يبدو أن «الورقة الحوثية» غدت المفتاح الأساسي للحياة السياسية والمسار الراهن ؛ باستخدامها القوة والعنف كأداة رئيسية ، وبتخصصها التاريخي بالهيمنة على قبائل الهضبة العليا، وبتقاطعات المصالح بينها وبين أكثر من طرف ولاعب سياسي ، وليس فقط الرئيس السابق ومؤتمره.
الفتح المبين هذا الأسبوع لمنطقة همدان يمثل «الاقتحام» الأول لمنطقة قبلية بعد القرار الدولي 2140 ؛ وهو تطور اقترب بمجاميع الحوثي المسلحة إلى مسافة كيلومترات قليلة من قلب العاصمة صنعاء ، ذلك أن شملان وهمدان تكاد أن تكون كلها جزءاً من صنعاء العاصمة وليس المحافظة.
أتذكر حين صدر القرار الدولي قبل أسبوعين من الآن، كان صديقي المتحمس للقرار يكاد يقف ويزغرد فرحاً بصدوره. وحين اشتد النقاش بين مؤيد يبرر للقرار ومعارض يعدد أخطاره على اليمن ، قفز المتحمس المزغرد قائلاً: إن المعرقلين يرتعدون من الخوف لمجرد سماعهم بالقرار الأممي ، وإن الكهرباء عادت ، وعفاش صمت ، والحوثي خفت!!.
كان المتحمس للقرار الدولي مندفعاً ليحصر كل تبريراته ، بضرورة معاقبة المعرقلين وعلى رأسهم «برأيه» الرئيس السابق وجماعة الحوثي المسلحة التي تتوسع بالقوة ، وكلاهما متمازجان في تحالف قائم على الأرض في المناطق القبلية منذ بداية المرحلة الانتقالية ، ويقال إنه يمتد إلى مسافة زمنية أكبر من ذلك بكثير ، وتحديداً من منتصف التسعينيات ، وكذلك التحالف المضمر في تكتيكات حروب صعدة الست في بُعدها السياسي كحرب بين طرفين في السلطة أيضاً.
قلت لصديقي المتحمس: إن القرار لا يستهدف المعرقلين ، ولن يلتفت للرئيس السابق ، فلو أنهم أرادوا معاقبته لكانوا فعلوا ذلك خلال العامين الانتقاليين ، استناداً إلى شرعية المبادرة وآليتها المزمنة ، والوضع القائم ، وشرعية السلطة الانتقالية. لكنهم لا يستهدفون صالحاً ، الذي خدمهم في السلطة وخارجها.
ولو أنهم يريدون القرار لاستهداف الحوثي لما احتاجوا إليه ، ولكفاهم اندفاعه لاستخدام القوة والعنف في إشعال حرب مذهبية أهلية تمتد من الحدود السعودية إلى مشارف العاصمة ، ولو أرادوا لأوقفوه .
ولو أنهم عملوا حساب كلفوت وخبطاته، لما احتاجوا إلى الفصل السابع، ولأطلقوا نحوه بصواريخ الطائرات من دون طيار.
الآن عاد الحوثي لمسلسله في إسقاط المناطق ، وتنفس صالح الصعداء ، وعادت الكهرباء لسباتها بشكل مضاعف عما كان قبل القرار الدولي والفصل السابع.
القرار 2141 لا يستهدف المعرقلين في المرحلة السابقة ، وإنما يمثل ضمانة أممية لتمرير السيناريو المرسوم لليمن ، واتخاذه ذريعة لمواجهة كل رافض لهذا السيناريو الدولي المجهول.
نعود إلى التطورات الأخيرة على مشارف العاصمة صنعاء لنحاول فك اللغز الحوثي الذي ينظر إليه الكثيرون باعتباره حالة مبهمة ، في ظل توسعه المتسارع، والذي يترافق مع صمت الحكومة، وكأن الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد.
يجمع الرئيس السابق علي صالح ومنظومته ، والتيار الحوثي وعصبته ، في أن كليهما حريصان على تجنب نهاية هيمنة الهضبة القبلية على سلطة الدولة في اليمن.
ذلك أن الحليفين اللدودين يجمعهما تمثيل هيمنة الهضبة القبلية بشقيها ؛ الديني المذهبي الذي مثله الأئمة ؛ والمذهبية السياسية المستندة إلى العصبوية القبلية التي مثلها نظام علي صالح.
إنهما «الطرفان ؛ الصالحي والحوثي» يعتبران وجود رئيس لليمن من خارج الهضبة يقيم في صنعاء ؛ خطأً لابد من تصحيحه.
ويستغل هاذان الطرفان تشكل حالة عداء غير مسبوق في المنطقة ضد الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية القريبة منهم .
حالة الاستقطاب التي تمتد من القاهرة إلى الرياض إلى صنعاء، مستهدفةً اجتثاث الإخوان وشيطنتهم ، لا يستبعد أن تكون المزاج الداعم الذي حرك القرار 2140؛ بحيث يكون الهدف المعلن هو المعرقلون ، بينما المطلوب المضمر هو رأس الإخوان.
ويتكامل هذا الافتراض في استهداف رأس «الإخوان» مع صمت الحكومة وعدم مبالاتها بتمدد وتوسع تيار مذهبي مسلح يخوض معاركه بجميع أنواع الأسلحة من الحدود إلى مشارف العاصمة.
وكل فراغ سوف يستدعي من يملأه، وقد ملأه هنا التيار الحوثي ، ونفوذ «الزعيم» الذي يتفوق على الحوثي بمراحل في المناطق المحيطة بالعاصمة صنعاء.
وكلا الحليفين يستهدفان رأس اليمن ، وإن مرا فوق رأس الإخوان لاعتبارات الثأر من قبل الرئيس السابق ، والعداء الأيديولوجي من قبل التيار الحوثي.
وإذا ما اكتملت كل هذه المعطيات بالضوء الأخضر من المجتمع الدولي الذي يضع يديه فوق عينيه عندما يتعلق الأمر بالسيد وميليشياته المسلحة ؛ يكون عندها من حقنا أن نصف حالة الحوثي المتمازجة بنفوذ “ الزعيم الجمالي “ ؛ باللغز الصعب !! .. وأن تتملكنا الحيرة والوساوس ؛ متسائلين بجد : أين تنتهي قصة الحوثي يا حكومتنا الرشيدة !؟.