من الأرشيف

التجسس على مرسي في المحكمة.. ودولة القانون

مرت عدة ايام على تسريب تسجيل صوتي كامل للمشاورات التي يفترض ان تكون سرية بين الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بصفته متهما ومحاميه الدكتور محمد سليم العوا اثناء جلسة محاكمته الاخيرة، دون ان نسمع عن اي اجراء أو تحقيق أو محاسبة تضمن عدم تكرار هذه التسريبات.

فاذا كان (المتهم) محمد مرسي غير قادر على التشاور في سرية مع محاميه، كيف يتسنى له اعداد الدفاع المناسب، في حين ان الخصوم على اطلاع مسبق بما سيقوله أو سيفعله اثناء المحاكمة؟

ان هذا الانتهاك لابسط قواعد المحاكمات العادلة يتناقض صراحة مع المادة العاشرة للاعلان العالمي لحقوق الانسان، والتعديل السادس للدستور الأمريكي، والمادة السادسة من الاعلان الاوروبي لحقوق الانسان، ناهيك عن العديد من المواد في الدستور المصري وقانون اجراءات المحاكمات المصري.

وحسب تفسيرات الخبراء القانونيين، فان حدوث هذا الانتهاك ثم السكوت عنه، يعني امرين اساسيين، اولا انه ينفي عن الدولة التي يقع فيها صفة ‘دولة القانون’، وثانيا ان الحكم الصادرعن هكذا محكمة يكون باطلا ومنعدم الاثر.

ويؤكد هؤلاء ان الاجراء البديهي الذي كان على المحكمة ان تتخذه فورا هو الامر بالقبض على الفريق الشرطي المسؤول عن تأمين الدكتور مرسي، واحالتهم إلى النيابة العامة بتهمة التجسس وانتهاك الخصوصية.

ويتوقعون ان تقضي محكمة النقض لاحقا بالغاء اي حكم يصدر ضد مرسي في هذه المحاكمة لانتقاصها من الحق المقدس في الدفاع، ما يعني ان المحاكمات ستدوم شهورا وربما سنوات.

اما اذا تطرقنا إلى فحوى هذه التسريبات، فسنجد ان الرئيس المعزول يشكو من نفاد الفلوس المودعة باسمه في ‘الكانتين’ وهو المكان الذي يسمح للسجناء الاحتياطيين ان يشتروا منه حاجياتهم، وعلى رأسها الطعام تفاديا للاضطرار إلى تناول طعام السجن.

ونسمع مرسي وهو يشكو ايضا من قطع الزيارات عنه سواء من جانب اهله أو محامييه، وهو ما ادى إلى عدم قدرتهم على ايداع اموال باسمه في الكانتين. وتقول الحكومة ان القانون يكفل لوزير الداخلية ان يأمر بمنع الزيارة عن المتهم اذا كانت تمثل تهديدا لشخصه أو للامن القومي. وهنا يبرز السؤال البديهي: اي امن قومي هذا الذي يمكن ان يهدده شخص مسجون؟ وخاصة اذا كان غير قادر حتى على الحديث في سرية مع محاميه؟

وحتى اذا تناسينا ان المتهم – اي متهم- بريء حتى تثبت ادانته، وافترضنا جدلا ان الدكتور مرسي مذنب في كل التهم الموجهة اليه، فان ما يعانيه من سجن في ظروف مهينة في السجن يظل امرا لا يتفق ولا يليق مع رئيس مصر السابق، وهو ما يجعل الحفاظ على كرامته حفظا لكرامة مصر نفسها.

ولا يقتصر غياب معايير المحاكمة العادلة على تسريب مشاورات مرسي مع محاميه، بل تسريب العديد من الوثائق المزعومة إلى وسائل الاعلام بشأن تخابره مع جهات اجنبية، وهي وثائق يقال ان مصدرها ‘جهات سيادية’ ما يشير إلى اجهزة الامن القومي، دون ان تؤكد تلك أو تنفي صحة هذه التسريبات.

وتكمن الخطورة الحقيقية لهذه التسريبات الانتهاكات في انها تقوض مصداقية النظام الجديد عندما يتحدث عن اقامة دولة ‘سيادة القانون’، وهو ما قد يدعم حجج المتطرفين.

وهنا يجب على القضاء المصري ان يقول كلمته انتصارا لقيم العدالة وليس لشخص أو جماعة. وكلمة القضاء العادل هي الافراج الفوري عن كل من لا تثبت ادانته.

وقد راينا محكمة مصرية الاسبوع الماضي تفعل هذا فعلا، عندما افرجت محكمة جنايات القاهرة عن اثنين وستين متهما، بينهم مصور في قناة الجزيرة، بسبب عدم وجود ادلة ضدهم، وهو ما يجب ان يسجل للقضاء المصري انصافا.

ومن المستغرب ان السيد النائب العام تجاهل حتى الان مناشدة رئيس الجمهورية له في خطابه الاخير بالافراج الفوري عن المحبوسين احتياطيا دون دليل ضدهم.

كما تجاهل البلاغات بشأن تسريب المكالمات الخاصة لبعض الناشطين عبر احد منافذ ‘الاعلام الامني’ الفضائية، دونما اي مراعاة ل’حرمة الحياة الخاصة’ المنصوص عليها في الدستور، وليس القانون فقط.

واخيرا، ومهما كانت الاحوال الامنية والخلافات السياسية، ورغم العمليات الارهابية المدانة دون شك، فلا يمكن لاي وطني مصري الا ان يدين انتهاك معايير العدالة، وخاصة مع وجود الآلاف من المحبوسين دون محاكمة باعتباره خيانة لتضحيات المصريين التاريخية في مواجهة الظلم.

زر الذهاب إلى الأعلى