ينطلق المرحبون بحسن نية بالقرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن 2140 بفرض عقوبات ووضع اليمن تحت مقصلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.. ينطلقون من افتراضات ومعلومات خاطئة مصنوعة بعناية ترسخت في مراحل متعددة حتى أصبحت تبدو للبعض كمسلمات، وهناك بعض آخر تحت تأثير الإعلام لا يقدر المخاطر المدمرة الناتجة عن التدخل الدولي.
من هذه الافتراضات أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح يعرقل عمل الرئيس هادي والحكومة الانتقالية. وأن الرئيس السابق أو بعض التابعين له يقفون وراء أعمال التخريب التي تستهدف النفط والكهرباء وغير ذلك. وأن أفراد النظام السابق يتآمرون على قلب الحكومة وهادي ويسعون للعودة إلى الحكم.. وأن لدى صالح ورجال نظامه أموال كبيرة في البنوك الدولية، استعادتها ستمثل انعاشاً للاقتصاد.
وبداية؛ في فترة ما، ببدء المرحلة الانتقالية كنت أحد من يعتقدون بالعديد من هذه الأطروحات أو الافتراضات... ولكن بعد تعمق ومتابعة وبعد التطورات التي شهدناها الفترة الماضية.. تبددت الكثير منها لهذه الأسباب:
أولاً. أكدت الأحداث والتطورات أن الرئيس هادي ومن معه من القادة والوصاة يمهدون لتقسيم اليمن ويتواطأون مع الجماعات المسلحة التي تتوسع شمالاً وجنوباً.
ثانياً. أكدت الوقائع والأحداث والتطورات أن الرئيس هادي هو الأقوى في السلطة وفي الأجهزة الأمنية والعسكرية وأن السلطة بيده وأنه يصدر قرارات بتعيينات لا تخدم المصلحة العامة بقدر ما تؤكد أنه قوي بالفعل ومتواطئ مع ما يجري.
ثالثاً. أكدت الكثير من الشواهد والأحداث والتطورات الداخلية والخارجية أن الوصاية في اليمن والقيادة الانتقالية هي الأقوى وأن لها علاقة مباشرة فيما يجري من عمليات تخريبية وتوسع للجماعات المسلحة وهجمات ضد الجيش والامن وغير ذلك. وما يعزز ذلك هو السكوت والتواطؤ مع هذا التوسع وهذه الاستهدافات..
**
عندها يتضح أن النظام السابق شماعة... لأن تواطؤ من في السلطة والوصاية هو تأكيد أن هذه الجماعات والتخريبات هي مشروع مدعوم من هذا الطرف وليس النظام السابق. ولو كان ما يجري من النظام السابق لوجدنا السلطة والوصاية تقاوم هذا الانتشار.
ولأن هادي أصبح قوياً بالفعل واستطاع أن يقرر تقسيم البلاد وليس مجرد تغيير قيادات، ولأن هجمات التخريب تستهدف مصالح الشعب فإنه يمكن أن يقف الناس بقوة مع أي قرار يتخذه هادي ضد المسؤولين عن هذه الهجمات.. ولأنه من بديهيات عمل الدولة أنها تعلم بمن وراء أعمال التخريب وتعلم الكثير.. فهذا يعني أن التعليق على النظام السابق "شماعة".. وإلا فليعلنوا..
عندما تعلم أن هؤلاء يمزقون اليمن ويقفزون به إلى الصوملة ، عندها تيقن أن هؤلاء ليسوا حريصين على الشعب اليمني ليعيدوا له مالاً منهوباً. وعندما تعرف طبيعة وتجارب النظام الدولي تيقن أن المبالغ التي يتحدثون عنها أرقام فيها مبالغة وتهدف إلى تتويه الرأي العام عن القضايا الخطيرة التي تجري بالتمزيق وذبح البلاد وتدمير المؤسسات..
عندما تتابع الأوضاع في ليبيا وعندما تعود لأرشيف الأحداث في العراق تتأكد أن ما يتردد في اليمن يكاد يكون نسخة مطابقة من بعض ما تفعله القوى الدولية عندما تخترق بلداً.. فأين القذافي في ليبيا التي تشهد أحداثاً مشابهة لليمن؟. ومن الذي تواطأ مع الحوثي في عمران؟ ومن الذي يسكت على الهجمات على الجيش..؟
أين أموال مبارك؟ أين أموال صدام؟
أما وقد صدر القرار الدولي تحت البند السابع فاطلبوا منهم أن يعلنوا المسؤولين عن الهجمات والأعمال التخريبية؟ لكن ذلك لن يحدث، وسيجري استخدام هذا القرار لابتزاز كافة القوى ودعم جماعات العنف والتخريب ومحاصرة البلد اقتصاديا. فالذي يُدمر هو الوصاية غير المباشرة التي سيصبح الوطن مستباحاً لها بهذا القرار لترتفع أعمال التخريب ويتدهور وضع الدولة.. وهذا هو المتوقع من هذه الدول..
