يعيش العرب، اليوم، ظروفاً صعبة ومقلقة للغاية، بل تبدو أَحيانا تراجيدية، لمن يُدمِن الحزن، أو لمن تذهب به غيرتُهُ بعيدا. فهل يمكن التسرع واليأس؟! هل هذه الانقسامات التي يعيشها العربيّ، اليوم، حكرٌ على العرب؟! وهل العرب منذورون للحزن والهوان؟!
لا يجب أن يأخذنا اليأس وعدم الثقة إلى الوصول إلى هذه النتائج المتسرعة. صحيح أَن النقد الذاتي، خصوصاً، بعد الهزائم والانتكاسات، ضروريّ، كي يعرف العربي أَين يوجد، وما الذي ينقصه، كي يمكن أن يُعدّل الاتجاه، ويتصالح مع نفسه وتاريخه.
صحيح أَن حالة العرب لا تُفرِح في محفل الأمم. ولكن، هل وصلنا، حقا إِلى نقطة اللاعودة؟ أي هل سنترحم على أمة العرب، كما طالبنا بعض الشعراء العرب؟
بالطبع لا! وألف لا!
أَن تكون عربياً اليوم ليس معناه الركون إلى وصف الحالة في جمودها، مَهْما كانت قتامتها وسورياليتها، والبقاء فيها. إذْ بعد الليل نهارٌ، ومهما كان النهار مضبباً لا بدّ من إشراق.
أن تكون عربيا اليوم لا يعني أَن تيأس، وتشعر بالإحباط، لأن وضعك لا يختلف عن وضع الشعوب الأخرى في الشرق والغرب التي عاشت تحولات كبيرة.
يتحجج كثيرون بأن العرب أمة عاطفية، وبالتالي، تعيش وفق الانفعالات وردود الأفعال، وهذا، تجنّ كبير. ولقد أثبت الربيع العربي، على علاته، أَن هذه الأمة قادرة على الخلق والتمرد وزرع الأمل.
الأمور ليست سهلة، وتاريخ البشر، منذ الخليقة، هو تاريخ الكد والنضال الدائم والمعاناة والفرح طبعاً. إنه تاريخ "سيزيف" والصخرة. ولا يخجل العربي أَن يكون، في هذه اللحظة التاريخية، سيزيف المرحلة. وهذا هو ما يعني أن تكون عربياً، وتريد أن تحيا حياة كريمة عليك أن تدفع الثمن.
الربيع العربي زرع فينا هذا الذي كان فينا، وفقدناه، وتصورنا أننا أَضعناه إلى الأبد، وهو الأمل والإيثار والمصلحة المشتركة.
أَن تكون عربيا اليوم هو أَن تؤمن بتغيير وضعك نحو الأفضل، وأن تقتنع أن جدار الخوف سقط، وما عليك سوى أَن تكمل الطريق.
أَليس منظر الحشود، وهي تتظاهر في شوارع تونس والقاهرة ودمشق وصنعاء وغيرها، متحدية كل جحافل الشرطة والعسكر، هو منظر أَمل للراهن وللمستقبل. وهو الدليل على أن الأمة العربية بخير. من يستحم لا بد أن يتبلل. ومن يُمارِسُ، بالضرورة، يُخطئ. هي سُنَّة الله في خلقه.
ألَمْ يَكُن مَنظرُ الجماهير، وهي تتحدى اليأس والاستبداد، يحتاج إلى فيلسوف كبير من طراز هيغل، حتى يصفها، كما وصف نابليون، يوما؟
ليس على العربي أن يخجل أبداً. عليه أن يرفع رأسه عاليا. فالذين كانوا يقولون بخنوعه الأبدي أُخْرِسُوا، والذين تصوروا أَن الدين سيكون مانعاً للثورات والانتفاضات أخطأوا. أَلم تَستوح كثير من شعوب الأرض، إسبانيا وغيرها، النموذج العربي للتغيير؟
لا يجب أَن تذهب بنا حالة "الربيع" العربي، في بعض الأَقطار إِلى شعور بالصدمة، أو الحزن. صحيح أَن الخارج والعسكر تكالبا على ثورة مصر، وصحيح أَنَّ العرب الرسميين والغرب "الديمقراطي" خذلا، ولا يزالان، الثورة السورية، لكن الثورة السورية ماضية في طريقها، لأنها صنعت إنساناً جديداً. صنعت كثيرين من "الكواكبيين" المتمردين على طبائع الاستبداد!
ثم لا ننسى أَن العرب نجحوا، مع التجربة التونسية الخلاقة، في خلق دينامية جديدة من الحوار المسؤول بين كل مكوّنات الأمة، من دون إقصاء وعنف.
أخي العربي، ارفع رأسك، فلديك ما تقوله تحت هذه الشمس المشتركة بين بني البشر.
نقلا عن "العربي الجديد"