لا تكاد نقطة أمنية ساخنة تهدأ في اليمن حتى تثور أخرى، ولا يمر يوم دون سيطرة العنصر الأمني على الأخبار القادمة من هذا البلد العربي الذي يبدو أنه ترك لمصيره، حيث يتفاقم الوضع الأمني في شمال البلاد ووسطها وجنوبها، على وقع خلافات سياسية لا يبدو أن الحوار الوطني الذي استمر قرابة العام بصدد التخفيف منها.
ففي الجنوب تنشط عناصر تنظيم ‘القاعدة’ التي سيطرت قبل عامين على عدد من المدن والبلدات في محافظة أبين، قبل أن يتم دحرها منها على يد قوات الجيش منتصف 2012. وقد بث التنظيم مؤخراً شريطاً دعائياً ظهر فيه مجموعة من أخطر المطلوبين أمنياً، والهاربين من السجن المركزي في صنعاء أثناء عملية نفذها عناصر ‘القاعدة’ في صنعاء في شهر شباط/فبراير الماضي.
ويرى محللون أن ظهور ‘القاعدة’ بهذا الحجم وبحضور زعيم التنظيم ناصر الوحيشي الذي خطب في أنصاره، وطلب منهم استهداف مصالح الولايات المتحدة التي سماها (حاملة الصليب)، يظهر مدى تحدي التنظيم للولايات المتحدة وللحكومة اليمنية بحشد عدد كبير ومهم من أنصاره في منطقة جبلية مكشوفة، كان من الممكن استهدافها من قبل الطائرات الأمريكية بدون طيار.
ويبدو أن التنظيم يريد أن يوجه رسائل داخلية للحكومة اليمنية، كما هي للقبائل بأنه لا يزال قوة لا يمكن تجاوزها أثناء ترتيب الملفات اليمنية بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، كما أن هناك رسائل خارجية غير خافية من وراء بث الشريط.
وعلى الجانب الآخر، وعلى الرغم من مشاركة الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني، فإنهم في شمال البلاد يستغلون الخلل الأمني لقضم المزيد من الأرض، وإخضاع العديد من القبائل لسيطرتهم، على الرغم من أنهم وقعوا على الحلول المقترحة من قبل ‘لجنة صعدة’ بخصوص الحروب السابقة التي اندلعت بينهم وبين الجيش إبان فترة الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
ولم يستغل الحوثيون المدعومون من إيران حسب الحكومة اليمنية الفراغ الأمني وحسب، بل لعبوا على وتر التناقضات السياسية والقبلية للتوسع والانتشار.
فالخلافات بين فريقي حكومة الوفاق المشكلة من تكتلي: المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك، تصب في صالحهم، كما أن الثارات القبلية التي أذكاها الحوثيون بين القبائل اليمنية، وخاصة قبائل حاشد القوية مكنتهم من ضرب هذه القبائل ببعضها ومن ثم إخضاعها لنفوذهم، وهي السياسة ذاتها التي ساروا عليها لإخضاع قبائل محافظة صعدة لسيطرتهم من قبل.
ويبدو أن الحوثيين يستغلون كذلك عدم إتمام عملية هيكلة القوات المسلحة للعب على وتر التناقضات، حيث تبدي قيادات عسكرية حماساً لوقف تقدمهم وترهيبهم للمواطنين اليمنيين، في حين تريد قيادات عسكرية أخرى التريث في الزج بالجيش في الصراعات الداخلية، حتى ولو لم يسلم الجيش نفسه من اعتداءات الحوثيين المتكررة على أفراده ونقاطه العسكرية.
وتقول الأخبار القادمة من صنعاء إن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي يقع تحت ضغط شديد، فهو من جهة لا يريد أن يدخل الجيش في حرب جديدة ضد الحوثيين، في ظل وجود أكثر من بؤرة أمنية في البلاد، وهو من جهة يرى في تقدم الحوثيين تحدياً لسلطته بإيعاز أو تعاون من خصمه الرئيس السابق صالح.
ويرى الكثير من المراقبين للشأن اليمني أن قيام الحوثيين بتفجير الصراعات المختلفة هنا وهناك في اليمن، يأتي ضمن توجيهات خارجية إيرانية لزعزعة استقرار البلد، والانطلاق منه لزعزعة استقرار المنطقة.
غير أن الخاسر الأكبر من الاضطرابات الأمنية في الجنوب والشمال هو المواطن اليمني الذي ساءت حالته المعيشية بشكل جعل منظمات إنسانية دولية تدق ناقوس الخطر إزاء تدهور الوضع الإنساني في البلاد، وتلك قصة أخرى.