[esi views ttl="1"]
من الأرشيف

الجرعة القادمة بالأرقام والمسلمات وحقائق الهجمة الاستعمارية على اليمن

أفرز مؤتمر الحوار مخرجات يحتاج تنفيذها إلى ميزانية مضاعفة، ومع ذلك نجد تشجيعاً ‏‏وإلزاماً أجنبياً بتنفيذها، دون أية مراعاة للجانب الاقتصادي على الأقل، وليس الجانب ‏‏الاستراتيجي أو السياسي والمخاطر التي تهدد كيان الدولة والنسيج الاجتماعي للبلاد. ‏

وفي السياق، تمارس الجهات الأجنبية ضغوطاً شديدة على الحكومة اليمنية من أجل ‏الجرع ‏السعرية ورفع الدعم عن المشتقات، وكأنها حرب مقصودة على الشعب اليمني ‏ولنحسب ‏بالأرقام والحقائق هذه القضايا:‏

أقرت الحكومة ميزانية بنحو 13.4 مليار دولار للعام 2014 بواقع عجز أكثر من 3.1 ‏‏مليار دولار، ويقدر الدعم المقدم للمشتقات النفطية من الحكومة 1.5 مليار دولار (نحو 331 ‏‏مليار ريال). ‏

أي أنه في حال رفع الدعم كلياً عن المشتقات النفطية، فإن ذلك لن يغطي سوى نصف عجز ‏‏الحكومة، مقابل الأزمة التي من المتوقع ان تحدث نتيجة رفع الأسعار ونهب المواطنين ‏‏البسطاء، في حين راتب الموظف في الدولة لا يوفر أدنى حياة كريمة. وبالتالي يمكن أن تكون ‏‏هذه الخطوة مدخلاً لمزيد من الفساد والخراب!‏

‏**‏
من جهة أخرى، يمكن رفع الدعم عن المشتقات لو كان ذلك ضمن برنامج حكومي وطني ‏‏سيؤتي ثماره بما يخدم الدولة ويمنع التهريب. لكن عندما يأتي نتيجة الضغوط الخارجية بدرجة ‏‏أساسية، فيجب أن نضع حوله مئات الدوائر، خصوصاً أن هذا الخارج يعمل بكل وسائل ‏‏ضغطه بالدفع بالبلد إلى المجهول. وأدواته في هذا الصدد المؤسسات الاستعمارية، البنك ‏‏الدولي، صندوق النقد الدولي... ما يسمى "المانحين" إلى ما وراء ذلك من مسميات هي أقرب ‏‏ما يكون إلى أدوات من بين أساليب وأدوات أخرى تمثل بمجملها حرباً مستعرة لإفشال ‏‏اليمنيين. ‏

ويبلغ حجم ما تسدده الحكومة كفوائد ربوية على القروض للبنوك "أذون الخزانة" ملياري ‏‏دولار (419 مليار ريال) تدفع لـ6 بنوك محلية (حسب الزميل محمد عبده العبسي). أي أنها أكثر ‏‏من دعم الحكومة للمشتقات النفطية، وإذا فرضنا الحرص الدولي على توفير الدعم للحكومة، ‏‏فإن يمكن أن تقدم الدول الضاغطة تسديد القروض، فتوفر المبلغ دون أن تضطر لإلقاء الأزمة ‏‏على كاهل المواطن. ‏

ومن جهة ثانية، تخسر الدولة من مليار إلى ملياري دولار، جراء الهجمات التخريبية التي ‏‏تستهدف أنبوب تصدير النفط والغاز، في حين أن مصارحة الشعب بالجهات التي تقف وراء ‏‏هذه الهجمات والقيام بإجراءات لحمايتها، عمل أسهل مما يمكن أن يحدث جراء اللجوء إلى ‏‏نهب المواطن الذي لا سلاح له ليحارب الدولة ويحصل على امتيازات كما يفعل المتمردون ‏ولا أحزاب مسؤولة تدافع ‏عن حقه. ‏

ليس فقط! تتجه البلاد في ظل وزير التجارة والصناعة الحالي سعد الدين بن طالب إلى ‏‏خسارة المزيد من المصادر، كقطاع الاتصالات الذي يدر دخلاً على الدولة بنحو 60 مليار ‏‏ريال، وذلك عن طريق الانضمام إلى المنظمة الاستعمارية الجديدة التي أصبحت على الأبواب، ‏‏وهي منظمة التجارة العالمية.. ليس فقط خسارة نتيجة الخصخصة.. وإنما سيكون اليمن ‏مجبراً ‏على استيراد من أسواق أوروبية وأمريكية بأسعار باهظة، بما يزيد الأعباء على ‏المواطن. ‏

