عند الحديث عن نزع السلاح الثقيل وتسليمه للدولة بعد اتفاق الجميع في مؤتمر الحوار على هذا القرار تتجه الأنظار إلى ترسانة السلاح الثقيل لدى جماعة الحوثي المسلحة خاصة بعد أن وقع مندوبيها في مؤتمر الحوار على قرار تسليم السلاح الثقيل للدولة.
قيادات في جماعة الحوثي عند سؤالهم في وسائل الإعلام هل ستسلمون أسلحتكم للدولة يردون على هذا السؤال بتبريرات عديدة منها أن " السلاح مشكلة يمنية عامة ولا تخص جماعة بعينها " و "كل الجماعات لديها أسلحة " وأننا "لسنا لوحدنا من يملك السلاح ومتى ما سلمت تلك الأطراف أسلحتها سلمنا”، وغيرها من التبريرات الواهية ومؤخرا أعلن السيد عبد الملك الحوثي رفضه تسليم السلاح على الأقل في هذه الفترة حيث قال : " نسمع الآن كثيرا من الكلام يدور عن نزع السلاح وعن مسائل أخرى.. يجب تحقيق المصالحة أولاً التي ستهيئ لأن يكون هناك مسار صحيح في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني " دون إيضاح أو تفصيل لماهية المسار الصحيح في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.
• من يمتلك السلاح الثقيل ؟!!
ومن وجهة نظري فإن هذه التصريحات والأحاديث هي في الحقيقة نوع من المغالطة فالحديث هنا عن تسليم السلاح للدولة يقصد به كما هو واضح " السلاح الثقيل " والذي هو : ( دبابات ومصفحات ومدافع وصواريخ ) فهل هذا السلاح الثقيل مشكلة عامة لدى أبناء اليمن جماعات وأفراد ؟!!
لا يختلف أحد معي على أن كثير من أبناء اليمن لديهم أسلحة ولكنها أسلحة شخصية ( مسدس آلي رشاش المعروف بالكلاشينكوف) في أغلب الأحوال ولا يمتلك أبناء اليمن دبابات أو مصفحات وصواريخ باستثناء مسلحو الحوثي وقد تمتلك أسر مشايخ أو قبائل كميات قليلة جدا منها ولكن تظل الترسانة الأكبر من الأسلحة الثقيلة لدى مليشيات الحوثي وقد نشرت وسائل إعلام يمنية وعربية تقارير موسع عنها وآخرها ما نشرته صحيفة " العرب الأردنية " حيث أشارت إلى أن ترسانة الأسلحة لدى جماعة الحوثي تزيد عن 42 دبابة متنوعة وصواريخ "الكاتيوشا"، و46 عربة مُدرَّعة، و81 مدفع ثقيل وخفيف، و122 مضادًا للطيران، و9 آلاف طلقة "آر بي جي"، و3 آلاف مقذوف دبابة، و9 آلاف معدل متنوعة.
والبعض يقول إن ترسانة مليشيات الحوثي من الأسلحة أكثر مما ينشر بكثير حتى إ توكل كرمان قالت مؤخرا أن الحوثي لديه 70 دبابة متطورة وهو ما دفع الحوثيين لشن حملة إعلامية ضدها كما ذكرت مصادر إعلامية في وقت سابق عن امتلاك جماعة الحوثي لعدد (35) دبابة وهو يساوي عدد المقاعد الذي تم إعطاؤها للجماعة في مؤتمر الحوار الوطني.
• ما ظهر من أسلحة الحوثي الثقيلة
وبغض النظر عن ما ينشر في وسائل الإعلام والتشكيك فيها أو تصديقها كحقيقة لا تقبل الشك فقد أصبحت أسلحة مليشيات الحوثي حقيقة مشاهدة لكثير من الناس في مناطق عديدة خاصة وأن هذه الأسلحة لم تعد في المخازن ولا في معسكرات مغلقة وإنما تتحرك ويشاهدها الناس بأعينهم وفي فيديوهات منشورة وتدك البيوت وتقتل الناس في كل الحروب التي خاضتها تخوضها مليشيات الحوثي مع القبائل وهذا ما ظهر من أسلحة مليشيات الحوثي أما الذي في المخازن السرية والمعسكرات المعروفة والسرية في صعدة ومناطق أخرى فلا يعلم عدده إلا الله ثم قادة مليشيات الحوثي فهل يمتلك حزب الإصلاح أو آل الأحمر دبابات كدبابات الحوثي التي حصل عليها أثناء الحروب مع الدولة بشتى السبل والوسائل أو تلك الأسلحة التي سلمها له الرئيس السابق صالح وآله أثناء أحداث الثورة الشبابية السلمية أو تلك الأسلحة التي سربها بعض القادة الذين ما يزالون حتى اليوم يديرون مؤسسات في الجيش ويشغلون وظائف كبار فيه للأسف الشديد ؟!!
• أسباب تمسك الحوثيين بالسلاح :
هناك أسباب كثيرة من وجهة نظري لتمسك الحوثيين بالسلاح ومن أهمها :
1 طموح زعيم جماعة الحوثي المسلحة لنيل كرسي السلطة واعتقاده بأن أقصر الطرق هو نيل السلطة بقوة السلاح ودخول العاصمة كفاتح في نظر جماعته وأنصاره ولذا يتمسك بالسلاح حتى إكمال هذه المهمة ولو بشكل متدرج ومرحلي.
2 ومن أسباب تمسك الحوثيين بالسلاح أن الجماعة المسلحة حققت كثير من المكاسب والتوسعات وسيطرت على صعدة ومناطق كثيرة بقوة السلاح ولذا يتخوف قادة الحوثيين من أن تسليمهم للسلاح وتحولهم لتيار سلمي سيفقدهم أداة التوسع والردع للخصوم وسيجعلهم أمام اختبار صعب حيث سيكون عليهم إيجاد مشاريع سلمية لكسب ثقة الناس ودعمهم وتأييدهم.
3 عدم اعتراف الجماعة وقناعتها بشرعية الدولة الحالية فهم يرون أنهم هم الدولة الحقيقية والشرعية وأن هذه السلطة هي مغتصبة من قبل الرئيس هادي وأن السلطة هي حق لهم حصري من عند الله كما صرح زعيمهم عبد الملك الحوثي في أكثر من مناسبة أما تعاملهم مع الرئيس هاجي والسلطة الحالية فهو من باب التكتيك المرحلي كأمر واقع.
4 تسعى جماعة الحوثي المسلحة للاحتفاظ بالسلاح بكل السبل والوسائل لكنها إن اضطرت لتسليمه أو لتسليم ما ظهر فستضع شروط كبيرة لهذا التسليم وستطلب امتيازات عديدة من قبيل توظيف ألاف من أعضاءها في السلك المدني والعسكري وحصة كبيرة في الحكومة وتعويضات وأشياء كثيرة جدا وقد ألمح إلى هذا زعيم جماعة الحوثي المسلحة عبد الملك الحوثي في خطاب له بثه تلفزيون المسيرة حيث قال : (نسمع الآن كثيرا من الكلام يدور عن نزع السلاح وعن مسائل أخرى.. يجب تحقيق المصالحة أولاً التي ستهيئ لأن يكون هناك مسار صحيح في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني).
5 يسعى قادة مليشيات الحوثي إلى مسابقة الزمن وفرض سيطرتهم بالسلاح على أكبر قدر من المناطق في إقليم آزال إن لم يكن الإقليم كاملا وذلك لكي يتولون إدارة هذا الإقليم والسيطرة عليه وأمام هذا الطموح فإن السلاح مطلوب لإنجاز المهمة وفرض سياسة أمر واقع في المناطق التي يستولون عليها.
6 يسعى الحوثيين إلى تصفية كل القوى القبلية التي وقفت في الماضي عائقا أمام توسعاتهم وطموحاتهم المستقبلية والانتقام بها منها بالقوة كما يسعون إلى الانتقام من بعض القوى والشخصيات الوطنية التي كان لها دور بارز في ثورة الشباب السلمية والتي أفضت إلى تنحي صالح عن السلطة وذلك خدمة لصالح وانتقام بالوكالة عنه نظير دعمه اللامحدود وخدماته الكبيرة لهم وإثبات لصدق تحالفهم معه.
7 وجود رغبة دولية أمريكية بأن يكون الحوثيين أداة أمريكاء لضرب وتصفية القوى الوطنية في اليمن والتي يسمونها " القوى التقليدية " والبداية بالقبائل اليمنية المعروفة والتي شكلت دوما سندا للقوى والتيارات الوطنية والعلماء ورجال الثورة منذ ثورة 26 سبتمبر وحتى ثورة الشباب السلمية مؤخرا وفي مقدمة هذه القبائل قبيلة حاشد وبكيل وأحلافهما وإن لم يقضى عليهم دفعة واحدة فالقصد أن يتم القضاء على مراكز القوة في هذه القبائل وإضعافها وإنهاك هذه القبائل إلى أقصى حد ممكن حتى لا تمثل قوة مؤثرة يمكن لها أن تعرقل تنفيذ مخرجات الحوار خصوصا تلك التي تعارض الشريعة الإسلامية والمصلحة الوطنية وتمكين النخبة الذين تربوا على يد سفارة أمريكا ومنظماتها " منظمات المجتمع المدني الممولة من أمريكا والدول الغربية "وموظفوها ومن يسيرون في ركابها وينفذون أجندتها ومشروعها..
8 ثقافة مليشيات الحوثي والذين يسمون أنفسهم " أنصار الله " و" المجاهدين " هذه الثقافة القتالية المتشبعة بثقافية المظلومية ونزعة الانتقام من يعتبرونهم عملاء وخونة وثقافة الاستئصال للآخر المخالف إضافة إلى ثقافة القبيلة في شمال اليمن والتي ترى بأن السلاح عز القبيلي وأن الرجل بلا سلاح عرضة للإهانة والذل ولذا كن لهذا العامل أيضا دورا في تمسك الحوثي بترسانة سلاح جماعته كما أن زعيم جماعة الحوثي عبد الملك بدر الدين نفسه يظهر في بعض الصور مرتديا سلاحه في إشارة للقوة والتمسك بالسلاح كثقافة قبلية راسخة.
9 التمسك بالسلاح الثقيل ورفض تسليمه للدولة والتوسع الحوثي بقوة السلاح هو أيضا رسالة لأطراف خارجية وإقليمية بأن مليشيات الحوثي تقوم بتصفية تيارات بعينها تعاديها هذه الأطراف بغية نيل دعمها المادي والمعنوي وهذا ما يفسر إصرار إعلام صالح على تصوير ما يحدث بأنه حرب بين الحوثيين والقبائل على أنه حرب بين الحوثيين والإخوان حتى تلتقط بعض الأطراف الإقليمية الإشارة وتقوم بدعم مليشيات الحوثي ماديا ومعنويا.
10 ضعف موقف الدولة تجاه قضية نزع سلاح مليشيات الحوثي وخضوعها لأطراف خارجية وداخلية تسعى لتمكين الحوثي وعدم نزع سلاحه بل وتمكين قادة عسكريين موالين لصالح وللحوثي من قيادة وحدات هامة في الجيش ولعل هذا ما يفسر حركة التعيينات الأخيرة لقادة موالين موالون لصالح حيث صرخ خبير عسكري بأن التعيينات الأخيرة في الجيش جاءت استجابة لضغوط خارجية وأنها ستعيد إنتاج نظام صالح وتمكن موالون له من إدارة مؤسسات هامة في الجيش وقيادة وحدات هامة فيه.
• مع نزع السلاح الثقيل من أي جماعة
وإذا كان مع الإصلاح أو أي حزب أو جماعة سلاح ثقيل فيجب أيضا تسليمه للدولة فنحن لسنا مع تسليم جماعة دون أخرى أسلحتها للدولة وإنما على الجميع أن ينصاع للقانون وأنا مع خروج لجان حتى لتفتيش مقرات الأحزاب ومصادرة أي سلاح ثقيل فيها حتى لا يقول الحوثيين أننا ضد سلاحهم فقط.
أدرك أن البعض يقولون أن آل الشيخ الأحمر قاتلوا في الحصبة وكان لديهم سلاح ثقيل وهذا صحيح ولكن هذا السلاح تم تسليمه للفرقة كما علمت وإذا بقي منه في أيديهم فيجب تسليمه للدولة فالقانون لا يسري على الحوثيين وحدهم وإنما يجب أن يطبق على الجميع.
