لا أحد في سلطة الأمر الواقع وفروعها في المحليات والأحزاب يستذكر القانون عند الحديث عن التطورات الخطيرة في مديرية همدان.
كان الحال كذلك في ربيع 2004 (قبل 10 سنوات). فقد خرجت القوات إلى مران في صعدة دون أي غطاء قانوني للقبض على مؤسس "جماعة الشعار" التي صارت "جماعة الحوثيين" نسبة إلى المؤسس، قبل أن تتخذ مؤخرا اسما مفعم باليقينية هو "أنصار الله".
***
الدلالة هنا هي أن القانون هو الغائب الأكبر في "عقل" السلطة والأحزاب والصحافة. هو "العصا الاحتياطية" أو "الأداة التجميلية" التي يتم اللجوء إليها بعد التمثيل بالضحايا.
***
بالمثل يتم التعامل مع الجيش الذي يريده البعض أداة داخلية في الصراعات السياسية والقبلية. بل إن هذا الجيش بفعل التجريف الذي لحق به على مدى عقود خصوصا بعد حرب 1994، صار أقرب ما يكون إلى اقطاعيات تتبع أمراء حرب، أو وكالات خاصة لتأمين المسؤولين، أو شركات حراسة للمستثمرين الأجانب لقاء أجر!
***
الجيش في أي بلد مؤسسة ضامنة فوق سياسية حتى وهي تأتمر لرئيس مدني. هو أيضا مؤسسة إدماجية بمعنى صهر كل الانتماءات المناطقية والعرقية والطائفية في بوتقته كي لا تكون فتنة في البلد.
بيد انه في الحالة اليمنية ظل عبر العقود _ مع استثناءات في فواصل زمنية قصيرة_ كان عنوانا للفُرقة _ وللفِرقة أيضا_ وتذكرة بالغلبة، ووعيدا بالقهر.
الهيكلة التي صارت عنوانا جديدا لتبجيل منجزات السلطة الانتقالية، لم تكن لتعالج التشوهات الظاهرة في بنية هذا الجيش (الطاحن والمطحون) ذلك لأنها قامت على اعتبارات غير وطنية (حزبية وشخصية ومناطقية) الحقت تشوهات جديدة تنسب إلى هذا العهد. بدلا من إعادة تعريف عقيدة هذه الجيش وتعيين موقعه في الدولة وداخل النظام السياسي، انغمس الرئيس المؤقت وحلفاؤه في عملية فوضوية لغرض تأمين سلطتهم على حسب أمن الدولة والمجتمع.
وها نحن نرى!
***
في ظرف شديد الحساسية كهذا الذي تعبره اليمن إلى "المجهول"، يتوجب القول مجددا ودائما بإن المدخل إلى إنقاذ اليمن من الاقتتال في همدان وما بعد همدان وفي الضالع وحضرموت، هو سياسي أولا. على الرئيس المؤقت وسلطة "المبادرة" ثم سلطة "الفصل السابع"، التنبه إلى المترتبات الخطيرة على انكشاف الشرعية، شرعية الوضع القائم الذي هو أقرب ما يكون إلى شرعية القوة الغاصبة المسنودة من الخارج. هذا الانكشاف الذي لا يعترف به مستشارو الرئيس المؤقت، يستدعي صيغة جديدة للمرحلة الانتقالية (اتفاق سياسي) تكفل أكبر قدر من الإجماع بدلا من الاستمرار في وهم "الإجماع" الذي يتغنى به "هادي وشركاؤه" في صنعاء بينما تشتعل الحرائق في كل بقعة يمنية.
***
الشرعية أولا وبعدها يكون للسياسة محل من "الإعراب" و"الأعراب" ثم القانون وأدوات تنفيذه، ووقتها يمكن التفكير في الجيش كأداة قهرية أخيرة لتأمين المجتمع.
لا نريد أحدا من المحرضين الآن على إقجام الجيش في الصراعات السياسية والاجتماعية أن يطلع علينا بعد 10 سنوات ليتلو اعتذارا بالإصالة والنيابة عن الشعب المقهور، لضحايا الحروب الجديدة.
لا يجب السماح بالقتل أو الاقتتال أو التحريض عليهما لكي نسمع الأبطال الأبديون يتلون اعتذارات جديدة بعد 10 سنوات أو 20 سنة، كما فعلوا قبل عدة أشهر باعتذارهم اللفظي (والعبثي من أسف) عن حرب 94 وحروب صعدة الـ6.