنوبية أو النظام الداخلي للمؤتمر فهو محض زيف فالقضية احيلت إلى لجنة الـ16دون ان تكون هناك استخلاصات للفريق، ولأن المندوب السامي قد شعر بعدم التوافق على هذه الوثيقة بين اعضاء لجنة 16وفريق القضية الجنوبية واحتمل ان لا يتم الاتفاق عليها في مؤتمر الحوار فقد استبدل تعبير توصلنا نحن اعضاء مؤتمر الحوار بتعبير توصلنا نحن المكونات السياسية والاجتماعية المشاركة في الحوار على اساس انه سيتم الزام قيادات الاحزاب بالتوقيع بغض النظر عن موافقة اعضاء مؤتمر الحوار وهذا ما حصل فعلاً قبل الضغط على ممثلي الناصري والاشتراكي والمؤتمر واستدراجهم للتوقيع باشتراطاتهم المتناقضة مع الوثيقة، كما ان النص قد اشتمل على تعبير غير سليم ولا دقيق وهو ذكر مرجعية المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية والاضافة اليها لعبارة "واتفاقية نقل السلطة" مع ان الجميع لا يعلم بوجود اتفاقية اسمها اتفاقية نقل السلطة ولا يوجد سوى المبادرة الخليجية التي تضمنت الاتفاق على تشكيل حكومة توافق وطني، وهذا التعبير جاء لترسيخ وجهة نظر المبعوث الدولي الخاصة تجاه احد طرفي المبادرة الخليجية كعصا تهديد باعتباره ليس شريكاً توافقياً وانه طرف خاسر مسلم للسلطة، وهي اشارة مقصودة للضغط والابتزاز والتهديد لإثنائه عن معارضة الوثيقة وما كان له ان يستخدمها لو التزم بمقتضيات الدبلوماسية والحصافة السياسية.
وواصل الاستهلال بالاعتراف «بالأخطاء المؤلمة والمظالم التي ارتكبت في الجنوب وأنه يتعين على الحكومة اليمنية معالجة هذه المظالم بما فيها التطبيق الكامل للنقاط العشرين والاحدى عشرة خلال فترة الانتقال إلى الدولة اليمنية الاتحادية وأن ذلك جزء من سعينا إلى بناء يمن اتحادي جديد يجب معالجة مظالم الماضي تحديداً من دون تأخير ووفق جدول زمني يحدد في اطار متابعة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل ويجب توفير التمويل لالتزامات جبر الضرر وضمان تنفيذ ذلك بشكل كامل وفق مبادئ العدالة الانتقالية ومن دون تمييز من أجل التأسيس لمستقبل يتجاوز جميع مظالم الماضي ويحقق المصالحة الوطنية».
مضيفاً «يجب الضمان للجنوب ألاّ عودَة إلى الماضي أو إلى اساءة استخدام السلطة والثروة، خصوصاً فيما يتعلق بالأمن والاستقرار والتنمية».
وفيما سبق يبدو بوضوح اعتبار أن الأخطاء والمظالم التي حصلت في الماضي ليست في حق الوطن اليمني كله وكأن ما حصل من أخطاء ومظالم لم تمس غير الجنوب فقط وكأن الشمال اليمني هو المسؤول عن هذه الأخطاء وليست أخطاء حكام وليس هذا فحسب بل يشير الاستهلال إلى تطبيق النقاط العشرين و الإحدى عشر ووفق مبدأ العدالة الانتقالية والتي لم يجر تحديدها وتوصيفها والاتفاق عليها وربط ذلك كله بالفترة الانتقالية ولا يدري أحد كيف ستتم المعالجة لهذه القضايا وما قد يجري من توسع في تحديدها وتفسيرها ومدى قدرات الدولة في مواجهة ما قد يجري اعتباره مظالم وأخطاء وماذا يمكن أن يحصل لو لم يتم ذلك في الفترة الانتقالية بالشكل الذي سيتم النقاش حوله وتحديده وماذا لو حدثت خلافات أو عدم قدرة للدولة المثقلة بالالتزامات على تلبية المطالب التي قد يكون مبالغاً فيها لأهداف سياسية صغيرة، وهل ذلك شرطاً لاستمرار الدولة الاتحادية أو مبرراً للعدول عنها، إنها عبارات مطاطة وضبابية مصاغه لتكون مجالاً للخلاف، ولم تشر الوثيقة إلى المظالم التي حصلت في الشمال والجنوب كنتاج لأخطاء الحكم وليس خطأ الشما ل أو الجنوب، ولماذا يعتبر وكأن الشمال هو المسؤول عن مظالم الجنوب إنه قمة المكر والخبث لتمزيق شعب واحد كل ما يأمله هو العدالة والمساواة بين كل أبنائه بطول وعرض اليمن.
إنها ألغام نائمة سيجري تفجيرها خلال الفترة الانتقالية الجديدة للحيلولة دون بناء دولة اتحادية جديدة لصالح مشاريع تفتيت تتستر تحت غطاء الوثيقة.
مع تأكيدنا على ضرورة إلغاء أية مظالم وقعت على أبناء الجنوب وأن ذلك حق لا ينبغي أن يرهن بالحوار ونتائجه وبشكل الدولة بل أنه معالجات مطلوبة كان ينبغي أن تتم من قبل الدولة دون انتظار لحوار أو غيره ولا ينص عليها في الدستور فأخطاء الحكم لم تقتصر على ما بعد الوحدة والكل يعلم حجم الجرائم والمذابح التي حصلت في الجنوب ولم تستدعي اعادة النظر في كيان الدولة آنذاك وتفتيته وتحميل منطقة جغرافية معينة مسؤولية هذه الأخطاء التي حصلت من الحكام، ويشار هنا ايضاً إلى ان المبالغة في الاشارة لمظالم الجنوب دون الاشارة إلى ما تحقق من ايجابيات بعد الوحدة هو نوع من خلق وترسيخ الشعور بالمظلومية المبالغ فيها وتحميل الدولة اوزار هذا الظلم بحق الجنوب دون غيره من المناطق وكأن الوحدة التي اعيد تحقيقها عام 90م احتلالاً تم بالقوة من قبل الشمال للجنوب وليس باتفاق سياسي بين الشطرين وبدستور مستفتى عليه من قبل الشعب اليمني بأجمعه شمالاً وجنوباً،اما ما حصل ويحصل من ظلم وتهميش للمناطق الاخرى من اليمن فلا مجال للحديث عنه أو الاشارة اليه انطلاقاً من فكرة ان الشمال هو الذي يحكم وبالتالي فاية اخطاء فيه من مسؤوليته وهي فكرة غير صحيحة وغير وطنية وغير منصفة ولا عادلة ولا بريئة.
ثانياً : المبادئ :
1- «يصاغ دستور جديد يقضي أن الإرادة الشعبية والتزام أعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان أساس سلطة وشرعية الدولة الاتحادية على جميع المستويات وفق ما تقتضيه الديمقراطية التمثيلية والتشاركية والتداولية».
