يحرص كثير ممن يشاركون في الندوات الفكرية والسياسية على تسجيل آرائهم وملاحظاتهم وأن يقدموها مكتوبة حتى لا يسرح بهم الخيال والارتجال بعيداً عن الموضوع المطروح للنقاش، وربما كنت واحداً من هؤلاء الذين لا يحبذون الارتجال. وكان هذا شأني في الندوة الفكرية الأخيرة التي أقامها منتدى الفكر وتنمية الحريات حول موضوع نظام الأقاليم وقد حرصت أن تكون كلمتي الافتتاحية مكتوبة ومطبوعة، ومع ذلك فقد حدث أن تناولتها بعض وسائل الإعلام المحلية بشيء من التحريف المقصود أو غير المقصود ونتج عن ذلك خروج طفيف عن سياق ما أردته وما أنا مؤمن به. ولذلك وتوضيحاً للبس الذي حدث أنشر هنا بعض الكلمة بحذافيرها دون زيادة أو نقصان وهي:
"في هذا الوقت الصعب الذي يكاد يختلط فيه الحابل بالنابل وتبدو الرؤية على درجة عالية من عدم الوضوح. لا أشك في أنكم جميعاً تشاركونني الشعور بأن النخب السياسية في هذه البلاد وفي غيرها من الأقطار العربية تعاني مما يمكن تسميته بحالة نقص في المناعة الوطنية، وأن الانسياق الأعمى وراء دعوات التفتيت والتفكيك صار عاماً وشاملاً حتى لدى أولئك الذين رضعوا حلم الوحدة العربية، وكانوا طلائعها النقية في أشد الظروف انعزالية وانكفاءً. وإذا كان هذا هو موقف النخبة فكيف يكون حال العامة وفيهم غالبية منساقة وراء صوت التفكك والتفسخ! والمرعب في هذا الشأن والباعث على الخوف أن هذا الاتجاه التفتيتي أصبح هدفاً لكثيرٍ من السياسيين وكأنه الرد الوحيد الممكن لمواجهة أنظمة الاستبداد والمركزية التسلطية.
وأود في هذه الإشارات أن اختزل وجهة نظري الخاصة تجاه الاقاليم التي أصبحت حديث كل الناس، فقد كنت ومازلت أرى وأتمنى أن يكون كل إقليم من الأقاليم المقترحة محافظة كبيرة أو موسعة وقادرة على مواجهة آثار المركزية التسلطية، وليست دويلات مستقلة ذات حدود وأعلام وشعارات. كما أنني أعتقد أن تسمية الجمهورية اليمنية بالجمهورية الاتحادية تأتي رفضاً صريحاً وواضحاً للفيدرالية، ودعماً لمفهوم الوحدة التي كانت وما تزال وستبقى هدفاً وطنياً عظيماً وإنجازاً تاريخياً لا يمكن التشكيك في جوهره أو المساس بثوابته السياسية والاجتماعية. ولا أنسى في هذا الصدد أن الدول المنقسمة عرقياً وتاريخياً إنما هي التي تتحول من الانفصال إلى الفيدرالية، وليس في علمي وجودٌ للعكس أي أن تتحول دولة موحدة عرقياً وتاريخياً إلى الفدرالية لما يشكله ذلك في وجدان المواطن من انكسار حاد وشعور بانطفاء الأحلام".
ذلك هو نص الكلمة التي حدث في تناولها الإعلامي بعض التحريف. ولعل ما يتوجب علينا الآن أن ندرك أن الأقاليم ليست دويلات بل تقسيمات إدارية جديدة، وأن الجمهورية الاتحادية نقيض تام للفيدرالية التي حاول البعض الترويج لها مع أنها تتصادم ولا تتفق مع ما كانوا ينادون به كما تتعارض مع تاريخهم ومواقفهم النضالية الوطنية والقومية. وخلاصة القول إننا إذا كنا قد عجزنا عن تحقيق الهدف الكبير على مستوى الأمة فلا يجوز أن تتخلى عن الهدف الصغير داخل الوطن الذي كان وسيبقى جزءاً من الوطن الكبير.
الشاعرة عايشة المحرابي في ديوانها الثاني:
المثابرة والتواصل مع الشعر بكل أشكاله هو الطريق إلى الإبداع وهذا ما تؤكده النصوص الإبداعية للشاعرة الموهوبة عايشة المحرابي في ديوانها الأول "سيد المساء" كما في ديونها الثاني "ويتنفس الأقحوان". ويستطيع القارئ المتابع للشعر أن يدرك مدى التطور الذي حققته الشاعرة في جديدها الشعري. للديوان مقدمة متميزة بقلم الدكتور إبراهيم أبو طالب. والديوان من منشورات دار المكتبة اليمنية، ويقع في 114 صفحة من القطع المتوسط.
تأملات شعرية:
ما أغنانا عن تقليد الآخر
ومحاكاة الأغرابْ.
لنا في الموروث رصيدٌ
في التنظيم وفي التقسيم
وفي صون الأرض
وإنصاف الناسْ.
يا أخوتنا فوق كراسي الحكم
وخارجها
عودوا للشعب
هناك مناطُ الحكمةِ
وهناك تضيء قناديل الإحساسْ.