لماذا يواجَه التوسع الحوثي المسلح في مناطق الهضبة القبلية العليا بالبرود واللامبالاة من قبل المجتمع الدولي ورعاة المبادرة والتسوية السياسية واتفاقية نقل السلطة؟.
هل التوسع نحو المناطق المحيطة بالعاصمة صنعاء مجرد حدث عابر لا يستحق الالتفات؛ وهل هذا التوسع والاحتراب الأهلي لا يعد فعلا ً معرقلاً للمرحلة الانتقالية؛ وبالتالي لا يصنفه المبعوث الأممي ورعاة المبادرة كفعل معرقل يحتاج إلى إدراجه في تقارير جمال بنعمر وبيانات مجلس الأمن الدولي ؟.
هذه التساؤلات تثير أكثر من علامة استفهام حول موقف رعاة المبادرة واتفاقية نقل السلطة من الاختلالات العميقة التي تواجه هذا المسار؛ بل وتهدد الكيان اليمني برمته من خلال الحرب الأهلية التي تلوح في شمال الشمال؛ والتي تنطوي على فرض ميليشيات مسلحة لنفوذها على الأرض بقوة السلاح.
التفت المجتمع الدولي مؤخراً في الوقت الضائع لدور الرئيس السابق علي صالح في عرقلة المرحلة الانتقالية ورعاية الاختلالات وبرنامج العرقلة المنظم.
في بداية المرحلة الانتقالية حين كان الموقف الحازم مطلوباً وملحاً من علي صالح دفن المجتمع الدولي رأسه في الرمال، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بقبول علي صالح كلاعب أساسي في الحياة السياسية من خلال لقاء جمال بن عمر به أثناء المفاوضات على حصص التمثيل في مؤتمر الحوار الوطني، كان ذلك اعترافاً ضمنياً بدور علي صالح وممارسته للنشاط السياسي كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام، الشريك الأساسي في المرحلة الانتقالية.
وحين تموضع موقف علي صالح مع استحقاقات المبادرة وآليتها المزمنة؛ وانحاز ضداً على مسار وثيقة الحوار؛ ثارت ثائرة المجتمع الدولي عليه؛ وذهبوا لتهديده وإدراج اسمه كمعرقل للمرحلة الانتقالية؛ والتلويح بالعقوبات في وجهه.
المفردة الثانية التي التفت لها رعاة مسار نقل السلطة هو علي سالم البيض الذي لوح المجتمع الدولي باسمه كمعرقل للمرحلة الانتقالية، حدث ذلك حتى قبل أن يتبنى تيار البيض ما يسميه المقاومة المسلحة لما يصفه ب «احتلال يمني للجنوب العربي» !!
الآن يبدو عبدالملك الحوثي وميليشياته المسلحة باعتباره الطفل المدلل للمجتمع الدولي، بما فيه أمريكا التي يهتف بموتها ليلاً ونهاراً في الجوامع والساحات العامة، ويعتبرها الشيطان الأكبر تيمناً بداعميه ومرجعياته الدينية في طهران وقُمْ.
دور الحرب الأهلية المذهبية القبلية في عرقلة المسار الانتقالي واضح وجلي؛ ولا يحتاج إلى شدة ذكاء أو فيض من حكمة لإدراكه والوقوف على تداعياته ومخاطره على مسار التسوية ونقل السلطة والكيان اليمني عموماً، غير أن كل ذلك لم يرتقِ إلى مصاف الخطر في نظر المجتمع الدولي!!
كما أن الدلالة التي يحملها التيار الحوثي بهيمنته على «إقليم» الهضبة القبلية الذي يضم صعدة، حجة، عمران؛ وامتلاكه للأسلحة الثقيلة التي تشمل الدبابات والمدرعات والكاتيوشا؛ كل ذلك يعطي للأقاليم مدلولات الدول المستقلة وليس مجرد تقسيمات إدارية سياسية في إطار دولة اتحادية.
الفيدرالية والأقاليم لا تعني مطلقاً انتفاء دور الدولة القادرة على فرض سلطتها وتوفير الأمن لمواطنيها وحماية حدودها.
وجود الدولة وهيبتها أمر ضروري، سواء كانت دولة بسيطة أو اتحادية.ووضع حد للحرب الدائرة في الهضبة القبلية أمر ملح ليس فقط لنجاح المرحلة الانتقالية؛ وإنما لتجنيب اليمن الغرق في هذا المستنقع الذي يهدد الكيان اليمني وفرص بقائه آمناً مستقراً وموحداً وليس فقط مسار التسوية السياسية.
الآن وبعد انكسار بيت الأحمر؛ وإقدام مشائخ حاشد المتحالفين مع الرئيس السابق على توقيع وثيقة «استسلام بيت الأحمر» نيابة عنهم؛ وهو الوضع الذي فضله هؤلاء المشائخ الذين لا يريدون الذهاب بعيداً في القتال مع الميليشيات الحوثية؛ ولا يرونها معركة وجودية بالنسبة لهم؛ بعد هذا كله لا يستبعد أن يذهب الغرور بالحوثي إلى خوض فصل جديد من المعارك من أجل فرض هيمنته على أرحب والجوف، ولو حدث ذلك فسوف يجر معه قوى قبلية ودينية أوسع بكثير من ذلك الحجم الذي بدا في حاشد؛ والذي تحكمت به دلالات النفوذ والهيمنة التاريخية لأسرة آل الأحمر بما راكمته من عداوات ومظالم في منطقتها؛ وما تعنيه على المستوى العام.
الموقف الغامض والمريب للمجتمع الدولي يثير الكثير من الشكوك حول النوايا التي تبيتها الدول المهيمنة في العالم والإقليم حول مصير اليمن وخارطته الجيوسياسية؛ ويفتح باب التكهنات حول الهدف النهائي لهذه «الرعاية الدولية الإقليمية» واحتمالات تقسيم اليمن؛ وهو ما يوحي به انتشار الحرب الأهلية المذهبية ًو الميليشيات المسلحة.
ولو تقاعست السلطة الانتقالية ومعها المجتمع الدولي عن دورها الآن إزاء التوسع الحوثي المنتظر في أرحب والجوف؛ فسوف تفتح باباً للخراب على مستوى اليمن كلها؛ فليس بعد استكمال الهيمنة على الهضبة؛ وغرور القوة المصاحب لها سوى النظر إلى تتويج «الانتصارات» كلها بالصرخة باتجاه صنعاء .. ولا بد من صنعاء وإن طال السفر؛ لكل مشروع يتطلع إلى فرض نفسه كعنوان للمرحلة؛ سواء كانت الإمامة الجديدة؛ أو الجمهورية السبتمبرية .