وهنا يشار إلى أن النص ربط وجود كيان الدولة في حد ذاتها كدولة اتحادية بشروط قد تكون براقة كالإرادة الشعبية وعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان لكنها اشتراطات تهدد كيان ووجود الدولة ونحن نعرف أن الغرب الاستعماري كثيراً ما يستخدم شعار حقوق الإنسان للهيمنة والسيطرة على البلدان وتوجيه سياساتها واحتلالها.
وكان من المفترض أن يكون الربط بين هذه المعايير وبين شرعية الحكم القائم وليس مع شرعية الدولة الاتحادية ذاتها، والعجيب انه لم يستخدم عبارة المعايير الدولية لحقوق الانسان بل نص على ان تكون اعلى المعايير الدولية هي اساس سلطة وشرعية الدولة الاتحادية وكأن اليمن بلد من اعظم البلدان المتقدمة والعريقة في الديمقراطية التي تستطيع حكومتها ان تلتزم بأعلى المعايير الدولية لحقوق الانسان التي لا اعتقد انها قد وجدت على الارض منذ سيدنا آدم ولن توجد إلى ماشاء الله وليس بلداً فقيراً متخلفاً مازال يعاني من مصائب ومشاكل غاية في الضخامة تنؤ عن حملها اعظم البلدان،والأخطر ان الالتزام بأعلى المعايير قد جُعل شرطاً اساسسياً لشرعية الدولة الاتحادية نفسها وليس شرعية حكومة قابلة للتغيير بل بلداً قابل للتفكيك اذا لم تتحقق أعلى المعايير.
إن أي خطأ قد يحصل أو دعاية أو شعار في بلد متخم بالصراعات والمشاكل ومثقل بالاحتياجات والمطالب قد يستغل دولياً سيعني أن الوطن نفسه وليس الحكم في مهب الريح ولا اعتقد أن دولة في العالم تقبل أن يكون كيانها ووجودها كدولة ووطن مرتبط بأية تشرطات وخاضع لأي أخطاء أو تجاوزات لحكام، أو مرتبط بالتزام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ولم يقتصر هذا الربط على ذلك بل أنه أضاف الديمقراطية التمثيلية والتشاركية ويقصد بذلك طبعاً استمرار التمثيل غير المتساو لشطري الوطن اليمني في السلطات التنفيذية والتشريعية والقوات المسلحة والأمن بما يعني ذلك من تأسيس وادامة للمواطنة غير المتساوية ولا نعلم دولة في العالم تفرق بين مواطنيها في التصويت والتمثيل في سلطاتها.
2- «الشعب اليمني حر في تقرير مكانته السياسية وحر في السعي إلى تحقيق نموه الاقتصادي والإجتماعي والثقافي عبر مؤسسات الحكم على كل مستوى وفق ما ينص عليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية اللذان وافق اليمن وصادق عليها».
- ومن غير المعلوم ماهو المقصود بأن الشعب اليمني حر في تقرير مكانته السياسية؟ وماذا تعني المكانة هنا؟ ولماذا التاكيد على حريته في تحقيق نموه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي عبر مؤسسات الحكم على كل مستوى وربط ذلك بالعهود الدولية بعد ذكر مؤسسات الحكم على كل مستوى؟ و ما الحاجة لذكر المستويات هنا ولا اعتقد ان يكون واضع هذا النص يمني أو جرى حوار حوله بين يمنيين عند إعداده فكلمة انه حر في اختيار مكانته وكأنه في مواجهة استعمار وتسلط خارجي فمن يمنع داخلياً ان يكون هذا الشعب حر في تحقيق نموه الاقتصادي والاجتماعي؟ ولماذا الربط هنا بالعهدين الدوليين وما لزومه؟.
- ربط المبدأ الثاني حرية الشعب ككلام معسول بالعهود الدولية معناه أن حرية الشعب اليمني ليست حقاً مستقلاً قائماً بذاته ولكنها خاضعة لصكوك دولية قد تحمل الكثير من المخاطر وفي مقدمة ذلك ما يسمى بحق تقرير المصير الذي يمكن له أن يستغل لتهديد وجود الدولة في أي وقت ولحظة.
ومن الواضح أن هذه الصياغة لا علاقة لها مطلقاً بأطراف الحوار اليمني وأن مصدرها هو الطرف الدولي الذي أصاغها وأعدّها وفرضها.
3- المبدأ الثالث «تناط بكل مستوى من مستويات الحكم السلطات والمهام والمسؤوليات بشكل حصري أو تشاركي لخدمة المواطنين بالطريقة الأفضل والأقرب لكل مستوى من مستويات الحكم، سلطات وموارد كافية لأداء مهامه بفاعليه، ويتحمل حصة عادلة من المسؤوليات المشتركة».
وهي عبارات فضفاضة صعبة التحديد والتعيين والتفسير، كما أن الموارد الكافية التي أشار إليها المبدأ لا يعلم أحد كيف يتم توفيرها؟ ولا من أين؟ ولا ما هو معنى موارد كافية لكل سلطة؟ وكيف تقدر هذه الموارد لكل مستوى إنها عبارات مطاطة تظل مجال خلاف ونقاش وتفاوض وموضوعة بعناية ليظل الخلاف حالة دائمة بين مستويات الدولة التي لا تملك خبره في هذه القضايا وبالتالي يظل الطرف الخارجي هو الحكم وهو الأقوى وفقاً لأغراضه وأهدافه.
4- «يحدد الدستور في الدولة الاتحادية توزيع السلطات التنفيذية والقضائية والإدارية لمستويات الحكم الأخرى في نطاق مسؤولياتها الحصرية إلاّ في ظروف استثنائية ينص عليها الدستور والقانون، بهدف ضمان الأمن الجماعي والمعايير المشتركة الرئيسة أو لحماية سلطة أقليمية من تدخل سلطة أخرى».
فهذا النص يعطي كل مستوى من مستويات الحكم سلطات قضائية بمعنى أنه سيكون لدينا 22 سلطة قضائية على مستوى المحافظات (الولايات) ثم سلطات قضائية على مستوى الأقاليم، ثم سلطة قضائية مركزية ولا يعلم إلاّ الله كم من الخبراء والقوانين والسنين تكفي لاعداد هذه القوانين وتجنب وجود تناقضات وتداخلات بينها، فنحن منذ الثورة و إلى اليوم وعلى مدى 50 عام عجزنا عن تطبيق قوانين دولة بسيطة فكيف سنستطيع بسهولة تطبيق قوانين معقدة على مستويات ثلاثة.
كما أن النص مصاغ كأنه ينظم العلاقة بين تجمع مجموعة من الدول بهدف ضمان الأمن الجماعي والمعايير المشتركة الرئيسية أو لحماية سلطة إقليمية من سلطة أخرى، فكان هذا الاتحاد عبارة عن كيان لمجموعة من الدول بعدد المحافظات (الولايات) والأقاليم، وقد اختتم النص "بحماية الدستور لسلطة اقليمية من تدخل سلطة اخرى" ولم يقل سلطة اقليمية اخرى فهل يقصد بذلك حمايتها من السلطة الاتحادية أم انها طبيعة الترجمة الحرفية.
