[esi views ttl="1"]

الحوثيّون: ورقة إيران الكبرى في اليمن

يمثل استيلاء جماعة ‘انصار الله’ الحوثيين على منطقة الخمري، التي يوجد بها أحد بيوت آل الأحمر، انتصاراً رمزياً على خصومهم من حاشد، كما أنه دليل على هشاشة الاتفاق الذي شاركوا في مناقشة بنوده ضمن مؤتمر الحوار الوطني اليمني الذي انتهى الأسبوع الماضي.

قبل أن يجف حبر التوقيع على الاتفاق انقض الحوثيون على الأقلية السنّية في دمّاج (مديرية في صعدة) وقاموا بتهجيرهم من منطقتهم رغم أن إحدى النقاط الأساسية المتفق عليها في مؤتمر الحوار هي ‘عودة المهجرين’!

اليافطة التي رفعها الحوثيون للهجوم على سكّان دماج كانت أنهم ‘تكفيريون’ رغم أن ‘سلفيّتهم’ تتعلّق باعتقادات شرعية وهم لا يتدخّلون في السياسة العامّة ولا علاقة لهم بالسلفيّة الجهادية (التي يمثّلها تنظيم القاعدة)، وقد رفضوا علناً اقتراحاً من قادته في اليمن بمساعدتهم.

بعد ذلك مال الحوثيون على أقرانهم الزيديين من قبائل حاشد، مستخدمين، مرّة أخرى، ومن دون أن يرفّ لهم رمش أيديولوجي أو مذهبي، مصطلح ‘التكفيريين’، فسيطروا على أراض جديدة، بينها مدينة حوث التي ينتسب إليها أجداد بدر الدين الحوثي، الأب الروحي للتنظيم.

يحاول اليمن، منذ تنحّي الرئيس السابق علي عبد الله صالح، العبور من مرحلة الفساد والاستبداد نحو مرحلة الاستقرار والأمن والعدالة القانونية لمواطنيه الذين يبلغ تعدادهم حو إلى 25 مليون نسمة، كما يحاول الخروج من إرث طويل تمثّل سابقاً في حكم الأئمة وانتهى، إفتراضياً، مع قيام الجمهورية اليمنية في أيلول/سبتمبر 1962.

يشكّل اليمن ملخّصاً فريداً لتاريخ الإسلام، وقد قدّم خلال العصور السابقة خلطته الخاصة للتعايش الممكن والمجدي والضروري بين الاتجاهين الكبيرين اللذين شقّا الإسلام.

اختار اليمنيون، منذ أيام الحكم الأموي، الانتماء لأحد مذهبين، واحد محسوب على المذاهب الأربعة للإسلام السنّي: الشافعيّة، وآخر قدّم افتراقاً اعتدالياً وعقلانياً عن المذهب الشيعي الجعفري مما قرّبه كثيراً إلى باقي المذاهب السنّية، وهو المذهب الفقهي الذي أسسه إمام من أهل البيت (زيد بن علي) ثار، كأغلب أقربائه من الأئمة المنتسبين للإمام عليّ، على الأمويين، ولكنه احتفظ باحترام للخليفتين المسلمين، أبو بكر وعمر، معتبراً إياهما وزيرا جدّه (النبي محمد)، وحين رفض أتباع أخيه، الإمام محمد الباقر (الإمام الخامس في المذهب الإثنا عشريّ)، ذلك، وصفهم بالروافض فقاموا بتكفيره!

تحاول الأطراف السياسية الاتكاء في ما يحصل في اليمن اليوم على هذا الإرث الديني والتاريخيّ المعقّد من خلال توظيفه وتأويله وتحريفه بما يتناسب مع مصالحها، فيما تحاول الدولة اليمنية تجديد نفسها وتأكيد وزنها كطرف حاكم يستطيع احتكار العنف واستخدامه لإقرار الأمن والاستقرار لكل مواطنيه لا لحماية فرد وعائلة تتقاسم النفوذ والسلطة والغنائم.

وفيما تتفق الأطراف الإقليمية والدولية على ضرب تنظيم ‘القاعدة’ فإن ‘أنصار الله’ الحوثيين يتمتّعون بغطاء سياسيّ إقليميّ ومحلّي يوفّر لهم الشرعية السياسية إضافة إلى الأسلحة الثقيلة والعدة الأيديولوجية والحلفاء ليواصلوا اعتداءاتهم على مواطنيهم بدعاوى أيديولوجية زائفة تستنزف اليمنيين وتؤجج العداوات الدينية والمذهبية.

حلف الاستبداد العربيّ الذي حاول، ويحاول، إيقاف التاريخ في بلدانه وبلدان الثورات العربية استولد بممارساته الهمجية ضد شعوبه ردود فعل متطرّفة يعتاش عليها تنظيم ‘القاعدة’. وبولائه للمشروع الغربي في المنطقة، خلق هذا الحلف الفضاء اللازم لاستثمار إيران مشروعها القومي في المنطقة العربية تحت رطانة أيديولوجية تجمع بين التشيّع لآل البيت (وهم عرب عاربة) والمماحكات المدروسة مع اسرائيل (في لبنان) والتنسيق مع أمريكا (في العراق وأفغانستان).

العدوانية التي يتميّز بها الحوثيون في اليمن تعكس الرغبة الإيرانية في استخدامهم لإعاقة التئام الجرح اليمنيّ (كورقة من أوراق طهران الكثيرة في التفاوض على التسوية مع الغرب)، وهو أمر يقع على اليمنيين أولاً قرار التصدّي له ليتمكنوا من بناء بلدهم الذي يحلمون به.

زر الذهاب إلى الأعلى