أرشيف الرأي

قرار أممي يصادر حق اليمنيين في اختيار حكامهم وتقرير مصيرهم

قرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي يكرس وضع اليمن تحت البند السابع، وبالتالي تحت ‏رحمة عواصم عربية وغربية، يستهدف مبدئيا غرضين:‏
‏- ردم الفجوة في الشرعية الناجمة عن انقلاب الرئيس المؤقت هادي والمكونات الحزبية ‏‏(وبخاصة المؤتمر والاصلاح والاشتراكي والناصري) على الإرادة الشعبية. القرار يعوض ‏انعدام شرعية هادي وحكومة الوفاق (الشقاق والنفاق الحزبي) والبرلمان والسلطات المحلية، ‏بشرعية البند السابع. هكذا صار لليمنيين سلطة أمر واقع تتغول على الشعب بمجلس الأمن ‏الذي ترتهن إليه؛

‏- إضفاء شرعية على بعض مخرجات حوار جرى في فندق 5 نجوم بين 560 يمنيا لم ‏ينتخبهم الشعب اليمني ليقرروا مستقبله، بل تم اختيارهم من قبل النحبة الفاسدة في صنعاء. من ‏هذه المخرجات يمكن الإشارة هنا إلى وثيقة ضمانات تنفيذ المخرجات (وثيقة خيانة الإرادة ‏الشعبية)، وتقسيم الدولة اليمنية إلى 6 دويلات وفق معايير مذهبية ومناطقية. مجلس الأمن ‏الدولي يعزز بقراره العنصري هذا، فرضية وجود دوافع دولية (واشنطن ولندن أساسا) وراء ‏تفكيك الدولة اليمنية وتقويض الجماعة الوطنية اليمنية.‏

‏***‏
يجيء القرار الدولي في ظل انقسامات حادة في اليمن، راسية أكثر منها أفقية، ليخدم رئيسا ‏ثبت خلال العامين الماضيين أنه لا يحمل رؤية واضحة وطموحة لبلده.‏ باستثناء مشروع التفكيك والتفتيت، باسم الفدرالية، الذي صار "عقيدة" الرئيس وحفنة ‏الحزبيين الفاسدين الذي يتحلقون حوله، يلوح الرئيس المؤقت عاجزا عن الوفاء بمسؤولياته ‏كرئيس أمر واقع يحظى بمباركة الخارج. الرجل الذي عقدت عليه الآمال من الناس العاديين ‏قبل عامين يتموضع الآن باعتباره أكبر مضخة يأس في اليمن. لا يفتأ من موقعه الخطير عن ‏التباؤس وإبداء انعدام الحيلة وبث اليأس بين مواطنيه.‏

ما يفعله هادي هو ضرب فكرة الدولة ليل نهار، بالتوازي مع صعوده كمركز نفوذ جديد في ‏اليمن. في سلوكه وأدائه وخطابه هو أبعد ما يكون عن رجل الدولة وأقرب ما يكون إلى مركز ‏قوة. يكفي رصد ما يفعله في الجنوب للتدليل على أن هادي لا يتحلى بشخصية رجل الدولة بل ‏يقارب الملف الجنوبي بكل تعقيداته كمنافس محلي غادر كرسي الرئاسة في صنعاء مدججا ‏بوسائل القوة العارية (سلاح ومال وعصبيات) ليخوض منازلات ضد منافسين محليين.‏

‏***‏
القرار الدولي له مفاعيله الخطيرة على اليمن. فهو يشجع "حكم اللصوص" في صنعاء على ‏المضي قدما في تغيير طبيعة الدولة اليمنية من دولة بسيطة إلى دولة مركبة. أي يشجع ‏‏"الانقلابيين" المتدثرين بالثورة والوحدة والديمقراطية والحوار، على فعل "الخوارق" واجتراح ‏المعجزات، مهما كانت التضحيات.‏

أي قارئ سياسة أو فاعل سياسي حديث التجربة، يعرف أن الوصفة الفدرالية التي ينص ‏عليها القرار الأممي قبل أن يقول اليمنيون كلمتهم، ستفتك ب"المريض اليماني" الذي تعمل فيه ‏مشارط القوى المحلية والاقليمية والدولية تمزيقا وتقطيعا وتمثيلا لكأنه جثة ميت مجهول ‏الهوية صارت موضوع تعلم وموضع تجريب في مشرحة كلية الطب.‏

لا أحد يجرب في كيان دولة إلا من كان سياسيا يعاني من مركبات نقص فيجرب حظه في ‏دولته وشعبه طلبا للعظمة، أو جربيا معتوها حملته موجة ثورية إلى السلطة فاستطاب سكناها ‏وشرع بتشييد التحصينات المانعة لتكرار الموجة.‏
صفوة القول إن تمزيق الشعب اليمني وسوقه إلى معازل طائفية ومناطقية وقبلية، هو ‏‏"المشترك" الجديد برئاسة هادي.‏

‏***‏
الشعب اليمني يتعرض لأخطر انتهاك في تاريخه، انتهاك مزدوج؛ فالقرار الدولي يصادر ‏حقه في التعبير عن إرادته حيال "حكم اللصوص" (لصوص الثروات والثورات، جنوبها ‏وشمالها)، بإضفاء الشرعية على سلطة عارية من أية شرعية، ثم يصادر حق الشعب اليمني ‏في تقرير مصيره ومستقبله عبر إضفاء شرعية على مخرجات (مشيئة) عصابة اللصوص ‏التي تم مباركتها من قبل شعب موفنبيك الصديق الذي لا يتجاوز عدد سكانه الـ560 نسمة.‏

‏***‏
سيجربون في شعبهم ودولتهم مستقوين، كما يفعل الخونة عبر التاريخ، بالأجنبي. لكن ‏الأوهام والمعجزات لا مكان لها في السياسة إلا إذا تنزلت على هيئة حروب وفتن وفوضى ‏عارمة.‏

‏***‏
أمام اليمنيين خياران: دفع ضريبة صناعة الإجماع التي بدأت في موفنبيك، الآن، ‏بالاعتراض وإسقاط المعجزة "العمرية" (نسبة إلى مروج المعجزة اليمنية جمال بنعمر)؛ أو ‏دفعها لاحقا وقد تضاعفت مئات المرات، بعد أن يجرب فيهم الطائفيون والمناطقيون وتجار ‏الوطنية في الهيئات الحزبية، مشاريعهم الفدرالية.‏

زر الذهاب إلى الأعلى