أكبر أكذوبة تم الترويج لها في "موفنبيك" هي مشاركة الحراك الجنوبي في إقرار مخرجاته.
لا أميل إلى فرز الناس على أساس جهوي، وأنفر دائما من "التفتيش في النوايا". لكن الثابت أن المكونات الرئيسية للحراك الجنوبي (حراك ما قبل 2013) لم تشارك في الحوار من الأساس.
عندما ذهب جمال بنعمر إلى القاهرة في خريف 2012 لإقناع شخصيات جنوبية مرموقة في الخارج بالمشاركة في الحوار، استمع منهم إلى جملة شروط وضمانات تحقق الجدية والندية لمؤتمر الحوار الوطني. قفل عائدا إلى صنعاء ليبارك تأسيس مكون جديد منشق عن تيار القاهرة (علي ناصر والعطاس). كان محمد علي أحمد قد تمايز، بدءا من فبراير 2012، في مواقفه عن تيار القاهرة الذي أسهم في تأسيسه، وفي ظل انعدام فرص مشاركة مكونات حراكية رئيسية (مجلسي البيض وباعوم ومؤتمر القاهرة) لرفض تحالف صنعاء الحاكم القيام بأية خطوات بناء ثقة في الجنوب والتعنت (اللاوطني بل والانفصالي) في رفض التهيئة وفق النقاط الـ20، شق محمد علي أحمد طريقه إلى صنعاء مدعوما من شخصيات مدنية وقبلية في عدن ومحافظات جنوبية أخرى، ومعززا بتأييد محلي وغربي. كان ذلك أقرب ما يكون إلى توليد ممثل للحراك ب"الأنابيب".
***
لم يلبث "طفل الأنابيب" إلا قليلا حتى غادر موفنبيك إلى بيئته الطبيعية (هل أقول غير الطبيعية بالمرة؟) في الجنوب.
خرج محمد علي أحمد من موفنبيك مغاضبا في ما يشبه الانشقاق عن من لاح أنه حليفه في صنعاء (الرئيس المؤقت شخصيا). لكن الحليف المتنمر بدعم المبعوث الدولي وسفراء الدول العشر الراعية للعملية السياسية في "الأرض الحرام"، استطاع برسائل إغواء لا يعدمها رئيس في اليمن حتى بصفة "مؤقت"، شق "مكون الأنابيب" واستمالة بعض رموزه للبقاء في فندق ال5 نجوم ك"ممثل شرعي ووحيد للحراك". كان ذلك في الواقع حراك 2013 بزعامة هادي نفسه.
***
يروج الرئيس هادي وزعماء أحزاب "الضغط المشترك" وجمال بنعمر منذ شهرين لاسطورة "الإجماع الوطني". من يقرأ الواقع في اليمن بقلب سليم، يعرف أن الحراك الجنوبي لم يشارك في الحوار. حتى في حال شاركت مكوناته الرئيسية فإنها من المحتم أن تفعل بالضبط ما فعله مكون محمد علي أحمد (مؤتمر شعب الجنوب)، أي ترك "المهزلة اليمنية" قبل المشهد الختامي المروع.
***
يعرف أي معلق سياسي عادي أن مشكلة صعدة ما كانت لتجد حلا في فندق الـ5 نجوم دون تهيئة يتبعها تفاهم بين سلطة "المبادرة" وقيادة الجماعة في صعدة، ثم يكون تفاوض مباشر بين السلطة والجماعة على نزع الألغام من طريق الحوثيين إلى صنعاء للمشاركة في صوغ المستقبل. ما جرى هو النقيض تماما للبديهيات. لم تتم التهيئة. ثم تشكل فريق باسم صعدة في موفنبيك. بينما كانت النصوص تكتب أمام كاميرات التلفزيون، كان الحوثيون يغيرون الوقائع على الأرض طلبا للمنعة واستباقا أو توقيا لحرب سابعة.
***
يستطيع الرئيس المؤقت وحفنة الحزبيين الانتهازيين الذين ربوا في أحضان سلطة صالح حتى وهم يعارضونه، مواصلة الزعم بأن مخرجات موفنبيك تحظى ب"إجماع وطني". يمكن للمبعوث الدولي أن يستمر في تبجيل "المعجزة اليمنية" التي تميزت بها اليمن كدولة من دول الربيع العربي. بوسعهم ذلك الآن وربما لأسابيع إضافية مقبلة، لكن الاسطورة والمعجزة تبهتان يوما تلو يوم في غير بقعة يمنية، ومآلهما إلى العدم.
***
كل صناعة أجماع تنطوي على "أكاذيب" من شاكلة أن الحراك الجنوبي شارك في مؤتمر الحوار، ووقع على وثيقة المخرجات.
كل صناعة إجماع تنطوي على تضليل للرأي العام مثل القول بأن الفدرالية ستخلص اليمن من المركزية، وانها محض تقسيم إداري، وأنها تصون وحدة الشعب اليمني، وتحقق التنمية والعدالة والاستقرار لليمنيين.
كل صناعة إجماع تنطوي على عنف وإقصاء من شاكلة إقصاء الحراك الجنوبي وانتحال صفته لتمرير مخرجات لا يقبل بها. ومن نوع العنف اللفظي الذي يعتمده الرئيس المؤقت ضد أي خصم أو حتى شريك ينتقد أو يتمنع!(هل تتذكرون محمد علي أحمد؟ أو تحضركم تسريبات هادي ضد أمين عام الاشتراكي؟ أو "الصحوة" السلمية للرئيس ورفاقه في المشترك حيال العنف الحاصل في محافظات شمالية؟ هل نسيتم الضالع وما شهدته من أعمال قصف يندى لها جبين أي انسان؟)
كل صناعة إجماع تستدعي فسادا. وخلال الأشهر الماضية فاحت روائح كريهة من أرقى فنادق العاصمة. من الغباء تصور أن تحظى "تهويمات الرئيس المؤقت" بالتصويت وقوفا في مؤتمر حوار وطني، دون رشاوى. الرشوة العلنية قالها الرئيس المؤقت بلسانه في جلسة الختام، فهو وعد المشاركين في "مخيم الحوار الوطني" بأن يوكل إليهم وظائف ومهام عقب عودتهم بسلام إلى بيوتهم. لا شك انه سيحرص على استيعاب كثيرين منهم في هيئات ولجان ومجالس!
***
كل صناعة إجماع تزخر بالمساخر!
في صيف 2013 تصدرت واقعة معبرة نشرات الأخبار في الفضائيات اليمنية، مفادها أن فريق "القضية الجنوبية" هزم فريق "الحكم الرشيد" بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد، وذلك في بطولة كروية بالعاصمة ترعاها الأمانة العامة للحوار.
كانت تلك كذبة مرحة، أو لعلها تعويضية، فالحاصل أن القضية الجنوبية والحكم الرشيد هما الخاسران الأكبر في "يمن" الرئيس هادي وطابور الفاسدين الذين يمجدون حكمته ودهائه وفدائيته، تماما كما كانوا يفعلون مع "الفدائي المخلوع" علي عبدالله صالح.