5- «تكون السلطات غير المسندة إلى السلطة الاتحادية من صلاحية مستويات أخرى من الحكم وفق ما ينص عليه الدستور الاتحادي وتفصل الهيئة القضائية المختصة، التي ينص عليها الدستور الاتحادي في أي تنازع حول اختصاصات الحكومة المركزية والأقاليم والولايات».
وهذا النص أعطى مستويات الحكم على مستوى الولايات والأقاليم السلطات التي لم تسند وينص عليها للسلطة الاتحادية، وأطلق هذا الحق وهذا النص للمستويات الأدنى الصلاحيات التي لم تحدد وكان المفروض أن يكون العكس هو الصحيح بأن أي سلطات لم تسند للمستويات الأخرى (الولايات والأقاليم) فإنها تكون من صلاحيات السلطة المركزية.
6- «يكون لكل إقليم دور قيادي في مجال تنميته الإقتصادية الأقيلمية، ويضمن النظام الاتحادي مستوى مقبولاً لحياة كريمة لجميع أبناء الشعب وتوزيعاً عادلاً للثروة الوطنية».
ولم يحدد هذا المبدأ بعباراته العامة كيف يكون الدور القيادي للأقليم ولا كيف يضمن النظام الاتحادي المستوى المقبول من الحياة الكريمة لجميع أبناء الشعب خصوصاً وأنه في المبدأ الثامن قد منح الولايات «المحافظات» عقود الاستكشاف والتطوير للموارد الطبيعية وإدارتها وجرد السلطة المركزية من حق المنح للعقود والإدارة لهذه الموارد،انه مجال لنزاع بين الولايات والاقاليم وبينهما وبين السلطة الاتحادية.
7-« يتمتع كل مستوى من مستويات الحكم، المركز، والأقليم والولاية بسلطة تنفيذية وتشريعية وإدارية ومالية مستقلة يحددها الدستور بما فيها سلطة مناسبة لجباية الضرائب».
وهذا تأكيد لما سبق وأن أشرنا إليه في فقرة سابقة من جعل التشريع والقضاءعلى مختلف المستويات (ولاية – أقليم- مركز) وما سيتبع ذلك من تعقيدات وتداخلات وإزدواجية، فإذا كنا في ظل السلطة المركزية لم نتمكن من ترجمة القوانين الواضحة على أرض الواقع لاندري كيف سنتمكن من اعداد قوانين على هذه المستويات الثلاثة ولا كيف نمنع عنها التضارب والاختلاف ولا كيف سنتمكن من تطبيقها وترجمتها على أرض الواقع، إنها متاهة مقصودة تؤسس لفشل هذا النظام وإعطاء الفرصة للمشاريع المخطط لها لأثارة النزعات والصراعات على مختلف المناطق اليمنية لتمرير مشروع التمزيق الذي جرى الاعداد المحكم له ليكون نتيجة حتمية لهذا الكيان الاتحادي الهش.
ولا ندري مع هذه الصلاحيات الممنوحة للولايات المحافظات ما هي الحاجة للأقاليم، وألم يكن من الأفضل منح المحافظات صلاحيات واسعة في ظل الدولة الواحدة البسيطة، أم أنه لزوم التعقيد والتركيب، ولا ندري كذلك لماذا تم اغفال مثل هذا الخيار واستبعاده من النقاش ورغم انهم قالوا ان الحوار سقفه مفتوح الا انه في القضايا المصيرية فتح المجال لمزادات التمزيق واقفل مناقشة اصلاح الدولة في ظل نموذج يحافظ على تماسكها وكيانها إنها أسئلة في غاية الأهمية الإجابة عنها قد تكشف ما رواء الستار وما خلف الأكمة.
8- «الموارد الطبيعية ملك الشعب في اليمن، تكون إدارة وتنمية الموارد الطبيعية منها النفظ والغاز وبما فيها منح عقود الاستكشاف والتطوير من مسؤولية السلطات في الولايات المنتجة بالتشارك مع السلطات في الأقليم والسلطة الاتحادية وفق ما ينص عليه قانون اتحادي، وبموجب القانون نفسه تكون عقود تنظيم الخدمات المحلية من مسؤولية السلطات في الولايات المنتجة حصراً، وتراعى في كل ما سبق المصلحة الوطنية العليا لضمان إدارة الموارد الطبيعية بشفافية وكفاءة وفاعلية واستدامه وبموجب القانون نفسه تؤسس هئية وطنية مستقلة تضم جميع السلطات المعنية على مستوى الإقليم والولاية والحكومة الاتحادية مهمتها تطوير السياسات العامة وتمكين الولايات والأقاليم المنتجة بإدارة الموارد الطبيعية بكفاءة يحدد قانون اتحادي يصاغ بالتشاور مع الأقاليم والولايات معايير عادلة لتوزيع عائدات الموارد الطبيعية بما فيها النفظ والغاز، بطريقة شفافة وعادلة لجميع أبناء الشعب في اليمن، مع مراعاة حاجات الولايات المنتجة بشكل خاص وتخصيص نسبة من العائدات للحكومة الاتحادية».
وهذا المبدأ يتضمن من العبارات الغامضة والفضفاضة والملغمة ما لا يعلم إلاّ الله وحده كيف يمكن تفسيرها وترجمتها إلى دستور وقوانين و تطبيقات، فكما العادة في هذه الوثيقة يستهل النص بعبارة اغرائية بحق الشعب للثروة ونظراً لان النص مترجم فانه لم يقل بحق الشعب اليمني في الثروة بل قال بحق الشعب في اليمن وفي ذلك من الغرابة ما يثير التساؤل فهل سيتم جلب سكان مستوطنين إلى اليمن وتطلب ذلك ان يشملهم النص في حق تملك الثروة لأن الشعب في اليمني عبارة تشمل أي سكان في اليمن ام انه يستهدف شمولية الاخوه اللاجئين الصوماليين والأفارقة في اليمن الذين وصل عددهم إلى ما يقارب المليون، اما اذا افترضنا حسن النية فهل عجزت اللغة العربية وعجزت عقول واقلام اليمنيين عن كتابة نصوص واضحة ودقيقة.
