من الأرشيف

أولويات المرحلة الراهنة

هناك أولويات للمرحلة الراهنة ؛ يمكن تحديدها استناداً للمصلحة الوطنية العامة ؛ والضغط على الأطراف الأساسية بكل الوسائل السياسية والشعبية السلمية، لتبنيها والعمل بموجبها.

حتى أشد المنتقدين لأداء مرحلة بعد الحوار ينطلقون من مراهنة ما على دورها ؛ سواء كان ذلك عن قناعة بالأداء ؛ أو عن الواقعية السياسية التي تتجنب العدمية المطلقة في الرفض ؛ وتذهب إلى الانطلاق من الواقع والممكن من أجل الاستجابة لأولويات المصلحة العامة في المرحلة الراهنة الوقت المستقطع كما يسمونه في مباريات كرة الطائرة - أو الحد الأدنى منها.

مفتتح الأولويات كلها تشكيل حكومة جديدة تستجيب لأولويات المصلحة الوطنية العامة ؛ ويتم تشكيلها بمعايير الكفاءة والاقتدار ، وتتجنب معايير الولاءات الشخصية والحزبية والفئوية ؛ والمحاصصات التي أنهكتنا كشعب في فترة السنتين المسماة «مرحلة انتقالية».

تنتقد هذه الحكومة ؛ وأي حالة قابلة للنقد غالباً ؛ من أطراف عديدة ، وكل طرف منها لديه أسبابه ومنطلقاته، غير أن الأهم في ذلك كله هو أن أغلبية الشعب اليمني مسها الضّر ؛ حيث الانفلات الأمني أودى بمئات الضباط في سلسلة اغتيالات غامضة ؛ وطال المئات من الضحايا في سلسلة تفجيرات مرعبة وصلت ذروتها إلى ميدان السبعين ومجمع العرضي ؛ وكذلك خسارة الاقتصاد الوطني ما يقرب من خمسة مليارات دولار بسبب تفجيرات أنبوب النفط المتواترة ؛ مضافاً لذلك كله الإنهاك والإرهاق والحرب النفسية التي يعانيها المواطنون من معضلة الكهرباء المزمنة.

صحيح أن الرئيس السابق وحزبه يعارض الحكومة وله أسبابه، وصحيح أن التيار الحوثي ومناصريه يعارضون الحكومة ولهم أسبابهم وتطلعاتهم، غير أن ذلك لا يعني أن من يطالب بالتغيير يغدو من أنصار صالح أو من أنصار الحوثي، فوجود موقف موحد من قضية ما لا يعني تطابق جميع أطرافه.

الاسطوانة المشروخة التي تتحدث عن مسؤولية حصرية للرئيس السابق وفريق عمله في عرقلة المرحلة الانتقالية والتسبب بالاخفاقات والاختلالات ليست كافية لبراءة الحكومة.

هناك من يعرقل بالفعل، وهناك من لا يقوم بالمسؤولية المنوطة به والملقاة على عاتقه.

كانت توقعاتنا أن علي صالح سوف يدير برنامجاً للعرقلة، غير أننا لم نكن نتوقع أن يتخاذل من صعدوا باسم الثورة عن أداء واجباتهم ومسؤولياتهم بهذا الشكل المخجل الذي شهدناه وطالت أضراره اليمن كلها بلداً وشعباً.

ثاني الأولويات في المرحلة الراهنة إعداد الدستور الجديد من قبل لجنة محايدة تتشكل من رجال القانون وفقهاء الدستور ؛ وتلتزم في عملها بتوصيات مؤتمر الحوار الوطني الواردة في مخرجاته ووثائقه النهائية ؛ خصوصاً وقد جاء البيان الرئاسي متلافياً للثغرات الخطرة والفجوات المهلكة التي تضمنتها وثيقة الضمانات والتي تفتح باباً للأزمات ؛ ومجالاً للتأويلات ، ونافذةً ، بل ونوافذ ، لممكنات التفكيك ، ونوازع الانعزالية المقيتة ؛ وتطلعات الميليشيات الصاعدة والنخب المناطقية الصغيرة.

وتلافي أولاً: السمات الكونفيدرالية والمتمثلة بالمناصفة في الجيش بين شمال وجنوب ؛ بينما المفترض أن يكون الجيش مؤسسة سيادية وطنية ؛ وهو المعمول به في كل الدول الفيدرالية المركبة.

وإذا كان الجنوب ظُلِم ؛ وهذا صحيح ؛ فيفترض أن يتم معالجة ذلك بخارطة طريق كان ينبغي أن تنفذ في المرحلة الانتقالية ؛ أو يتم تنفيذها أو استكمالها.

وثانياً: وأحد سمات الكونفيدرالية هو حق الولايات في التحكم بالموارد السيادية النفطية والتعاقد مع الشركات الأجنبية بشأنه ؛ مع «استشارة» سلطات الإقليم والدولة الاتحادية وإعطائها «نسبة» !!

والأصل في الدولة الفيدرالية المركبة أن تكون الموارد السيادية من مسؤولية السلطة الاتحادية مع إعطاء نسبة محددة للإقليم، وإدارة هذه الموارد من قبل السلطة الإتحادية بطريقة عادلة تحقق التنمية المتوازنة لكل الأقاليم والمناطق.

ثالثاً: أن يتلافى الدستور الجديد ؛ الغموض في إقرار الهوية الوطنية والمواطنة في الدولة الجديدة، فالذهاب إلى تعديد حقوق الانتقال لليمنيين في بلدهم من إقليم إلى آخر وحصره بعدة نقاط مثل حق العمل والإقامة يحمل إيحاءات مخيفة وكأننا في دويلات مستقلة ؛ بينما كان المفترض أن تقر المواطنة ابتداءً وبدون لبس أو غموض، ذلك أن الشكل الفيدرالي لا يعني تقطيع أواصر الأخوة والمواطنة بين اليمنيين ؛ بل إن الأصل أن الدولة تسعى إلى زيادة فرص الاندماج والتلاحم بين أبناء الوطن الواحد ؛ سواء كانت دولة بسيطة أو دولة مركبة.

رابعاً: ما نحتاج إلى تلافيه في الدستور الجديد هو التمييز بين أبناء الوطن الواحد باسم إزالة الظلم عن البعض، فالنص على التقاسم في الوظيفة العامة يعتبر إخلالاً بالمواطنة والمساواة ولا يعالج ظلماً.

المظالم والإقصاءات تعالج بخارطة طريق انتقالية ؛ وليس بنصوص دستورية تثبت التمييز والتقاسم.

هذه بعض الأولويات أو نقاطها الرئيسية. أما الذهاب بإدارة هذه المرحلة بنفس معطيات السنتين الماضيتين فسوف يقطع «العِرْقْ» الحي المتبقي في روح هذه «البلدة الطيبة» والبلد السعيد.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى