من الأرشيف

واجب دعم السيسي!

قال: من واجبنا دعم مصر، وعلينا عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
هذا صحيح. لكن، كيف ندعمها ولا نتدخل في شؤونها!
المسألة معقدة نوعاً ما، ولكني سأفصل الأمر لك، وأرجو أن تكون ذكياً، ولو مرةً في حياتك، وتفهمني جيداً. ما سأخبرك به مهم للغاية، ومعقد، وحساس، ويمسني شخصياً. إن دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي في ترشحه للرئاسة واجب، ودعم قيادات المؤسسة العسكرية واجب وضروري أيضا، هؤلاء صمام الأمان لمصر، وهم الضامن الوحيد لأمن المحروسة واستقرارها ووحدتها. وعلينا عدم التوقف عن ضخ الأموال لهم، مهما كانت الظروف، أنت لا تعرف ماذا يعني الجيش لمصر، وماذا يمكن أن يحدث للبلد، لو أقصي هذا الجيش عن المشهد السياسي.

عفواً، ولكني، فعلاً، لا أعرف ماذا يمكن أن يحدث، لو ابتعد الجيش عن حكم مصر، وترك البلاد للمدنيين والأحزاب السياسية وصندوق الاقتراع. وأرجو منك مراعاة مسألتين أساسيتين في إجابتك، موقع مصر في ميزان القوى الإقليمية، وأوضاع مصر الداخلية، على الصعيد الاقتصادي والتنموي تحديداً. وأيضاً، إن سمحت لي بهذه المقدمة، قبل أن تجيب عن تساؤلاتي، سأوضح لك بعض الأمور، بعد نهاية حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، لم يخض الجيش المصري أية معركة، ونتمنى أن لا يخوض جيشُ مصر المعارك، لا أحد يتمنى الحرب إلا مضطراً. لكن، هذا الجيش، وأي جيش في الدنيا، لا يتوقف دوره على خوض الحروب، فهو يلعب أدواراً في تحديد موازين القوة للدول، في تقوية نفسه، ورفع مستوى الجاهزية لخوض الحروب، دفاعاً عن بلاده، فماذا فعل الجيش المصري طوال هذه السنين؟

يتلقى جيش مصر معونة أميركية سنوية، مكافأة له على اتفاقية كامب ديفيد، والتي قبل فيها التنازل الكامل عن دوره ومكانته، كيف؟ نعرف تماماً الفارق بين الجيش المصري وجيش العدو الصهيوني، ولا نقول ذلك سخريةً، أو تقليلا من جيش مصر، معاذ الله، بل حسرةً وألماً على المكانة المفترضة لهذا الجيش العظيم، والذي تقول قيادته، وداعموه، إنه صمام الأمان للبلاد، في وجه المواطنين المصريين! الفارق بين الجيشين لم يتوقف عند الحد الذي كان عليه في عام 1978 يوم عقد الاتفاقية، إنما اتسع بشكلٍ لا يمكن تخيله، بسبب الاتفاقية وما نصت عليه، وبسبب القيادة العسكرية والسياسية لمصر، فمنذ ذلك التاريخ، يتلقى جيش مصر نحو 3 مليارات دولار سنويا، تصرف بشروط قاسيةٍ، وبموافقاتٍ سنوية، وبإشرافٍ إسرائيليٍ كامل على أوجه صرفها. وفي المقابل، تلقت إسرائيل، كما كشفت صحيفة كريتيسان ساينس مونيتور الأميركية، قبل سنوات، ما يقارب 1,6 تريليون دولار منذ عام 1973، وهو أكثر من ضعف تكلفة الحرب الأميركية على فيتنام.

هذا ليس كل شيء، بل ثمة قنوات أخرى كثيرة للدعم الأميركي تصل إلى إسرائيل من دون توقف، ما يعني أن التفوق الكبير الذي كان قبل ثلاثة عقود، أصبح الآن خبراً قديماً، هناك فوارق كونية بين الجيشين في أيامنا، وهذا كله بفضل قيادة الجيش المصري الذي أدار العلاقة مع إسرائيل على هذا النحو، مع ملاحظة أن إسرائيل هي العدو الوحيد الذي يهدد استقرار مصر وأمنها، الوحيد على الإطلاق.

هذا هو صمام الأمان لمصر يا صديقي، وحامي حماها، وهذه خلاصة عقيدته العسكرية في العقود الأربعة الأخيرة، فماذا فعل في الضفة الأخرى، في إدارة البلد التي يستحوذ بشركاته على ثلث اقتصادها؟ يقول الرئيس السيسي، والذي ترى ضرورة دعمه: ظروفنا الاقتصادية، بكل إخلاص وبكل فهم، صعبة جداً جداً. ويقول: ممكن جيل أو جيلين يتظلموا عشان بقية الأجيال تعيش أو يلاقوا حاجة"!، وهنا نسأل: من يتحمل مسؤولية هذه النتائج؟ من أوصل البلد إلى هذه الحال؟ كم من أجيال مصر يجب أن تعيش في المقابر، وتعاني الفقر المدقع؟ ولماذا تتنعم قيادات الجيش المصري في بحبوحة عيشٍ، لا يعرفها المواطن المصري على الإطلاق؟ ولماذا نصدق، اليوم، أن من أدار البلد في العقود الستة الماضية، وأوصلها إلى القاع، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، قادرٌ، أو راغبٌ، بتغيير هذه الأوضاع؟
يا سيدي: قيمة مصر، السياسية والإقليمية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والتعليمية، تساوي صفراً، أمام كل أعدائها وخصومها ومنافسيها وحلفائها. وبفضل قيادة الجيش، الذي تطلب مني دعمه، أصبحنا لا شيء أمام إسرائيل وتركيا وإيران، بل وأمام العرب جميعاَ.

يا سيدي: أنت لا تريد مني أن أكون ذكياً، فهذا لا يفيد أبداَ. ما تريده هو العكس، ولن أحقق لك ذلك.

وبالمناسبة، لا حاجة لإجابتك أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى