من الواضح أن تطوراً ملحوظاً ستشهده الساحة اليمنية خلال الأيام القادمة ويمكن لأي متابع رصد ملامح هذا التحول من خلال استنطاق جملة من الشواهد كان محورها الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن والذي أفصح عن أن هناك رغبة دولية لفرض نظام العقوبات في اليمن وإخضاع هذا البلد للمادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تخول للمجتمع الدولي التدخل العسكري واستخدام القوة بشقيها الدفاعي والهجومي إذا ما اقتضت الحاجة لذلك، وان مثل هذا الأمر بات محسوماً بعد أن استمع مجلس الأمن الدولي للتقرير المقدم من المبعوث الأممي جمال بن عمر والتي كانت تقديراته تجمع على أن اليمن ورغم اجتياز أطرافه المتصارعة لاختبارات الحوار وتوافقها على خارطة طريق للمستقبل فإن هذا البلد مازال مرشحاً لتلقي صدمة كارثية ربما تجهز على وجوده كدولة ومجتمع وتدفع به إلى مستنقع الفوضى إذا لم يسارع مجلس الأمن إلى اتخاذ التدابير الكفيلة بمعاقبة الشخصيات المتنفذة والأفراد الذين يعرقلون مسارات الاستقرار والتغيير السياسي ويتسببون في تأجيج أعمال العنف والتحريض على تخريب المنشآت النفطية ومصادر الغاز وأبراج الكهرباء.
ومن غير المفهوم في هذه الحالة كيف سيتم تنفيذ مخرجات الحوار وإجراء المصالحة الوطنية بين التيارات المتنازعة في ظل تقدم العقوبات الأممية على خيارات الحلول الوطنية والانصراف كلية نحو تلك العقوبات وجعلها كأسبقية أولى على حساب أسبقية الحلول الوطنية التي كان ينبغي لها أن تمنح الوقت والفرصة الكافيين خصوصاً وانه ومنذ الانتهاء من أعمال الحوار وحتى الآن لم نلمس ما يمكن أن يعيق أو يحول دون تنفيذ مخرجات هذا الحوار على أرض الواقع بما في ذلك تحقيق المصالحة التي من شأنها الانتقال باليمن من حواضن الصراع والخلاف والتصعيد إلى حواضن الوئام والسلام والأمن والاستقرار.. وما يثير التساؤل حقاً أن نرى مجلس الأمن الدولي يسير بحماسة شديدة باتجاه فرض نظام العقوبات في اليمن بعد أن وضع هذا البلد منتصف عام 2012م بموجب القرار رقم 2051 تحت رحمة وتصرف المادة 40 والمادة 41 من الفصل السابع والتي جعلت منه على المستوى الداخلي منقوص السيادة وعلى المستوى الإقليمي بلداً مقلقاً لجيرانه وعلى النطاق الدولي مصنفاً بين الدولة واللادولة في حين يبدو هذا المجلس عاجزاً ومشلولاً وكسيحاً وفي وضع أقرب إلى الموت السريري أمام شلالات الدماء التى تنزف بغزارة في سورية.
فما الذي تغير بعد حوار اليمنيين والنتائج الإيجابية التي انتهوا إليها حتى يعيد مجلس الأمن النظر في سياساته تجاه الأزمة اليمنية ويعمد إلى التلويح بعصا نظام العقوبات وهو ما قد يبدو ساراً لمن ثاروا على النظام السابق ورأوا أن التسوية التي حملتها المبادرة الخليجية قد جرى تطبيقها على قاعدة المثل القائل (لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم) لكن قبل أن يبتهج هؤلاء بهذا التوجه الدولي يتعين عليهم أن يدركوا بان مشكلات اليمن المتعددة لا يمكن حلها عن طريق مجلس الأمن الدولي أو حتى الأمم المتحدة، بل إن الحلول لن تأتي إلا عن طريقهم فهم من بوسعهم أن يحققوا قدراً كبيراً من الاستقرار لوطنهم باعتمادهم خطاباً قائماً على المصالحة وروح الشراكة والتلاحم الصادق من أجل بناء مستقبل أجيالهم القادمة، أما الرهان على مجلس الأمن فهو رهان خاسر وقد أثبتت التجارب انه وكلما تدخل في بلد أحاله إلى حطام وركام من الخراب.. فهل يعي اليمنيون هذه الحقيقة قبل فوات الأوان؟