ومن المتوقع أن يسعى المقررون لتفجير الوضع ثم يأتون كمنقذين وفقاً للفصل السابع..
***
هناك من يسكت عن القرار لأنه لا يقدر المخاطر المدمرة الناتجة عن جعل اليمن مستباحاً للقوى الدولية وتسليم مستقبل اليمنيين إلى الجزارين الدوليين الذين ذبحوا 3.5 مليون عراقي والذين استباحوا العديد من البلدان الأفريقية وجعلوها تحت رحمة الإيدز والحروب المستدامة.. والذين قتلوا 5 مليون في فيتنام وقتلوا عشرات الملايين في آسيا وأمريكا الوسطى وغيرها. وما خطورة وضع رقاب 25 مليون يمني تحت مقصلة هؤلاء الُمجربين.. الذين يريدون للناس أن يموتوا جوعاً وحرباً خلال الفترة القادمة؟.
يقولون: عرقلة التسوية! أي تسوية يتحدثون عنها؟ تم نقل السلطة وتنفذت المبادرة الخليجية، فما الذي بقي غير المرحلة التي مددها جمال بنعمر عبر الحوار من أجل التقسيم وتخريب الدولة؟ أي تسوية قادمة هذه وفق مخرجات مؤتمر الحوار بمناصفة المناصب في السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية على أساس شمال وجنوب، وما يترتب على ذلك من فساد وإقصاء وإجحاف؟ ومساواة 20 مليون في الشمال بحو إلى 6 مليون في الجنوب، وما يمنحه هذا من شعور يؤثر سلبياً على الجميع.
ما الذي في المرحلة القادمة سيمنع مجلس الأمن عرقلته؟ غير تقسيم اليمن إلى عشرات الحكومات ثم لا تجد نفقات تشغيلية فيكون البلد مهدداً بانهيار سياسي وإداري لما تبقى من الدولة.. لأن الميزانية لا تكفي لإدارة دولة اتحادية.. والنعرات تتصاعد.. والجماعات المسلحة تتوسع ومؤسسات الدولة تهرول إلى الوراء.
من منا لا يعلم أن التدخلات الخارجية تزيد الهجمات الإرهابية؟ فبقدر التدخل الدولي يتحول الوطن إلى ساحة لمجموعات متطرفة تدار من دون علمها...؟ وبهذا تقول التجارب.
من الذي لا يعلم أن جماعة الحوثيين مسكوت عن توسعها من قبل الغرب مهما فعلت ومهما نادت؟ لأن هذا النوع مصنوع ومشجع خارجياً ليكون أداة لفتنة طائفية وإذا كان هناك 10% نية لنزع سلاح جماعة مسلحة ما تُرك لها أن تتوسع ولا تم تدمير المؤسسات العسكرية بهيكلة غربية ومناصفة في المناصب يترتب عليها دمار وانهيار.. وحرب نفسية بسبب السماح للأصوات المدمرة بالتصاعد والسكوت عن تساقط أرواح الجنود وتفجير رؤوس الضباط بالاغتيالات.
من الذي اعطاه الله سمعاً وبصراً يتوقع خيراً ممن دمروا العراق وسكتوا عن قتل عشرات الآلاف في سوريا ودمروا الصومال.. مذ متى كان مجلس الأمن مصدراً للأمن والإنصاف؟ لماذا أجمعوا على الفصل السابع فيما يخص اليمن ورفضوا أن يتخذ في سوريا؟ لأنهم يريدون منه سورنة اليمن ولأنهم وصلوا لخارطة اقتسامه وليس إنقاذه من معرقلين وهميين.. يعرقلون ماذا؟
ما هو برنامج هادي؟ اقرأوا مخرجات مؤتمر الحوار وستجدون أنها خارطة طريق إلى دمار وحروب لا يعلم نهايتها إلا الله.. لأنها وبأبسط المعايير وأقربها بما يخص الاقتصاد من سابع المستحيلات أن توجد دولة اتحادية يمنية على المدى القريب.. وإنما قفزة إلى الفوضى.
ونسأل الله أن يجنب بلادنا كوارث هذا المسار.