[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

محمد بن لحول المثقف الدبلوماسي المتميز

قال تع إلى في محكم كتابه الكريم: ((يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فادْخُلِي فِي عِبَادي وَادْخُلِي جَنَّتِي)) صدق الله العظيم.

ودَّعت الدبلوماسية اليمنية واليمن عامةً وشبوة على وجه الخصوص أحد أبرز وأذكى الدبلوماسيين اليمنيين الذين شغلوا المنصب بكفاءة عالية ودراية كبيرة واتزان ثابت.

وبرحيل فقيدنا السفير/ محمد علي محسن لحول من هذه الدنيا الفانية نكون قد خسرنا قامةً سياسية ودبلوماسية استثنائية كبيرة وهو في قمة شبابه وعطاءه المهني والسياسي.

تعود بي الذاكرة في معرفة الصديق العزيز السفير/ محمد علي محسن لحول إلى منتصف عام 1993م, عندما تنادى أبناء م/ شبوة في ذلك الموعد من الزمان لتدارس أوضاع المحافظة من الناحية السياسية والأمنية عندما لاحت في الأفق مظاهر الأزمة السياسية وما نتج عنها من حرب صيف 1994م.

وكان هدف أبناء المحافظة آنذاك البحث عن طريق يجنب الوطن والمحافظة أية تداعيات لأية أزمة أو حرب قادمة خاصة إذا ماعرفنا أن محافظة شبوة تعرضت في زمن التشطير لظلم شديد وفقدان خيرة أبنائها نتيجةً للصراعات السياسية والعسكرية آنذاك والهدف من ذلك التجمع واللقاء هو تجنيب المحافظة أية تبعات ونتائج سلبية, وحضر نفر من مثقفي أبناء المحافظة من كل حدبٍ وصوب للمساهمة في ذاك الحدث، وهنا حضر الفقيد من صنعاء للمشاركة والمساهمة في إنجاح هذه الفعالية.

وكان الفقيد رحمة الله عليه من بين الأصوات الصادقة والجريئة في تقديم صورة المثقف الحريص على محافظته وعلى إخوانه من أبنائها من تداعيات أية أزمات أو حروب قادمة.

تتابعت الأيام والسنين وتعمقت معرفتنا ببعض في كلٍ من (عتق وعدن وصنعاء) وكان آخر لقائنا في العام 2013م في مدينة عدن, وأتذكر أنه ومنذ أنْ تقلد منصب قنصل عام في مدينة جدة لدورتين متتاليتين وسفير لليمن في المملكة العربية السعودية إلى العام 2013م كان يتميز في تأدية مهامه بالصفات والمزايا الآتية:

1. نسج علاقات متينة مع الجالية اليمنية بالسعودية وهم بالملايين.

2. تعامل بمهنية عالية مع منصبه كسفير ولم يكن سوى شوكة ميزان بين كل الأطراف في الساحة اليمنية بالداخل أو المهجر.

3. كان متابعاً عنوداً في القضايا التي تتركها الوفود المتتالية والعديدة (لأنها السعودية) وتترك بعض المتابعات الإجرائية ليقوم هو وفريقه بالسفارة بإنجازها.., أتذكر زيارتي الرسمية المتكررة للملكة العربية السعودية حينما كنت في وزارة التربية والتعليم وجامعة عدن بأنَّ هذا السفير الرائع كان يتحمل عبء المتابعات في الوزارات والمؤسسات الأكاديمية السعودية في جهد مثابر قل نظيره من أشخاصٍ آخرين, وهذه شهادة نسوقها للتأريخ.

4. استطاع أنْ ينسج أفضل العلاقات مع المؤسسات الحكومية السعودية, بل أنه خلق أرضية ملائمة وصحيحة لتطوير العلاقات الدبلوماسية النامية والديناميكية بين الشعبين الشقيقين.

5. نسج علاقات رائعة مع البلدان العربية والإسلامية والأجنبية من خلال علاقته بالسفارات والهيئات الدبلوماسية وكان خير ممثل للدبلوماسية اليمنية بالخارج.

6. أنيق في اختيار مفردات حديثه مع الغير لما يتمتع به من قدرة ومهارة وحنكة سياسية وثقافية.

ولكنة بقى ذلك البدوي الشهم الأصيل الذي لم ينسى أو يتخلى عن جذوره وواجبه تجاه أسرته وقبيلته وأصدقائه في شبوة وهذه لعلها ميزة استثنائية لنفر محدود يتقن فن التعامل مع الثقافات الجهوية ولكن بنكهة (البدوي) الشبواني الأصيل, وإنني فَقَدْتُهُ صديقاً عزيزاً وفَقِدَتْهُ شبوة مناضلاً جسوراً وفقده اليمن السعيد سياسياً ودبلوماسياً ماهراً.

وهذه الشخصيات العامة أمثال صديقنا ينبغي أن تبقى ذكراه حية من خلال جمع كتاباته ورسائله ومقابلاته والكتابات عنه وجمع الشهادات والأوسمة والهدايا التذكارية في مكانٍ واحد, ليكون ذلك عبارة عن ذكرى تتعلم منه الأجيال, وأظن أن (آل لحول) لو خصصوا شيء من ذلك ستكون سابقة إيجابية كما تفعل الشعوب الحية مع رموزها وشخصياتها و (محمد) رمزٌ استثنائي ينبغي الحفاظ على وهج ذكراه.

وفي الأخير أدعو الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان إنَا لله وإنَّا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والله من وراء القصد.

- رئيس جامعة عدن

زر الذهاب إلى الأعلى