ومن ذلك نجد أن الحكومة تستطيع توفير مليارات الدولارات إذا ما اتجهت لضبط الأمن ‏‏وحصلت على دعم للتخلص من القروض الربوية، دون اللجوء لنهب المواطن في ظل غياب ‏‏أي ضمانات بأن مثل هذه الخطوة ستدر فائدة على البلاد.!. ‏

لنعد إلى الوراء ونبحث في الجهات التي ضغطت من أجل جميع الجرع السعرية التي أثقلت ‏‏كاهل المواطن سنجد أنها من كوارث صندوق النقد والبنك الدولي، ومثل هذه المنظمات ‏‏والمؤسسات الدولية الاستعمارية. ‏

‏**‏
لنصل إلى ما هو أهم: ‏مخرجات مؤتمر الحوار التي اعتبرها عبدربه منصور هادي ‏والسفراء خطاً أحمر، ويطبلون ‏لها ليلاً ونهاراً، هذه المخرجات تفرض على الحكومة ‏المناصفة بالمساواة بين ‏‏"شمال" و"جنوب" في المناصب القيادية في الدولة. ويترتب على هذا ‏التوظيف حسب الهوية ‏لا حسب الخبرة والحاجة والمؤهل، فساد كبير.. وهذا ليس إلا جانباً. ‏

الأمر الآخر، أن مؤتمر الحوار أقر تحويل اليمن من دولة "بسيطة" إلى دولة ‏‏"اتحادية ‏مركبة". لا يختلف اثنان متخصصان أو خبيران على أن الميزانية في الدولة الاتحادية تكون ‏‏مضاعفة، لماذا؟ لأن الدولة البسيطة حكومة واحدة وبرلمان واحد وجهاز قضائي واحد، ‏‏وميزانية جميع المحافظات، كما هو مذكور في موازنة هذا العام تبلغ 504 مليار ريال (2.35 ‏مليار دولار). في ‏حين تحتاج الأقاليم قرابة 15 مليار دولار. ‏

يتطلب تنفيذ مخرجات الاتحادية حكومة وبرلمان على الأقل لكل إقليم 7 حكومات و7 ‏‏برلمانات. (أحد ‏الراضين مبدأيا عن الفدرالية والأقاليم، قدر الموازنة التي يحتاجها كل إقليم ‏‏2.5 مليار دولار، ‏وبالتالي ميزانية الأقاليم تساوي 15 مليار دولار، ولو وضعنا 10 مليار ‏للدولة الاتحادية، تكون ‏الميزانية الأولية التي يتطلبها تنفيذ مخرجات الحوار 25 مليار دولار) ‏‏. ‏

سيقول أحد البسطاء أو الخبثاء إن اليمن واعد بالثروات، كما يقول الرئيس عبدربه منصور ‏‏هادي في لقاءاته المادحة للأقاليم.. قولوا له أن ينزل كلامه علمياً وعملياً ويخرج الثروات ‏ويفرض ‏الأمن لنصدق!‏

‏**‏
يقول بعض المبشرين.. إن الأقاليم ستقضي على الفساد، وبالتالي تتوفر الميزانية.. وليكن، ‏اقضِ على الفساد؟ ما هي الضمانة أن ينتهي الفساد؟ هل تدخل 25 مليون يمني في معمل ‏‏تجربة مفروغ منها. ناقش ووضح وليس فقط تقفز بالبلاد إلى المجهول!. ‏

يكفي كذب على الشعب! كان تغيير علي عبدالله صالح أكبر محطة اختبار للشائعات والأوهام ‏‏وحتى الأزمات. لم يؤدِ تغييره إلى أي تقليص للفساد، بل ازداد! فإذا كانت خطوة كبيرة مثل ‏‏هذه، لم ينتج عنها إيقاف الفساد ولا إيقاف الُجرع، فالذي سوف يصدق أي كذبة أخرى دون أن ‏‏يمعن النظر. يتحمل المسؤولية. والذي يصدق أن النظام السابق يعرقل عليه فقط أن يتأكد ‏‏ويبحث وراء الحقيقة وبعيداً عن الشائعات والمكايدات، وهذا ليس تبرئة لأحد، بقدر ما هو ‏‏دعوة للبحث الجاد عن الحقيقة حتى لا تتسلق مصائب جديدة على عاتق الأوجاع بتلقين الشعب ‏سموماً على أنها أدوية.‏