من ناحية اخرى فسرعان ما تلبث أن تتبدد العبارات البراقة التي وردت في النص بعبارات أخرى تعطي الولاية (المحافظة) حق منح عقود وادارة الموارد الطبيعية، ولا ندري ماذا ابقى هذا النص للأقليم وللسلطة المركزية؟ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد أكد بعبارات عامة على توزيع الثروة دون أن يحدد كيف وكم ولم ينس أن يشير أن تمنح السلطة المركزية نسبة من العائد فالحق قد منح أصلاً للولاية وما تبقى للأقليم والمركز مجرد منحة وعطاء ولعلّها مصاريف إدارية لموظفي السلطة المركزية التي عليها أن تكفل العيش الكريم لأبناء الشعب ولا بأس ان يغطى كل ذلك بكلمات وعبارات مخادعة من مثل الشفافية والكفاءة والفاعلية والاستدامة، ولم ينسى التأكيد على أن "الثروة من حق الشعب في اليمن"مرة أخرى الشعب في اليمن!!، وأن يضع تعبيراً غامضاً بمراعاة حاجة الولايات بشكل خاص ولا احد يدري إلى أي مدى ستكون هذه المراعاة الخاصة لبلد فقير يفتقر لأبسط الخدمات وهل ستبلغ هذه الحاجة حد تخصيص كامل العائد للموارد لصالح المحافظة(الولاية)؟ باعتبار ان كل ولاية بأشد الحاجة لأضعاف دخلها في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة، وإذا كان مقبولاً ان تكون عقود تنظيم الخدمات المحلية من حق الولايات المنتجة مفهوماً فإن لفظ حصراً يدعو للتساؤل ماذا لو لم تتوفر هذه الإمكانية محلياً؟.
وتضمن هذا المبدأ أن تدار الموارد الطبيعية بالتشارك بين الولاية والأقليم والمركز أما كيف فلا يعلمه إلاّ الله ومتروك للاختلاف والنزاع المستقبلي، وللهيئة التي نص هذا المبدأ على تشكيلها والذي نص على أن يمثل فيها جميع المستويات (الأقليمية، والولاية، والحكومة الاتحادية) والتي لا نعلم كيف ستشكل؟ هل من الولايات التي فيها موارد طبيعية كالنفط والغاز فقط؟ أم منها ومن باقي الولايات؟ هذا في مجال النفظ والغاز والامر كذلك في بقية الموارد الطبيعية إنها صياغات غامضة مقصودة لتدويخ مكونات الدولة اليمنية ومستوياتها الفيدرالية المقترحة، ومن غير الواضح كذلك كيف ستساعد هذه الهيئة الولايات والأقاليم في إدارة الموارد الطبيعية بالقانون المطلوب أن يصاغ بالتشاور بين الولايات والأقاليم والمركز؟ وكم سنحتاج من الوقت والجهد لأن يخرج هذا القانون التشاركي إلى حيز الوجود؟ وهل سيكون هناك اتفاق حوله بين هذه المستويات؟ ولا يدري أحد ما هو مبرر بقاء سلطة المركز الاتحادي إذا كانت مصممة لأن تكون مجرد طرف يتشاور مع بقية المستويات (الأقليم والولاية) ولا ما الذي ينبغي عمله إذا لم يتم التوصل إلى توافق حول القانون بين الولاية والأقليم والمركز؟! إنه فضاء مفتوح ملغوم.
9- «خلال الدورة الإنتخابية الأولى بعد تبني الدستور الاتحادي يمثل الجنوب بنسبة خمسين في المائة من كافة الهياكل القيادية في الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية بما فيها الجيش والأمن، التي يتم التعيين فيها بموجب قرارات يصدرها رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، ويمثل الجنوب كذلك بنسبة خمسين في المائة في مجلس النواب، ويجب معالجة عدم المساواة في الخدمة المدنية والقوات المسلحة والأمن على المستوى المركزي عبر قوانين ومؤسسات وبما يضمن إلغاء التمييز وتكافؤ الفرص لجميع اليمنيين، ومن أجل معالجة تفاوت التمثيل في التوظيف يكون للجنوبيين أولوية في شغل الوظائف الشاغرة والتأهيل والتدريب في الخدمة المدنية والقوات المسلحة والأمن، ويجب أن تحترم التعيينات متطلبات الخدمة المدنية والمتعلقة بالمهارات والمؤهلات، ولا يحق صرف أي موظف بشكل تعسفي».
هذا المبدأ نص على مساواة الجنوب بالشمال في التمثيل في الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية والجيش والأمن ومجلس النواب خلال الدورة الإنتخابية التي تلي اقرار الدستور ولم يذكر ماذا بعد هذه الدورة وكيف سيكون التمثيل؟ وهنا كذلك تأكيد على تشطير البلاد وأن شكل الدولة الجديد هو كيان يمثل دولتين لا دولة واحدة ووطن واحد.
والغريب أن إعطاء الأولوية للأخوة الجنوبيين وبالنسبة التمييزية تم تبريره انه لمعالجة تفاوت التمثيل في التوظيف، فهل هناك دراسة اُجريت تثبت ان نسبة الموظفين من الجنوب هي اقل من نسبتهم السكانية؟ ام ان المقصود هو تساوي الجنوب مع الشمال؟ إن صياغة النص تشير بوضوح إلى ان المقصود به هو المساوة بين الشطرين، ويبدو ذلك جلياً من سياق النص فقد ذكرعلى أنه لمعالجة تفاوت التمثيل فإن الأولوية في التوظيف الجديد وشغل الوظائف الشاغرة وكذا التدريب هي للجنوبيين فالسياق يؤكد بوضوح أن تفاوت التمثيل يقصد به تساوي الشمال بالجنوب دون النظر لحجم السكان في أي منهما وهذا تأسيس خبيث للمواطنة غير المتساوية وسيكون مجال لتأسيس مظلوميه بين أبناء الشعب الواحد وإرساء لخلافات وصراعات لن توفر المناخ لبناء وطن واحد مستقر مع الاشارة إلى انه عند اعادة تحقيق الوحدة اليمنية كان هناك 69الف موظف في جهاز الدولة بالشمال مقابل 240 الف موظف بجهاز الدولة في الجنوب رغم ان سكان الشمال 4 اضعاف سكان الجنوب ورغم ذلك لم يعترض أي احد في اليمن على ذلك لان الجميع يمنيون وليس في خاطرهم مثل هذه النعرات والمخاصمات، كان من الممكن ان يتم اتفاق سياسي على معالجة اية مظاهر خلل بحق الاخوة المواطننين في الجنوب الا ان محل ذلك ماكان يجب ان يكون الدستور الذي ينظم سلطات الدولة على مدى طويل شبه دائم.
وكان من الممكن أن يهون الأمر لو أن الوثيقة نصت على أنه لفترة انتخابية واحدة ونصت على الغاء التمييز بعد هذه الفترة وأن الأمر سيلغى بعد ذلك إلاّ أن صياغة الفتنة إقتضت ترك الأمر دون تحديد ولا تبيين واضح ليكون مجالاً للإختلاف والصراع ويؤكد ذلك ما نص عليه بقية المبدأ «لما بعد الدورة الإنتخابية الأولى ينص الدستور الاتحادي على آليات تنفيذية وقضائية وبرلمانية من أجل حماية المصالح الحيوية للجنوب قد تتضمن هذه الآليات حقوق نقض أو تصويت خاصة حول قضايا تتعلق بالمصالح الحيوية للجنوب، وتمثيلاً خاصاً يقوم على معادلة المساحة والسكان، وعدم إمكان اجراء تعديل في الدستور يخص الجنوب أو يغير شكل الدولة إلاّ عبر ضمان موافقة أغلبية ممثلي الجنوب في مجلس النواب إضافة إلى ترتيبات لتحقيق التشاركية في السلطة تحدد في الدستور الاتحادي».
