مشكلة الإمامة والأئمة في خصامهم للعلم والتنوير ليست مشكلة جديدة تخص الإماميين الجدد .. فهي مسألة قديمة جدا واحداث التاريخ اليمني حافلة بما يؤكد ذلك فعلى سبيل المثال لا الحصر:
- إبادة الامام عبدالله بن حمزة لجماعة المطرفية رغم انها تنتسب للزيدية كانت بسبب النشاط العلمي والتنويري للمطرفيين الذين أسسوا ونشروا هِجر العلم في عديد من مناطق صنعاء وصعدة وأنس (لازالت مناطق تحمل تسمية هجرة..... مضاف إليها أسم أخر كهجرة قروان وهذه التسمطات من أثار حركة المطرفيين التعليمية).. وقد أزدهرت تلك الهِجر خلال انقطاع الإمامة مدة تسعين عاما بعد وفاة الإمام أبي الفتح الديلمي (437 444ه).. وما إن عادت الإمامة وظهر الإمام عبدالله بن حمزة(583 614ه) حتى تم القضاء على المطرفيين وإبادتهم وهدم دور وهِجر العلم التي أنشأؤها.(1)
- الشاهد التاريخي الثاني هو إن تنكيل الإمام يحى بمنتسبي الطائفة الإسماعيلية أيضا كان أحد دوافعه تشجيع هذه الطائفة للعلم والتعلم ..ولايخفى على أحد أن حكم الإسماعيليين وبالذات حكم الملكة أروى بنت أحمد كان من أزهي عصور اليمن التاريخية بسبب دعم وتشجيع العلم والتنوير ولذا فقد نقم الأئمة على الإسماعيليين ورأوا في التوجه الإسماعيلي مصدر خطر على إمامتهم ..
وهكذا سيظل الأئمة الظاهرون والمستترون مذعورين من العلم والتنوير كذعر الكلب المسعور من الماء..
لذا أعتقد أن التعليم سيكون ساحة رئيسية في معارك الإماميين الجدد.. ذلك أن فكرة الإصطفاء والحق الإلهي في الحكم والسلطة واحتكاره حصراً وإختزال الرسالة السماوية في سلطان متوارث وجعل النبوة كالمُلك الدنيوي يمكن تشاركها وتوارثها..
هي أفكار وأمور لا يمكن أن يقبلها ويقتنع بها إنسان متعلم ومتنور إلا إذا كان له مصلحة. شخصية مباشرة معها .. ولذا فهذه الأفكار لاتجد القبول والرواج إلا. في بيئة خاصة يغيب عنها العلم والتعليم الحقيقي المنّور ويغيب التفكير العقلاني المتوازن ويحضر فيها الجهل والخرافات والأساطير وعبادة الشخصيات وتقديسها.. إذ لا تجد تلك الأفكار فرصها للعيش والإزدهار إلا في البيئة المغلقة التي لا يصلها دفئ ونور شمس العلم والمعرفة.. مثلها كمثل الجراثيم التي تقتلها أشعة الشمس فختبئ وتتكاثر في الأماكن المظلمة الرطبة..
(1) كتاب ( الصراع الفكري في اليمن بين الزيدية والمطرفية) د/عبدالغني محمود عبدالعاطي. ط أولى2002 م القاهرة.