تمر أمتنا العربية بأخطر مراحل حياتها في عصرنا الراهن، على الرغم من أنها شهدت، في النصف الثاني من القرن العشرين، نهضة في كل المجالات، لم تكتمل لأسباب وأسباب ليس هنا مجال شرحها.
في ذلك التاريخ، أي، في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، تخلصت أمتنا من الاستعمار البريطاني والفرنسي، ومن الأحلاف، ومنها "حلف بغداد"، وكادت تودي بنا إلى الهاوية. حققنا نهضة تعليمية، وسادت سياسة مجانية التعليم في معظم الأقطار العربية، واشتعلت الحرب على الأمية، وبرزت المقاومة الفلسطينية.
ولا أريد أن أدخل في تفاصيل ما أنجز، فذلك تاريخ مشهود، وأدعو الجيل العربي الصاعد إلى العودة إلى تاريخ الإنجازات، وإمعان النظر فيما أنجز، وما تعذر إنجازه، وأسباب الحيلولة دون الإنجاز.
لا جدال في أن أمتنا العربية فشلت، أيضاً، في أمور وقضايا كثيرة، أهمها، عندي، تحرير فلسطين من الدنس الصهيوني واسترجاع الشعب الفلسطيني حقوقه، وبناء تنمية عربية شاملة، وبناء قوة عسكرية يعتد بها، بتصنيع ما نحتاج إليه من سلاح وآلات ومعدات، نواجه بها جحافل الطامعين. فشلنا في بناء جيش عربي، بعقيدةٍ عربيةٍ قادرةٍ على مواجهة القوى الزاحفة على أوطاننا. فشلنا في القضاء على الأمية والتبعية والتخلف بكل معانيه، تحت ذرائع مختلفة. فشلنا في تحقيق وحدة اقتصادية، ننافس بها اقتصاديات العالم، علما بأنّ الوطن العربي حباه الله ثرواتٍ طبيعيةً، وتنوع مناخاته، وتعدد إنتاجاته التي لا تتمتع بها دول كثيرة. فشلنا في بناء مجتمع عربي تعددي، يسير نحو بناء مجتمع ديمقراطي شوروي، يحقق للإنسان العربي الحرية والعدالة والمساواة.
فشلنا في ذلك كله ليس لأن العرب، كما يقول عنهم ابن خلدون (1332 1406)، أمة وحشية، باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم، لكن لأسباب كثيرة ومتعددة.
( 2 )
حقاً، تجمعت لأمتنا العربية كل أسباب التفوق والانتصار والرخاء، لكن القادة أهملوا شعوبهم، واستبدوا بثرواتهم، وبذّروها في غير مكانها، ومارسوا عليهم كل أنواع القمع والإكراه، ولاحقوهم في كل مكان، تحت ذريعة القضاء على الشيوعية، ثم على الإرهاب والإرهابيين حديثاً. وراحوا ينشدون تأييد سياساتهم وممارساتهم تلك من دول أخرى، خارج مجال الأمة العربية، والتي لا تستحق كل ذلك الظلم والاستبداد والإذلال وهدر كرامة الإنسان من الحاكم العربي وبطانته. والحق أنه، ليست هناك منطقة في العالم تتكالب عليها القوى، كما تتكالب على أرض العرب من المحيط إلى الخليج، من الفرس إلى الروم، ومن بريطانيا إلى فرنسا وهولندا والبرتغال والإسبان والصهيونية، وغير ذلك من الأمم.
لماذا؟ هل لأننا أصحاب رسالة عالمية "الإسلام"، يرفضها الشرق والغرب؟ أم لأننا أمة مستعصية على هيمنة الدول الأخرى، ويعملون على تفكيكنا من الداخل، بواسطة حكام نُصّبوا علينا من دون رغبة منا، يسوموننا سوء العذاب، كما يفعل نوري المالكي ورهطه من إنتاج الاحتلال الأميركي في العراق، وبشار الأسد وعصابته، ومن تبقى من فلول الماضي في مصر واليمن وليبيا.
إن شباب الجيل العربي الصاعد في حاجة ماسة إلى وقفة تأمل جادة، في ما نحن فيه، وما يرسم لأمتنا من خطط وبرامج، تستهدف روح الشباب لتدميرهم عن طريق تعليم سطحي، وإشغاله عن هموم أمته، عن طريق أدوات اللهو وهدر الزمن.
( 3 )
تدور بين شباب الأمة اليوم مقولات متعددة، منها أن الأمة العربية فاشلة، وتاريخها مزور .. مقولات يرددها شباب كثيرون، ومع الأسف، يرددها كثيرون من بعض أصحاب الرأي.
وهنا، يجب أن نتوقف لنحلل أسباب تلك المقولات الدافعة إلى اليأس والقنوط. يكذب من يقول إن أمتنا العربية فاشلة، فنحن بناة حضارة، وأصحاب مشروع إلهي ودنيوي، والأمة صاحبة المشروع ليست فاشلة، تتعثر خطاها.
ولكن، سرعان ما تنطلق عندما تتهيأ لها الظروف. والرأي عندي أن أسباب العثرات التي تعتور طريق أمتنا ترتكز في قصور الحكام، وحول مكاتبهم، وعبر مثقفي السلطة والسلطان، وما أكثرهم.
إن أمة فرضت عقيدتها على أكثر من مليار من البشر ليست فاشلة، بل أمة فاعلة، ولو لم تكن كذلك، لما تكالبت عليها قوى الشر من كل مكان، ولم تترك لهذه الأمة لحظةً لتجمع قواها، وتعيد خطط تعليمها. إذا كان تاريخنا مزوراً، فعلينا، نحن أصحاب القلم، إعادة كتابة التاريخ، لنزيل عنه تهمة التزوير.
آخر القول: أخطر ما يواجه العرب هو حرب التيئيس من تاريخهم وثقافتهم ولغتهم. الرئيس الصيني، أمام مؤتمر الحزب الشيوعي، دعا شعبه إلى رفض هيمنة الثقافة الغربية على الصين، ودعا الصينيين إلى التمسك بالهوية الصينية. فهل يفعل قادتنا، كما فعل قادة الصين؟