إن هذا النص يؤكد على إبقاء الشرخ بين الشمال والجنوب مفتوحاً وغير قابل للردم تحت ستار ما أسمي بالمصالح الحيوية للجنوب ولا أحد يدري ما هذه المصالح الحيوية التي خص بها جزء من الوطن الواحد؟، وزاد الطين بلهّ بأن اشترط حقوق نقض اوتصويت خاصة وأبدية لما اُسمي بالمصالح الحيوية للجنوب غير المحددة ولا المبينة ومنع أي تعديل في الدستور يخص الجنوب إلاّ بموافقة أغلبية ممثليه أو بما أُسمي حقوق النقض الخاصة التي سيتضمنها الدستور وذلك يعني انه حتى دون حصول اغلبية جنوبية يمكن تضمين حقوق نقض حتى دون حاجة لإجراء تصويت للحصول على غالبية ممثلي الجنوب، ومنع كذلك أي تغيير في شكل الدولة وهذا في منتهى الخطورة لأنه يشير بجلاء إلى أن الكيان الاتحادي الشكلي هو كيان بين دولتين ويؤكد على ذلك ما اُسمي الترتيبات لضمان التشاركية في السلطة التي ستحدد في الدستور الاتحادي، وصحيح أن هذا النص قد تضمن إشارة إلى تمثيل بحسب معادلة الأرض والسكان إلاّ أنها إشارة عابرة ضاعت في خضم عبارات واشتراطات التمييز، كما ألغى هذا النص وحرم على اليمنيين إمكانية أن يعدلوا دستورهم بما يتفق ومتغيرات الحياة وحاجاتها اومصالح البلاد التي قد تتغير من وقت لآخر وخلد حالة التشطير بنصوص دستورية وفرض حالة الوصاية الدولية على اليمن يجلعها أبديه وهذا أمر مؤسف في غاية الخطورة والأنكى والأدهى والأمر أن يأتي نتاجاً لما أسمي ثورة شعبية ! فأي ثورة شعبية هذه التي تشرعن تقسيم البلد وتؤبد هذا التقسيم والتمييز بين ابنائه وتحول دون تغيير خياراته المستقبلية وكان الحياة سوف تتوقف وتتجمد عند الظروف الحالية.
10- «ينص الدستور الاتحادي على ضرورة تفعيل جميع حكومات ومؤسسات الدولة في دولة اليمن الاتحادية مبدأ المساواة، عبر سن تشريعات واجراءت تتضمن خطوات فعلية لتحقيق تمثيل النساء ولا تقل نسبته عن ثلاثين في المائة في الهياكل القيادية والهيئات المنتخبة والخدمة المدنية».
فهذا المبدأ نص على أن يؤكد الدستور الاتحادي على تفعيل جميع الحكومات وفي ذلك تأكيد لتعددية الحكومات من مستوى الولاية فالأقليم فالمركز والنص على المساواه هنا لا معنى له بعد أن شبّعت الوثيقه بنصوص التمييز بين الشمال والجنوب والذي اضافه هذا المبدأ هو التمييز للمرأة وهو نص متناقض فالمساواه لا تقتضي التمييز والاشتراط المسبق وكان يمكن أن يكتفي بتشجيع المرأة أما إشتراط نسبة معينة لتهيئة الفرص امامها فهو اشتراط تمييزي يتناقض مع مبدأ المساواة، والاغرب ان هذا الشرط لم يقتصر على الهياكل القيادية والهيئات المنتخبة بل اضاف الخدمة المدنية ولا احد يعلم كيف سيتم تحقيق هذا التمثيل في الخدمة المدنية التي تعاني من تضخم كبير في عدد موظفيها ويسعى البنك الدولي دوماً لتقليص عددهم وهل سيتحقق ذلك بطرد جزء من الموظفين الرجال الحاليين؟ ام بقصر التوظيف على النساء في المستقبل وتضخيم عدد موظفي الخدمة المدنية؟ ولا احد يعلم كيف سيتم تغطية ذلك مالياً طالما و 90% من موازنة الدولة حالياً نفقات تشغيلية والفترة القادمة متخمة بالتزامات مطالب وموجهات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الهائلة والحالمة ومستحيلة التنفيذ، ان ذلك لايهم واضع الوثيقة وليكن بحسب تخطيطه وتصميمة مجال لصراع وخلاف وعجز مستقبلي لا يعلم الا الله نتائجه.
11- «ينتمي جميع أبناء الشعب في اليمن، مهما كان موطنهم الأقليمي إلى جنسية وطنية مشتركة –ولكل مواطن يمني من دون تمييز حق الإقامة والتملك والتجارة والعمل أو أي مساع شخصية قانونية أخرى، في أي ولاية أو اقليم من الدولة الاتحادية».
فعبارة أيّا كان موطنهم الأقليمي هو تأكيد للأقليمية أكثر منه إشارة للوطنية والحقوق المنصوص عليها التي جاءت على سبيل الحصر تثير من التساؤل أكثر مما تجيب عليه، فماذا عن الحقوق السياسية كحق الترشح والانتخاب للمواطن اليمني في أي منطقة كانت في اليمن ؟ وماذا عن حق التوظيف في أجهزة السلطات للولايات والأقاليم ؟ وماذا عن الحقوق المدنية الأخرى؟؟ إنها صياغة ماكرة تفرق بين أبناء الوطن ولا تساوي بينهم وتحرمهم حقوقهم ولا تعطيهم أو تضمنها لهم، إنها صياغة تضمن حق الإستثمار والتملك والعمل والتجارة وكأن المواطن اليمني في إقليم خارج إقليمه جاء من دولة أخرى مجاورة أو غير مجاورة وتقتضي حسن العلاقة السماح بحق التملك والإستثمار والعمل والتجارة التي تضمنها أو ستضمنها مستقبلاً اتفاقية التجارة الحرة بين دول العالم قاطبةً.
ولم ينس واضع النص المساع الشخصية القانونية الأخرى ولا ندري كيف كان يمكن أن تصاغ العبارة الأخيرة باللغة العربية لو لم تكن مترجمة عن السادة الأجانب الذين أعدوها خلف الكواليس والتي يعجز جهابذة القانون ان يفسروا معناها ومع من تكون هذه المساع؟ ومن الغريب كذلك ان لا يقول النص بالجنسية الواحدة لأبناء اليمن وإنما يقول بجنسية مشتركة لابناء الشعب في اليمن فهل ستكون خليطاً ومشتركاً بين الجنسية اليمنية والجنسية الصومالية لابناء الشعب في اليمن أو منها ومن جنسية أي جالية أخرى أم أنها صعوبة الترجمة؟!.
تحديد الأقاليم :-
«يشكل رئيس الجمهورية رئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل لجنة برئاسته بتفويض من مؤتمر الحوار الوطني لتحديد عدد الأقاليم ويكون قرارها نافذاً، تدرس اللجنة خيار ستة أقاليم- أربعة في الشمال وإثنان في الجنوب، وأي خيار ما بين هذين الخيارين يحقق التوافق».
