لا أظننا نستطيع القلق رغم جدية التحذير من خطر يربض على تخوم العاصمة الاتحادية المجمهرة (ديناً) والوشيكة على الوقوع في يد الجماعات الحوثية.
عملياً لا أرى في الأمر جديداً لأننا تعايشنا مع سقوط هذه العاصمة غدات جردت المدافعين عنها من ملابسهم وفرضت منطق التطبيع الإجباري على الانتهازية الثورية والإذعان للتداين السياسي وتسليم أغلبية السكان للعناوين الفرعية من إغواء الرهبنة إلى التشييع المذهبي والسلالي وهو المسار الذي تلبس جمهورية في علم الغيب ووحدة لأغراض الفيد.. وبالمحصلة لم تكف مطابخ (صنعاء) عن فرض عوامل حصار محكم يطوق اختيارات الرئيس هادي بمعامل فحص الجينات الوحدوية فلا يرى في رحاب اليمن الواسعة مكاناً عدا صنعاء عاصمة اتحادية تترنح تحت طائلة السقوط الذاتي بالجفاف وشحة الأكسجين أو الإسقاط في يد جماعات السلاح متعددة الإنحاء والأهواء والمشارب..
أثق تماماً أن مستقبل اليمن أبعد ما يكون عن تأثير العصبة التي يمثل الحوثي جناحها العسكري إذ لا شيء في العبودية ونزعة الإصطفاء السلالي يغري الشعوب الحرة على التشيع ولئن خذل الفقر والجهل بعض شرائح المجتمع اليمني فإن الفطرة كفيلة بتحرير المغرر بهم من شراك التشيع الأعمى وحتماً سيحس هؤلاء بمغص أمعائهم ويهرعون تباعاً للتخلص من فضلات الزاد الملوث وسيدرك هؤلاء أن الحرية وقيم المواطنة المتساوية أولى من النقود وأشرف من مباهلات السلاح.
وهنا يهيأ لي أن الحوثيين لن يكونوا خطراً محققاً من دون تيار الإسلام السياسي كما لم تكن مظلومية مسلحي صعدة لتكتمل من غير نرجسية رأس النظام السابق وقراراته المزاجية في إطلاق الحروب بهدف تغيير معادلات طارئة داخل وحدات الجيش إذ على مدى ستة مواجهات عسكرية – ميلاشاوية – كان ثمة وحدات بعينها تنفذ قرار الحرب وتلتزم لقرار وقف المواجهات حرماناً مما يعد نصراً وشيكاً وفي أقل تقدير لم نجد رواية أقرب للواقع من هذه!
الرئيس السابق عبّد الطريق أمام السيد حسين الحوثي للتحرك من مسقط رأسه في إحدى القرى النائية بمنطقة مران إلى مختلف مديريات وارجاء صعدة إما التجمع اليمني للإصلاح فلم يتوانى عن بناء جسر العبور التاريخي للانتقال من صعدة إلى محافظتي حجة والجوف ومنهما إلى محافظة عمران وصولاً نحو أرحب ومناطق أخرى على مرمى حجر من المطار الرسمي الأول للجمهورية اليمنية..
الإصلاحيون ملأوا ساحات التغيير وحلاً واستبداداً ويواصلون النضال للاحتفاظ بوزارتي المالية والكهرباء مهدرين فرصاً نادرة لتقديم نموذج عول به عليهم وما كان له أن يتسرب من بين الأصابع لولا جشع وأنانية ومخاتلات (شركاء) صالح وأعمدة نظامه خلال كان حاكماً والبراء منه – الآن – بنفس مصداقية التنصل من تنظيم الإخوان المسلمين!!
لست بصدد البحث عن مقررات جاهزة كالتي يدونها البعض على جدار الاستغاثات الملهوفة لإنقاذ الجمهورية ولكني أسأل إن كان لممارسات هذا – البعض – صلة بأهداف الثورة؟ وما إذا كان رهان الاستثمار في حكومة الفشل الفاضح والتفرغ لابتلاع كل شيء يحقق الفائدة المرجوة من ذبح الثورة بالطريقة الإسلامطيّة التي لا تتيح لأحد الوصول إلى استنتاجات مقبولة حول فداحة التراخي عن موآزرة الثورة طالما كان تجمع الإصلاح طرفاً في مواجهة الحوثيين!!
مشكلة اليمن ونكبتها في غياب الفكرة الحداثية أو بالإحرى المشروع الوطني الناضج وتسلل البدائل السيئة لملء الفراغات الناجمة عن ذلك الغياب لتأخذ سباقات الإنفراد بالسلطة مداها وفقاً لمرئيات الإثرة في توجهات الإخوان المسلمين ومغيبات الاستحقاق السلالي موصول العروة بمزاعم الولاية لدى الحوثيين.
وما دامت السلطة مركز الصراع فما من فرص مواتية أمام اليمنيين لبناء الدولة الوطنية حتى وإن أمعنت الآمال رهانها على مخرجات الحوار الوطني واشتدت الحاجة لخطوات ملموسة تترجمها إذ أن عملاً كهذا يتطلب تحرير متخذ القرار من سطوة وجاهزيات الإخوان والحوثيين؟؟ ومن يدري فربما التقيا على ذات الضرورة التي قادت الرئيس المصري السابق محمد مرسي نحو إيران ما لم تكن الدوحة أكثر الأماكن المألوفة لكليهما!! (وقد يجمع الله الشتيتين بعدما **** يظنان كل الظن أن لا تلاقيا)!
أسمع أن طوقاً أمنياً ضرب حول العاصمة اليمنية لكني أخشى سقوطها من الداخل سيما وأن حس المخاتلة يتفوق على طرائق الحبك القصصي لحصان طروادة!!
وإذا لم تنجز الخديعة هدف إسقاط العاصمة بفعل الحالة العارضة للاستنفار الأمني فإن مجمل المؤشرات تحنو وجهة السقوط عبر سياسات الإصلاح المهيمنة على أداء حكومة الوفاق ولا أدل على ذلك من تصريحات البنك المركزي عن تبديد مليار دولار من الاحتياطيات النقدية بالعملة الصعبة خلال العام الماضي ناهيك عن تراكم الدين الداخلي ومضاعفات القروض الخارجية..
وتبعاً لمعطيات سابقة فإن عوامل السقوط الاقتصادي تندرج ضمن منهج الرأسماليين الإخوانيين في تجمع الإصلاح ومساعيهم الحثيثة للاستيلاء على الأصول الثابتة للدولة.. ومتى أمكن ذلك تغدو معادلة التماثل بين دعاة الحق الإلهي من ناحية وذوي المستندات القانونية بتملك أصول الدولة وبنيتها المادية وجها عملة مستقبلية يتداولها يمنيون يفتقرون لدليل على كينونة اليمن؟