من الأرشيف

إيران عبر الحوثيين.. في قلب المعادلة اليمنية

هل يسيطر الحوثيون على صنعاء، أو على الأصحّ، هل في استطاعتهم السيطرة على صنعاء؟ الأرجح أنّهم لن يشنوا حملة عسكرية تستهدف اجتياح العاصمة اليمنية، علما أن لا حدود لطموحاتهم. أما ما يدفعهم، أقلّه في المدى المنظور، إلى تفادي مثل هذه المغامرة، فهو عائد إلى سبب رئيسي، يمكن أن تضاف إليه أسباب أخرى مرتبطة إلى حدّ كبير بأن اليمن كلّه يمرّ بمرحلة مخاض وأن أي تقسيم للبلد لا يعني بالضرورة عودة صنعاء عاصمة للشمال وعدن عاصمة للجنوب كما كانت عليه الحال قبل الثاني والعشرين من مايو عام 1990، تاريخ توقيع اتفاق الوحدة.

في صلب السبب الرئيسي، تفضيلهم عدم الدخول في قتال شوارع داخل مدينة كبيرة واسعة الأطراف مثل صنعاء لديهم وجودهم فيها أصلا، فإنهم في صنعاء وخارجها في الوقت ذاته.

مثل هذا القتال سيغرقهم في حرب استنزاف. وهم بكل بساطة في غنى عن مثل هذه الحرب التي لا تخدم مصلحتهم المباشرة. أكثر من ذلك، أن مثل هذا القتال داخل صنعاء سيجعل يمنيين كثيرين ينقلبون عليهم، وينتمون إلى قبائل مختلفة هم في غنى عن استعدائها والدخول في مواجهة مباشرة معها، خصوصا أن المجتمع اليمني، وبالأخصّ في الشمال قبلي أوّلا وقبل أي شيء آخر وأن من السابق لأوانه الرهان على تمكّن “السيّد” من الانتهاء من الشيخ.

كذلك، في صنعاء منازل لعدد كبير من وجهاء اليمن ومشايخه، كما أن فيها آلاف المنازل العائدة إلى شخصيات يمنية من مختلف المحافظات، بما في ذلك كبار التجار في البلد.

لا شكّ أن الحوثيين يفضّلون تنفيذ مخططهم خطوة خطوة وهم يعملون في الوقت الراهن على الاستفادة من كلّ التناقضات الداخلية، بما في ذلك التناقضات بين قبائل حاشد نفسها. وحاشد، مثل بكيل، قبيلة كبيرة تضم قبائل أخرى. وقد استطاع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، بفضل شخصيته القويّة، أن يصبح شيخ مشايخ حاشد. وثمة من كان يعتبره شيخ مشائخ اليمن كلّه، هو الذي ظلّ يلعب طوال ما يزيد على نصف قرن دورا بارزا على صعيد البلد، قبل الوحدة وبعدها. وقد تعزّز هذا الدور مع تولي علي عبدالله صالح، وهو نفسه من حاشد، رئاسة الجمهورية في العام 1978.

تكمن مشكلة حاشد حاليا في أن الشيخ عبدالله، الذي كان صمّام أمان للنظام وللبلد نفسه، غادرنا في أواخر العام 2007. لم يوجد بين أبنائه العشرة من يسدّ الفراغ الذي خلفه. وهذا ما يعرفه الحوثيون قبل غيرهم. ولذلك، سارعوا إلى استغلال الفراغ في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها اليمن.

لا يمكن فصل توقيت الهجوم الذي شنّه الحوثيون على محافظة عمران عن دقّة الوضع اليمني. هناك قبل كلّ شيء مؤتمر للحوار الوطني انتهى بوثيقة تؤكد أن اليمن “دولة اتحادية” ذات ستة أقاليم. لماذا لا يكون للحوثيين، أي لإيران التي تدعمهم، إقليمهم ب”حرسه الثوري” على الطريقة الإيرانية؟

شيئا فشيئا سيمتد نفوذ الحوثيين ليشمل محافظات يمنية عدة وصولا إلى مشارف صنعاء. سيكونون على حدود السعودية، وهذا بات واقعا، كما ستكون لديهم إطلالتهم على البحر الأحمر. كذلك سيكونون في مواقع استراتيجية مشرفة على العاصمة ومطارها.

فضلا عن ذلك، هناك أحياء معيّنة في صنعاء هم في الأصل موجودون فيها. من هذه الأحياء كانت عناصر حوثية تنطلق قبل السنة 2004، أي قبل الحرب الأولى معهم، من أجل رفع شعارات خاصة بهم بعد كلّ صلاة جمعة في مساجد صنعاء. كان الشعار الأبرز الذي يطلقه هؤلاء “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود”. لقد ميّز الحوثيون أنفسهم منذ البداية، بعد انتقال ولائهم إلى إيران، عن المجتمع اليمني الذي كان إلى ما قبل فترة قريبة يضمّ يهودا هم من أبناء اليمن. ليس معروفا الآن هل لا يزال هناك يهود في اليمن أم لا… أم أنّ جميع اليهود اليمنيين هاجروا إلى إسرائيل والولايات المتحدة؟

في كلّ الأحوال، أن أي بحث في مستقبل اليمن لم يعد ممكنا في معزل عن الحوثيين، أي عن إيران التي تقف خلفهم بكلّ ما تملك من إمكانات. كان الحوثيون ممثلين في مؤتمر الحوار الوطني. بعد الآن، أي بعد سيطرتهم على معقل آل الأحمر، صاروا طرفا أساسيا في المعادلة اليمنية. صاروا مثلهم مثل السلطة المركزية، أو ما بقي منها، التي ربّما تستطيع الدفاع عن صنعاء في حال تعرّضها لهجوم إلا أنها لم تعد تستطيع ضمان أمن القوات اليمنية المنتشرة في كلّ المحافظات، خصوصا في المحافظات الجنوبية والوسطى وصولا إلى حضرموت… وحتى داخل صنعاء نفسها.

جديد اليمن يتمثّل في صعود الحوثيين. إنهم مثابرون. كان أول ما فعلوه بعد سيطرتهم على محافظة صعدة تعيين محافظ جديد لها من أبناء المدينة يعتبر مواليا لهم. إنهم في غاية الجدية. ثمة من يقول إنهم الطرف اليمني الوحيد الذي يعرف ماذا يريد.

من الواضح أنهم يريدون في الوقت الحاضر تأكيد سيطرتهم على جزء من شمال اليمن. إنهم في صنعاء وخارجها في الوقت ذاته. ولكن لهم علاقات مع الانفصاليين الجنوبيين أيضا ولديهم اختراقات في كلّ القبائل والمناطق، بما في ذلك المناطق الشافعية في تعز ومحيطها.

الأهمّ من ذلك كلّه أن الإدارة الأميركية لا تزال تعتبرهم “حركة فكرية”، أي أنها على استعداد للأخذ والرد معهم. من قال إن الإدارة الأميركية لا تحبّذ فكرة الدويلات في اليمن، خصوصا أن هناك من يعتقد أنها لم تكن بعيدة عن الدفع في اتجاه وقوف الجيش اليمني على الحياد إبان المعارك الأخيرة في محافظة عمران؟

- إعلامي لبناني

زر الذهاب إلى الأعلى