فمؤتمر الحوار قد تلاشى هنا وتجسّد بالتفويض للفرد الممثل بالرئيس ومن ورائه وأمامه جمال بن عمر المندوب السامي الدولي والتفويض لم يأت من الحوار وإنما عبر لجنة مصغرة لم يصوت كامل أعضاءها وممثلي المكونات فيها، وكان يفترض وفقاً لقواعد مؤتمر الحوار الشامل أن تعرض الوثيقة على الجلسة العامة لأعضاء المؤتمر وقبلها على فريق القضية الجنوبية لتحصل على الإقرار أولاً ولكنها الكلفته التي اقتضت أن تسير الأمور باتجاه محدد مسبقاً دون النظر لقواعد ولا أسس للحوار ولا اعتبار للديمقراطية ومقتضياتها، فإذا كانت أهم وأخطر وثيقة للمؤتمر تتعلق بشكل الدولة وكيانها لا يتم فيها المناقشة والتصويت من المؤتمر فأي معنى أو قيمة لهذا المؤتمر الذي شغل منذ البداية وحتى النهاية بقضايا روتينيه بديهية لا تحتاج لحوار، وليس هذا فحسب فقد جرى كالعادة التأكيد على تقسيم شمال جنوب عبر تحديد أن يكون هناك اقليمين في الجنوب وأربعة في الشمال كتاكيد ملح على ترسيخ تشطير البلاد بين شمال وجنوب واستبعاد إمكانية تداخل مناطق الأقاليم لترسيخ التشطير.
* ترتيبات بناء الدولة :
«تبدأ مرحلة بناء دولة اليمن الاتحادية بتبني الدستور، وتتبع جدولاً زمنياً وتنتهي في فترة يحددها الدستور ويتطلب الانتقال الكامل والفاعل إلى دولة اليمن الاتحادية الجديدة، وفق الرؤية أعلاه، بناء القدرات في كل ولاية وإقليم وإنشاء مؤسسات جديدة وسن تشريعات وقوانين إضافية إلى تبني إصلاحات تشمل الملف الحقوقي للجنوب وضمان التنفيذ الكامل للنقاط العشرين والاحدى عشرة، وإنشاء صندوق إئتماني للجنوب بناءً عليه، يستوجب الإستثمار وبذل جهود مستمرة لتوفير وتطوير الموارد البشرية والمالية اللازمة لحكومة مسؤولة تخدم الأهداف المشار إليها بفاعلية وكفاءة، وتكون الأولوية لتحسين إمكانات كل ولاية واقليم وتعزيز مسؤوليات مسؤوليها المنتخبين ونقل السلطات بشكل مناسب لتحقيق ذلك، ينص الدستور على تأسيس هيئة لمراقبة التطبيق الكامل لهذه المرحلة، وتضع الهيئة خطة عمل لهذه الغاية، وتعمل بشفافية، على أن يوفر لها تمويل وإمكانات وافية لتطبيق الآتي:
1- وضع جدول زمني لتطبيق ترتيبات بناء الدولة.
2- مراقبة تنفيذ المخرجات والجداول الزمنية والمعايير التي تتضمنها خطة العمل.
3- تقديم النصح للحكومة حول برنامج بناء القدرات ومراقبته.
4- تقديم توصيات إلى السلطات المعنية وفق الحاجة.
5- نشر تقارير علنية حول تقدم عملية التطبيق كل ستة أشهر على الأقل.
6- تحل الهيئة في نهاية هذه المرحلة إلاّ إذا نص الدستور خلاف ذلك.
أن مرحلة بناء الدولة وفق الرؤية السابقة سيتبنى الدستور تحديد فترتها ولا يعلم إلاّ الله كم سيتناقش المتناقشون على هذه الفترة ؟ وهل سيمكن تحقيقها وفقاً للفترة التي سيحددها الدستور؟ أم انها ستحتاج لسنين أو عقود؟، وليس هذا فحسب بل ان هذا النص تضمن تأكيد على تبني اصلاحات تشمل الملف الحقوقي للجنوب كتأكيد على صيغة التقسيم شمال جنوب وانشاء صندوق أئتماني وتنفيذ النقاط العشرين والعشر والتأكيد على ضمان التنفيذ الكامل لها وفق جدول زمني يحدده الدستور أي ضمان ان يتم التنفيذ خلال مرحلة بناء الدولة أو بعبارة اخرى الفترة الانتقالية الجديدة فماذا لو لم تتمكن الدولة من تحقيق ذلك في ظل ظروف اقتصادية عصيبة، ومن ناحية اخرى من غير المعروف إن كان هناك دستور في العالم يحدد فترات زمنية لتنفيذ خطط ومطالب ومشاريع لان الدستور ينظم سلطات الدولة وليس برنامجاً حكومياً،وتضمن النص كذلك تشكيل هيئة ينص عليها في الدستور لمراقبة التطبيق الكامل لهذه المرحلة يوفر لها تمويل وامكانات وافية وهي هيئة فوق سلطات الدولة جميعاً التنفيذية والتشريعية والقضائية ولا ندري مالزوم استمرار وجود هذه السلطات إذا كانت ستكون مجرد تكوينات تخضع لهذه الهيئة التي منحت سلطات فوق سلطات ممثلي الشعب ولو بنسبة التمثيل التي نصت عليها الوثيقية 50% للجنوب و 50% للشمال؟، ولفهم أبعاد وخطورة صلاحيات هذه الهيئة واهدافها علينا ان ندرك ان المندوب السامي الدولي وخبرائه سيكونون من وراء ستار الهيئة لادارة عملية الصراع الذي ستنتجة الوثيقة فذلك اسهل وايسر من ادارة سلطات الدولة المتعددة و يبدو ذلك خبيثاً من الفقرة التالية:
دور المجتمع الدولي :
«نطلب من المجتمع الدولي دعم تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والعملية الانتقالية في اليمن خصوصاً مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومجموعة اصدقاء اليمن وباقي الدول والمنظمات الداعمة.
نطلب من أمين عام الأمم المتحدة مواصلة المساعي وفق قراري مجلس الأمن 2014،2051.
ونطلب من مجلس الأمن عبر الأمين العام دعم الجهود اليمنية لتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومراقبة تقدم العملية الانتقالية، خصوصاً تطبيق هذا الاتفاق، ونطلب كذلك استمرار مساعدة الأمم المتحدة، بما فيها تنسيق جهود المجتمع الدولي لدعم بناء دولة اليمن الاتحادية الجديدة.
نطلب من مجلس الأمن ومجلس التعاون لدول الخليج العربية تبني قرارات تدعم هذا الاتفاق».
المخجل أن تختتم الوثيقة بتحويل مزيف ومزور لاعضاء لجنة الحوار الوطني الشامل من متحاورين إلى مجرد مطلبين في مهرجان ومزاد الطلاب لفرض الوصاية التي لا مثيل لها في العالم.
