[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

وكالة الاستطلاع القومي الأمريكية مثالاً عن حقيقة القاعدة باليمن

تحتاج النخب السياسية اليمنية إلى دورة تثقيفية لتحديث معلوماتها عن حجم ونشاط القاعدة ومدى اختراقها لأجهزة الدولة في اليمن. أقلها حتى تكف عن الاعتقاد الساذج أن القاعدة كذبة وغير موجودة في اليمن وأن قادة النظام أو جهاز الأمن السياسي أو القومي ال"مهلهلان" قادران على التلاعب بأجهزة بحجم وخبرة ومؤسسية الCIA والFBI ومكتب الأمن القومي ومكتب الاستطلاع القومي أو دلتا فورس وقيادة العمليات الخاصة المشتركة JSOC و113 مؤسسة أمنية واستخباراتية أمريكية.

إليكم مثالاً بسيطاً لإيضاح وإيصال الفكرة:
لدى مكتب الاستطلاع القومي الأمريكي أضخم جهاز كمبيوتر على مستوى العالم يدعى "ترانستلز" وهو مزودة بـ3 مليون جهاز تنصت. تستطيع هذه الآلة التنصت على لا أي بريد الكتروني حول العالم فحسب، وإنما على أية معلومات مشفرة ومحمية ضمن الرسائل الإلكترونية. إن أشد الملفات حماية وتشفيراً ولو بأكبر رقم تتمكن آلة من كسر شفرته خلال 6 دقائق فقط.

أحياناً العكس: تغفل هذه الآلة، وكل المؤسسات الأمريكية، والكمال لله، عن التقاط أبسط المعلومات وأقلها تعقيداً وتشفيراً كالرسالة المشفرة التي بعثها عبر الدردشة الإلكترونية اليمني رمزي بن الشبيه، متقمصاً دور فتاة ألمانية، إلى عشيقه الذي كان في الحقيقة المهندس المعماري المصري محمد عطا قبل 11 سبتمبر بشهور قليلة.

كانت رسالة مشفرة بذكاء وبساطة لا تخطر على بال: لقد تم استبدال أهداف تنظيم القاعدة داخل الولايات المتحدة بمسميات لجامعات وأكاديميات أمريكية. فبرجي التجارة العالمي استبدلا ب(كلية التخطيط العمراني) والبنتاجون ب(كلية الفنون الجميلة) وال19 شهادة جامعية (أي 19 استشهادي)

الظريف أن المحادثة التي بدأت "بكل شيء على ما يرام ووفق الخطة" انتهت بعبارة "تحياتي للبروفيسور" الذي لم يكن أحداً سوى أسامة بن لادن. نفس الشيء حدث عند اتصال محمد عطا برمزي بن الشيبه قبل 11 سبتمبر بأسبوعين فقط وكيف أطلعه عن طريق لغز سهل بموعد العملية الإرهابية!

قبل سنوات ثار الرأي العام الأمريكي على"ترانستلز" مكتب الاستطلاع القومي بوصفه انتهاكاً لقيم الحرية الأمريكية وتعدياً قبيحاً على خصوصيات المواطنين وحرياتهم بدافع الأمن الوقائي والحرب على الإرهاب.

هناك تيار قوي في الولايات المتحدة، أبرز وجوهه المفكر نعوم تشومسكي، يميل إلى الاعتقاد بنظرية المؤامرة واتهام الإدارة الأمريكية، أو جناح الصقور فيها، بالتواطؤ مع القاعدة وتضليل الرأي العام الأمريكي. في اليمن أيضاً هناك تيار مشابه يميل إلى الاعتقاد بنظرية المؤامرة واتهام نظام صالح بالتواطؤ مع القاعدة على أن الفرق بينهما كبير. فالتيار الأمريكي عقلاني ومنطقي إلى حد كبير بينما اليمني غوغائي وسطحي. ذلك يسند اتهاماته بالأدلة الداغمة والاستنتاجات المنطقية وهذا يسنده اتهاماته ب"كلام" مقايل والتنجيم السياسي.

اليوم كل الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة الأمريكية سواء الCIA والFBI ومكتب الأمن القومي ودلتا فورس (وحدة مكافحة الإرهاب) ومحطة ألك (وحدة تعقب بن لادن سابقاً) وقيادة العمليات الخاصة المشتركة JSOC وغيرها جميعها تعتمد، بشكل حيوي، على سيل المعلومات والتحليلات الاستخباراتية المتدفقة، يومياً، من مكتب الاستطلاع القومي. ومعلوم أن جميع الأجهزة والوحدات الأمنية في أمريكا تكاملية الأداء والتنسيق خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر. مثلاً وحدة مكافحة الإرهاب في الCIA تضم عملاء ممثلين عن الFBI وهكذا في جميع الوحدات والأجهزة.

بمحض الصدفة قرأت معلومة مفزعة: يخضع موظفي مكتب الاستطلاع القومي كل يوم عند دخولهم مقر الوكالة لفحص أمني شديد الموثوقية والأمان لكنه باهظ التكلفة: توضع قطنة تحت لسان العميل وبعد ثوان تأخذ القطنة المبللة باللعاب بملقاط ثم توضع في جهاز اختبار صغير للتأكد من هوية العميل عبر فحص الحمض النووي DNA من خلال لعابه. حتى هذه اللحظة لم أصدق هذه المعلومة الصحيحة. إن هذا الاختبار الأمني اليومي يكلف مكتب الاستطلاع القومي، ذي الـ10 ألف موظف، سنوياً 4 مليار دولار.

تخيلوا وكالة استخبارات تنفق 4 مليار دولار سنوياً للتأكد من هوية موظفيها فقط إلى أي مدى ستثق بمعلومات أجهزة الاستخبارات العربية أو اليمنية؟

زر الذهاب إلى الأعلى