الشاهد.. مما سبق كله.. هل يعتقد البعض أن الدول الأجنبية التي تشجع الفدرالية وأصدرت ‏‏قراراً تحت "البند السابع" ساذجة؟ وأنها لا تعلم أن الدولة الاتحادية تحتاج إلى ميزانية ‏‏مضاعفة؟ هل هناك من يصدق أنها "ساذجة" وأنها لا تعلم أن مشكلة اليمن الأولى بالاقتصاد؟ ‏‏أليست دولاً لها تاريخها ولها إنجازاتها العلمية ويعرف أدنى باحث سياسة وفي تكوين دولة، ‏‏أن الدولة الاتحادية تحتاج نفقات كبيرة مقارنة بالدولة البسيطة؟!. ومن أراد أن يتأكد من هذه ‏‏المعلومة فليتأكد. ‏

حقيقة شروط المانحين
منذ العام 2006، وربما قبل ذلك، نسمع الحديث عن "المانحين" ولم يُمنح اليمن من ذلك ‏اليوم ‏إلى اليوم، بقدر ما فرضت عليه سياسات تدميرية أدت إلى المزيد من التدهور الاقتصادي ‏‏والسياسي. من يصدق أن مقدار ما منحه المانحون لا يساوي ما يخسره اليمن سنوياً من تفجير ‏‏أنابيب النفط والغاز.. يتعذرون بفساد الحكومة وعدم التزامها بالشروط المقدمة من صندوق ‏‏النقد التي تجعلهم يوفون بوعودهم. والناس دائماً يميلون إلى اتهام الحكومة، دون أن يتمكنوا ‏‏من قراءة حقيقة هذه الشروط، ليعلموا أنها شروط مدمرة. ‏

كانت أحزاب المعارضة تتهم حكومات نظام صالح بأن فسادها وعدم ‏التزامها بالشروط هو ‏السبب في عدم تسلم دعم المانحين. جاءت حكومة من معارضي ‏صالح وحكومة تمنع ظهور ‏صورته بالتلفزيون الرسمي، وفي ظل أزمة استثنائية خانقة، وهاهي ذي ‏الحكومة تعجز في ‏استلام دعم المانحين رغم أنها قدمت تنازلات وفتحت مكاتب في ‏العديد من ‏المؤسسات الهامة. قولوا لحكومة وزير تخطيطها الدكتور محمد السعدي، من معارضي النظام ‏السباق، أن تجلب دعم ‏المانحين، مهما فعلت ونفذت السياسات!!! ‏

لن يتم!. ولن يتم! حتى لو ذهبت حكومة المشترك وحكومة المؤتمر وجاءت حكومة عاجلة ‏‏من المريخ، لن تأتي أموال المانحين، لأنها تستخدم لشروط من شأنها هدم الدولة.. والذي ‏يدقق ‏في اللعبة الاستراتيجية الدولية يوقن بذلك. ‏

ما هي شروط المانحين؟ ونحن لا نقصد الدول المانحة ممثلة بدول الخليج، وإنما الدول ‏‏الاستعمارية المشرفة على عملية المانحين وصندوق النقد وما إلى ذلك..؟ ما هي الشروط؟

الشروط، على رأسها، جرعة سعرية، بما ينتج عن ذلك من أزمة على المواطن يُتوقع أن ‏‏تكون خسارتها أكبر من فائدتها، وكما أوضحنا لن تغطي العجز. ‏

من الشروط الأخرى، تغيير بعض من لا يروقون للدوائر الأجنبية واستبدالهم بعناصر خارجة ‏‏من مخابزها.. تحت مسميات عديدة.. تأهيل. تلفيق تهم.. ‏
من الشروط الأكيدة الآن، والتي ستحل بقوة بعد الجرعة: تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار. ‏‏والتي يتطلب تنفيذها عشرات المليارات من الدولارات؟. ‏

خلاصة الأمر، إنها حرب مستعرة على الشعب اليمني، تهدف لتقويض الكيان اليمني وتقسيم ‏‏البلاد.. إنها حرب تستغل الخلافات الداخلية بين الأطراف. حتى لو جاءت أي حكومة فلن ‏‏يعطوا شيئاً يستحق الذكر. هؤلاء هم فرق ماكينة "الفوضى الهلاكة" و"فرق تسد" التي نكبت ‏‏الأمم والقارات والدول.. فليتوحد اليمنيون ما أمكن ويتع إلى الجميع على الجراح وليسقطوا ‏الخديعة التي ‏أدخلت إلى رؤوس الكثيرين بالعداء نحو الآخر المحلي، ولا مخرج غير ذلك. ‏بلدنا اليمن ‏يتعرض لأشرس هجمة استعمارية مرت من دول عديدة.. وما على الجميع إلا ‏النظر في التجارب الدولية الأخرى، ليرى أن السيناريو يتكرر. ‏

زر الذهاب إلى الأعلى