فقد نصت أول جمله على نطلب من المجتمع الدولي مواصلة دعمه لتنفيذ مخرجات الحوار والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة مواصلة المساعي الحميدة وفق قراري مجلس الأمن، 2014، 2051 (أي بمعنى الإبقاء على مساعي وجهود المندوب السامي الدولي جمال بن عمر المتخفي وراء تكوين الهيئة المشبوهة الهدف والدور). وشمل مهرجان الطلاّب دول الإتحاد الأوربي والجامعة العربية وأصدقاء اليمن، والطلب من مجلس الأمن عبر الأمين العام لدعم الجهود اليمنية لتطبيق مخرجات الحوار ومراقبة تقدم العملية الانتقالية خصوصاً تطبيق هذا الاتفاق، والطلب من مجلس الأمن ومجلس التعاون تبني قرارات لدعم الاتفاق.
إنها صيغة مخجلة من الطِّلاّب والتوسل للوصاية الدولية والهيمنة الإستعمارية على بلادنا ودولتنا وانه مهرجان فاضح للفرجة على اليمن وشعبها ولا أعلم من قبل عن ثورة وممثلي شعب يطالبون باستمرار الوصاية الدولية على بلدهم وإبقاءها وإدامتها إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، لتظل هذه الوصاية هي المهيمنة على الاختيار الشعبي والمسار الديمقراطي في اليمن حتى بعد الانتخابات الحرة، فمهام المراقبة والمتابعة والتقييم سيتبعها مهام التوجيه والإقرار والإجبار بترهيب مجلس الأمن وتهديداته وعقوباته، فتباً لحوارٍ و لثورةٍ و لديموقراطيةٍ هذه نتائجها التي لا تؤسس لحرية شعب واستقلاله، وتكرس الوصاية عليه، وتعتبره قاصراً غير قادر على تبني وتنفيذ خياراته والتعبير عن إرادته ومصالحه حتى بعد الانتخابات، وأية قيمة لمثل هذه الديمقراطية، ولو صدق السياسيون الماكرون المنهزمون المساومون المكايدون مع أنفسهم أكثر لوفرو على أنفسهم، وتركوا للوصاية الدولية أن تختار لهم خيارات أخرى لترجمة هذه الوصاية وهذا التقسيم دون حاجة لتنظيم انتخابات وتكوين مجالس منتخبة، بدلاً عن أن تكون وصاية على اختيار شعبي وانتخابات ديمقراطية محكومة بالسيطرة الأجنبية فذلك عار وشنار.
التزام رسمي:
«يعلن الموقعون أدناه إيمانهم وثقتهم الكاملين في أن هذا الاتفاق يتضمن تسوية عادلة وانعكاسا دقيقاً لفهمنا المشترك، نعتقد أن هذا الاتفاق يصب في مصلحة الشعب اليمني، وعليه تلزم احترام ودعم هذا الاتفاق بحسن نية ونظرة مستقبلية، بهدف بناء دولة اليمن الاتحادية الديمقراطية الجديدة والحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها».
لم يفت هذه الوثيقة أن تؤكد باسم الموقعين عليها إقرارهم الاذعاني أنها وثيقة تسوية عادلة لفهم مشترك يصب في مصلحة الشعب اليمني، حتى لا يقول قائل منهم أنه قد وقع عليها مجبراً أو تحت تأثير غير طبيعي، فأكد هؤلاء على أنهم بعقولهم وأنهم فعلاً يرونها عادلة، وحق لمهندس الوثيقة أن يختتم بهذا الإقرار لانها فعلاً غير معقولة وغير عادلة وغير بناءة وليست في مصلحة البلاد والعباد ولا حول ولا قوة إلا بالله،ولا احد يعلم اي مجال قد ابقت هذه الوثيقة لحسن النية الذي ذكره النص وهل بعد كل هذه الفخاخ ما يزال ثمة مجال لحسن نية ؟ انها قمة السخرية والاستهزاء وحق لمن صاغها ان يسخر ويستهزئ.
خاتمة:
إن التأمل فيما تضمنته الوثيقة يستدعي التأمل فيما يجري في محيط بلادنا على مستوى الوطن العربي باعتبار أن اليمن أحد أركان هذا الوطن الكبير بحكم موقعها الجغرافي وعددها السكاني وموروثها ودورها التاريخي الحضاري.
إن قراءة ومقارنة بسيطة لما تضمنتها الوثيقة مع دستور بريمر الحاكم الأمريكي لمحتل للعراق بعد احتلاله تثبت دون جلاء ودون ادّعاء أن المخرج واحد، فالعديد من النصوص التي تضمنتها هذه الوثيقة تتشابه مع ما ورد في دستور بريمر إلا أنه وللأسف الشديد أن كثير من النصوص التي تضمنتها الوثيقة اليمنية التي يراد أن تكون حاكمة لصياغة الدستور اليمني المنتظر هي أسواء بكل تأكيد من دستور بريمر فيما يتعلق بالأقاليم وبدور السلطة المركزية وبتوزيع وإدارة الثروة وبحقوق المواطنة المتساوية، وأدعو كل مهتم إلى قراءة دستور العراق بعد الاحتلال ومقارنته بما تضمنته الوثيقة ليجد أوجه التشابه، وليجد كذلك أن بعض نصوص الوثيقة هي أكثر سوءً وعواراً من دستور بريمر، ولعل ذلك قد جاء بفعل التغيرات المدمرة في العامين الماضيين في الدول العربية في إطار المخطط الصهيوني الأمريكي لتدمير وتمزيق هذه الدول وخلق صراعات مستعرة دائمة بين أبنائها وادعو كل يمني ان يتامل ماجرى و يجري في العراق بعد اقرار دستور الاحتلال وكيف انتهى الامر إلى فوضى خلاقه وهيمنة الطائفية والصراعات المدمرة؟ وكيف امكن لكردستان العراق ان تقوم بالتنقيب عن النفط والتصدير بالتواطؤ مع الجار التركي له دون موافقة السلطة المركزية؟ وكيف عجزت السلطة المركزية ان تنشر لواء من الجيش العراقي المركزي في منطقة اضطراب بمنع من حكومة اقليم كردستان.
