[esi views ttl="1"]

المواطن العربي بين الألم والأمل

يعيش الإنسان العربي حياةً مؤلمةً مما يجري على أمته وأوطانها، وأصبح صاحب القلم في حيرةٍ من أمره، عن ماذا يكتب، فجراحنا عميقة، وآلامُنا لا توصف، وهمومنا متعددة.

حربٌ ضاريةٌ على كل العرب، وفي كل الأوطان، تحت ذريعة "محاربة الإرهاب". كنا، في الماضي، نحمل هم اللاجئ الفلسطيني، فأصبحنا نحمل هموم اللاجئ: السوري والسوداني والعراقي واليمني والمصري والصومالي والتونسي والليبي. أَقول: اللاجئون العرب من كل أقطار العرب. من فعل بنا كل هذه المآسي؟ أليست أنظمتنا العربية؟ من أبعد الشعبين، السوري والعراقي، عن بلديهما، ومن دفع جحافل المرتزقة، تحت شعارات متعددة، إِلى أتون الحرب الدائرة في سورية. جيوش طائفية من العراق وإيران ولبنان والخليج، ومن اليمن أيضاً، تقاتل الشعب السوري، دفاعاً عن نظامٍ طغى، وتجبّر، وأمعن في التدمير الشامل لمدن بلاد الشام وقراها وحقولها.

جحافل أخرى توافدت على بلاد الشام، بذريعة الجهاد في سبيل الله، لإقامة الدولة الإسلامية، راح بعضها يقاتل بعضها بذرائع مختلفة. والحقّ أن الذين يقاتلون في سورية الحبيبة، تحت شعار "الجهاد"، من أجل بناء الدولة الإسلامية، لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم. لن يسمح لهم الغرب بإقامة الدولة الإسلامية، وكذلك أنظمة عربية عديدة. عصرنا ليس عصر الفتوحات الإسلامية، إننا في عصرٍ تداخلت فيه كل القوى الدولية، بما يعرف "العولمة"، أو "الأوربة". الأولى مشروع أميركي وأوروبي. ومن هنا، يجب أن تدرك القوى المقاتلة في سورية اليوم، تحت شعار إسلامي، أَن وحدتها وانضمامها إلى قوات الجيش الحر ضرورة وطنية، تهدف إلى إقامة دولة مدنية، تتعايش فيها جميع الملل والنحل، كما كان عصر الدولة الإسلامية في صدر الإسلام.

اختلاف تلك القوى المتقاتلة فيما بينها، مكَّن النظام القابع في دمشق من اختراقها، وتشكيل منظمات أخرى بأسماء "جهادية"، ليزرع الفتنة بين قوى الثورة والمعارضة، وما تنظيم "داعش" ببعيد عن التنظيمات المخترقة، والمغرر ببعض كوادرها الوطنية الصادقة. تعدد الجبهات القتالية لقوى الثورة والمعارضة، على امتداد الجغرافيا السورية، يضعفها ويشتت قواها، ويجعلها فريسةً لقوات النظام السوري، جواً وبراً، بمساعدة الفيالق الطائفية المستوردة من الخارج.

لتعلم تلك القوى الوطنية المقاتلة في سورية أن يد النظام أقوى منهم جميعاً، لأنه يستطيع الوصول إلى كل الجبهات، بالصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى، يعاونه في ذلك سلاح الطيران والبراميل المتفجرة، وخطوط الإمداد لديه سهلة، على نقيض الإمداد والتموين لقوى الثورة السورية. والرأي عندي، أنه لو كانت قوى الثورة والمعارضة تحت قيادة موحدة، وخطوط الإمداد والتموين لها متوفرة، وخطوطها متصلة، لما تمكن النظام من السيطرة على القصير والقلمون وجبهات أخرى. من هنا، نطالب هذه القوى الوطنية بتوحيد صفوفها، وتوحيد أَهدافها وقيادتها، وإسعاد حاضنتها الشعبية، أي عدم المساس بكرامة المواطن السوري، بل الإسراع في تقديم كل ما يحتاجه ذلك المواطن.
( 2 )

يلاحظ المراقب أن أهل قطاع غزة الفلسطيني يتعرضون لحملة إعلامية مصرية، لا أخلاقية، بهدف تشويههم، وكسر إرادتهم، وبعث اليأس في قلوبهم عامة. لا لذنبٍ اقترفوه تجاه مصر، ولكن، لأنهم حققوا إنجازات في الداخل، على الرغم من كل الظروف. حققوا الأمن للمواطن، كما حققوا تعليماً صادقاً، يغرسون بمناهجه روح الوطنية وحب الوطن، على الرغم من الحصار الظالم الذي تفرضه القيادة السياسية الانقلابية في مصر، بالتعاون مع إسرائيل.

ما أستغربه وأستنكره أن قوىً وطنية فلسطينية في غزة تعلم، حق اليقين، أنها محاصرةٌ من كل الجهات، ولا مدد لها ولا معين، غير أَن بعضها يذهب إِلى المزايدة على البعض الآخر لمواجهة إسرائيل، فيما يعلمون أن كل طلقة تخرج من غزة يصعب تعويضها، نظراً لشدة الحصار. وعلى ذلك، لا بدَّ لكل القوى في غزة من إعادة تقدير الموقف بوعي وطني شامل. مقاومة الاحتلال الإسرائيلي حق مشروع. ولكن، يجب أن تتوفر الشروط لتلك المقاومة، بمعنى أن تكون خطوط الإمداد والتموين مفتوحة، وأن هناك قوى من خارج الحدود مناصرة، وهذان شرطان ليسا متوفرين الآن.

( 3 )

في اليمن كوارث لا يعلم حجمها إلا الله. حروبٌ قبلية متوحشة، وجدّت حروب طائفية، وحروب انفصالية، واغتيال قيادات يمنية، وجوع ومرض وجهل، وشجرة أوراقها قاتلة (القات). متى يأتي الوقت الذي يدرك المواطن اليمني فيه أَن وحدته أعظم وأفضل من تفككه؟ وأن يمنه أكثر ثراءً من دولٍ منتجةٍ للنفط، إذا أحسن استخدامها اليمنيون أنفسهم، وانتقلوا من حياة القبيلة إلى حياة الدولة المدنية.

آخر القول: نعيش بين الألم والأمل، فهل ترتقي بنا النخب السياسية إلى آفاق أَمل أشرف وأنبل، مما نحن فيه اليوم!

زر الذهاب إلى الأعلى