وفي الوقت نفسه لا يمكننا أن نعطي عقولنا إجازة مفتوحة ونسمع للحوثيين وهم يقولون إن السلاح مشكلة عامة ويتناسون أن السلاح الثقيل ليس مشكلة عامة وإنما هم من يمتلك الكثير منه فقط فلا يعقل أن نطلب من أبناء اليمن تسليم آلياتهم " الكلاشنكوف ومسدساتهم وعصيهم لكي يسلم الحوثي الدبابات والمصفحات ؟!!
وعموما فالعبد لله ضد بقاء السلاح الثقيل في يد أي جهة أو جماعة أو أسرة أو تيار ، السلاح الثقيل يجب أن يبقى في معسكرات الجيش فقط لا غير ويجب أن يوجه لأعداء الوطن وليس لأبناء اليمن.
أنا مع نزول لجان محايدة للتفتيش في كل المناطق التي يشتبه ان فيها سلاح مع أي جماعة ومع أن يسلم الحوثي السلاح الثقيل للدولة وتسلم بقية الجماعة السلاح الثقيل إن وجد معها في آن واحد فهل يرضى بهذا ؟!!
• الحوثيون سيكسبون أكثر بالسلمية
الحوثيون يمكن أن يكسبوا بالمشروع السلمي أكثر مما يكسبون بالعنف والسلاح والموت وتسليمهم للسلاح الثقيل للدولة سيعطي الآخرون رسالة طمأنة كبيرة منهم فالناس أحرار من أراد أن يصبح مع جماعة الحوثي ومن أنصارها فهو حر ولكن بشكل سلمي لا يرفع السلاح في وجه أحد ولا أحد يعتدي عليه ويرفع السلاح في وجهه لا نريد أحد يقتل أحد أو يفجر بيته حقدا أو انتقاما لا نريد لمسجد أن يفجر ولا لمدرسة أن تفجر وتهدم هذه جرائم جسيمة والدولة يجب أن تحمي الطرقات وتمنع التقطعات وتحمي كل الناس مهما اختلفت توجهاتهم الفكرية والسياسية والمذهبية.
على الدولة حتى يعم الأمن والاستقرار والسلام في اليمن وحتى يشعر الناس بالأمان بالاطمئنان أن تنزع السلاح الثقيل من الجميع من أي جماعة ومن أي أسرة وتبقي للناس السلاح الشخصي فهو حق شخصي للدفاع عن النفس والعرض والمسدس والآلي الكلاشنكوف لن يستطيع أحد أن يفجر بهم مدرسة ولن يشر بهم قرى ولن يدمر بهم بيوت ويسن قانون على منع حمله والتجوال به في المدن والمناطق المأهولة في السكان وإنما هو سلاح شخصي في البيت فقط للحماية والحراسة.
مرة أخرى أؤكد على أن نزع الأسلحة الثقيلة وتسليمه للدولة يجب أن يقوم به الجميع وإن كان البعض يطالب جماعة الحوثي فهذا لأنها تمتلك أكبر ترسانة من السلاح الثقيل والنوعي والمتطور ولا يقارن سلاح أي جماعة بما تمتلكه هي وهذا للإنصاف والأمانة وللواقع فلو كانت قبائل عمران مثلا تمتلك سلاح يوازي سلاح الحوثيين ما تقدموا شبرا في عمران وفي مناطق أخرى وهذه هي الحقيقة ، لا يوجد تكافؤ في موازين التسلح بين الحوثيين والقبائل على الإطلاق ولا يوجد حتى مجال للمقارنة ولكن يجب أن يطبق القانون على الجميع وقضية تسليم السلاح ستكون هي العقدة الفاصلة وهي التي ستحدد ملامح المرحلة القادمة فلا مجال للعمل السياسي والشراكة في السلطة مع الاحتفاظ بالسلاح الثقيل هذه معادلة لا وجود منطقي لها على الإطلاق وإذا كان البعض يستشهد بنموذج حزب الله في لبنان فالحزب أحتفظ سلاحه لأنه وجهه للعدو الصهيوني ولم يوجه لأبناء لبنان كما يفعل الحوثيين الذين يقتلون بهذا السلاح أبناء اليمن كما هو واضح لكل ذي عين وقلب.