كما إني أدعو إخوتنا من الجنوب الذين يضللون عمداً بان الانفصال هو لحل معاناتهم ومشاكلهم ان يتأملوا ما حدث في السودان فالانفصال لم يحل مشكلة ولم يوفر أمنا ولا إستقراراً، فمنذ منذ لحظة اعلان الانفصال مايزال شمال السودان يعاني من حروب متعددة على أكثر من جهة وولاية وها هو جنوب السودان ينغمس في صراع دائم وحرب ضروس فكيف سيكون الأمر بجنوب وطننا الذي كان مقسماً قبل ثورة 14 أكتوبر إلى 27 سلطنة؟ إنها أسئلة مشروعة ومطلوبة قبل ان يقع الفأس في الرأس ويتبخر الوهم وينجر الجنوب إلى واقع مأساوي أسوأ مما كان في عهد الاستعمار والتشطير، وعلى الجميع ان يتأمل ما جرى وما يجري في ليبيا التي أعلنت عدد من مناطقها تكوين أقاليمها الخاصة وتسعى لتصدير نفطها بعيداً عن سلطة الدولة المركزية حتى قبل ان تعلن ليبيا دولة فيدرالية، وعلى الجميع أن ينظر إلى المشهد الذي يحدث في الوطن العربي كاملاً والذي لايخفى على كل ذي بصر وبصيرة والذي يتبين منه بلا ادنى تشويش أو غموض إن البلدان العربية جميعها هدف حي للتدمير والتمزيق والاحتراب والإبادة لافرق بين دولة واخرى الا باختيار عنوان الفتن التي تتناسب معها ولا يوجد في هذا الاستهداف رابح وخاسر فالجميع خسران ومظلوم وعلى أيدي بعضهم بعضا دون اعتبار لأي قومية أو مذهب أو ملة أو قبيلة أو جماعة أو حزب، وعلى الجميع أن يتأمل بصدق ومسؤولية هل الفيدرالية في كل هذا المشهد العربي الدموي المرعب المتفكك المتصارع خياراً مطمئناً ومأموناً.
إن كل الأحزاب الوطنية والشخصيات العامة الشريفة في هذا البلد مدعوة لأن تقرأ بوعي وضمير مضامين هذه الوثيقة وما هدف أليه مهندسها من أبعاد خطيرة على مستقبل الوطن اليمني كل الوطن شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وعلى الجميع أن يتساءلوا بصدق هل هذه الوثيقة الموجهة والحاكمة لصياغة الدستور المستقبلي لليمن ثمرة ثورة كان المنتظر منها أن تسهم في تصحيح المسار للبلد؟، أم أنها طبخة ومؤامرة لتمزيقه وتدميره، و أليس من الخطأ أن نعالج أخطاء حكومات بالتأسيس لخطايا وجرائم سوف تدخل الوطن في مآسي لا يحمد عقباها؟، وانه لمن المحزن أن هذه المآسي لم تعد من صنع حاكم أو فئة حاكمة بل أريد لها أن تكون تعبيراً عن حالة توافق سياسي وشعبي ونتاج ثورة و حوار.
إن الجميع اليوم مدعوون أن يقفوا بمسؤولية وحرص وبأمانة أمام أنفسهم ويراجعوا الموقف من هذه الوثيقة فان نتاجها سيكون حتماً هو صراع عنيف خطط له باتقان وستكون ثمرته تمزيق الوطن وتفصيله إلى كيانين أو اكثر ولكن بعد فترة صراع وحروب وفتن تقضي على ما تبقى من الجيش اليمني وتزرع الحقد والكراهية بين ابنائه حتى لا يفكر بعدها اي احد ولايسمح له بالتفكير في الوحدة كخطيئة مدمرة لن تنسى،وهي بوضوح أهداف استعمارية أمريكية بريطانية واقليمية لا تخفى على احد، وعلى كل القوى والشخصيات التي انساقت لتمرير المشروع أن تتراجع عن موقفها وتعيد النظر فيه لأن هذه مسؤولية تاريخية تستدعي موقفاً جاداً لا يكون تعبيراً عن مناكفات ومكايدات وانتقامات وأطماع صغيرة، ومخاوف مبالغ فيها مما يسمى المجتمع الدولي لأن الوطن بعد الدستور المستند لهذه الوثيقة سيكون بكل تأكيد أسوأ حالاً مما هو عليه حالياً وأسوأ من الانفصال بين شطرين.
إن على كل أبناء اليمن وفي المقدمة إخوتنا في المحافظات الجنوبية أن يعوا أن مهندس هذه الوثيقة ومخرجها لا يريد لهم خيراً لأنه لا يريد خيراً لأحد في هذا الوطن، والكل مستهدف، وسيكتوي بنار فتنتها، وما يحتاجه المواطن في اليمن في أي منطقة كانت هو العدالة والإنصاف والأمن والاستقرار والمواطنة المتساوية، وأن الجميع مدعوون لوقفة حازمة لمعالجة أية أخطاء حصلت في الماضي، ومعالجة كل المظالم دون استثناء وان نتوحد جميعاً في ذلك، وتتولى الدولة بأجهزتها القيام بذلك دون إبطاء أو تأخير باعتبار ذلك من مهام الدولة الأساسية، وتعبيراً عن إرادة شعبية جامعة، وبالإمكان تحقيق ذلك بقرارات رئاسية وعبر الحكومة اذا ما صلحت النوايا وتوفرت الإرادة والعزيمة، وأن يتساءلوا بصدق هل كل ما حصل في الجنوب بعد الوحدة كان مجرد خطأ وجرائم وان المسؤول عنها هو الشمال؟ أم أن هناك انجازات بطول وعرض الجنوب وحسب امكانات البلد؟ وهل ان الأخطاء قد خص بها الجنوب فقط ؟ وهل كان الجنوب قبل الوحدة على أحسن مايرام ؟،،
كما أن عليهم ان يتساءلوا ماذا لو اعقب كارثة 13 يناير في الجنوب دعوة لتمزيق الجنوب كحل للصراع الدموي الذي حصل؟ وهل كل عاقل ووطني كان سيقبل ذلك؟ والحال كذلك فيما جرى بالمناطق الوسطى قبل الوحدة، فلماذا انحصرت مقترحات معالجة الأخطاء كوسيلة للحل التي حصلت في الجنوب بعد الوحدة وحصل أضعافها في الشمال على خيار تمزيق البلاد وترسيخ المواطنة غير المتساوية ؟.
ولا أحد ينكر أن المظالم والأخطاء تنتشر في كل ربوع الوطن، ولا يمنع ذلك أن تكون الأولوية في المعالجة للمحافظات الجنوبية طالما كانت النوايا هي لإصلاح وإزالة المظالم.
ومن الممكن أن يتحقق ذلك باتفاق سياسي وقرارات سياسية وإدارية كما اشرنا من قبل دون الحاجة لتصميم دستوري يمزق البلاد ويؤسس للشقاق والاختلاف والمواطنة غير المتساوية.
إن الوحدة اليمنية هي أسمى أهداف الشعب اليمني والثورة اليمنية والحفاظ عليها هو بكل تأكيد في مصلحة أبناء اليمن شمالاً وجنوباً ولكن إذا كانت فعلاً قد أصبحت مستحيلة وان الانفصال قد أصبح هدفاً محتوماً بإجماع اخوتنا الجنوبيين وانا لا اعتقد ذلك مطلقاً، فما الحاجة إلى أن يكون ذلك بعد خراب مالطا وصراعات وخلافات وكراهية وبعد ترسيخ مظالم جديدة بين أبناء الشعب الواحد الوثيقة بنصوصها المفخخة ستقود حتماً اليها،انه سؤال مشروع فالحال لم يعد يحتمل المكايدات والمزايدات والتنازلات والتعامي والتظليلات على حساب الوطن ومستقبله، ومازال في الوقت متسع لإسقاط هذه الوثيقة وصياغة مستقبل اليمن بأيدي أبنائه وإرادتهم الحرة ولغتهم العربية!.