فيما كان أصدقاء اليمن يجتمعون يوم أمس بالعاصمة البريطانية لندن للوقوف أمام التقدم الذي أحرزته التسوية السياسية بعد نجاح عملية الحوار التي شاركت فيها كافة التيارات والقوى السياسية والمجتمعية كانت الغالبية من اليمنيين إما تقف في طوابير طويلة أمام محطات البنزين أو تبحث عن بقعة ضوء تعيد لهم الأمل في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تسحقهم بثالوث الفقر والبطالة وشظف العيش ولذلك فلم يلتفتوا لذلك الاجتماع وماسيخرج به بعد أن ملوا من وعود المانحين الذين خذلوهم وتركوا اليمن وحيداً يكابد أزماته وفقره وتخلفه حتى وهم من يعلمون أن سقوطه في بؤرة الفوضى ستكون له مضاعفات لا تحمد عقباها على الأمن والاستقرار في الجزيرة العربية والقرن الإفريقي والملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن الذي تمر منه يومياً عشرات السفن المحملة بالنفط.
اللافت أننا وفي كل اجتماع من اجتماعات المانحين وأصدقاء اليمن نسمع عن تعاطف الجميع مع هذا البلد الذي تحمل ويتحمل أكثر من طاقته وكذا تقديرهم لدوره في مواجهة عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي والتصدي لأفعال هذه الآفة الخبيثة التي تعد ظاهرة عالمية لا تستهدف بلداً بعينه وإنما تتهدد كافة المجتمعات البشرية وإشادتهم بموقفه الإنساني تجاه موجات النازحين واللاجئين المتدفقة إلى أراضيه من الصومال وبلدان القرن الإفريقي والذين وصلت أعدادهم إلى أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ رغم ضائقته الاقتصادية والكلفة الكبيرة التي يتحملها اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً إلا أننا لم نر مايترجم ذلك التقدير إلى فعل مساند لليمن الذي يعد أصلاً من أفقر دول العالم بما يخفف عنه المصاعب ومؤثرات الأزمات التي أحاقت به في السنوات الأخيرة وبالذات منذ عام 2011م حيث تدهور اقتصاده بشكل متسارع لينعكس ذلك على الوضع الإنساني لمواطنيه فأكثر من عشرة ملايين يمني يعانون من فقدان الأمن الغذائي فيما يتهدد سوء التغذية أكثر من مليون طفل يمني بالموت بحسب تقارير المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة إن لم تتحقق خطوات جادة والتفاتة إقليمية ودولية تسهم في مساعدة اليمن ومساندته في محنته الراهنة حتى يستعيد عافيته ويتمكن من الوقوف على قدميه.
مازلت أتذكر أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كان أول من بادر إلى دعم اليمن ودعوة الأشقاء والأصدقاء إلى تقديم العون والوقوف إلى جانب هذا البلد وبما يسهم في إيجاد الحلول الاقتصادية والاجتماعية لمشكلاته المتراكمة بل إنه وانطلاقاً من الأوضاع الجديدة التي أفرزتها عاصفة (الربيع العربي) في اليمن قد سارع إلى مطالبة الدول والمؤسسات المانحة إلى زيادة حجم المساعدات لليمن باعتبار أن استقرار اليمن يمثل مفتاحاً في استقرار المنطقة مع ذلك فإنه وباستثناء المملكة العربية السعودية التي أوفت بما التزمت به تجاه اليمن فإن الكثير من الدول والجهات المانحة لم تفِ بتعهداتها وماوعدت به مما ضاعف من معاناة هذا البلد ودفع به إلى منزلقات اقتصادية سيئة اضطرته إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التقشفية لما من شأنه تخفيف العجز في الموازنة العامة والذي بلغ ارقاماً مقلقة.
إن دعم اليمن ليس منّة بل هو استحقاق والتزام أخلاقي يقع على المجتمع الدولي خاصة الدول الكبرى التي يتعين عليها أن تقوم بواجباتها دون انتظار أو تأجيل إلى جانب ممارسة نفوذها على الدول التي خذلت اليمن حتى لا يختطف هذا البلد من قوى الإرهاب والظلام التي تسعى إلى عزله عن العالم المتحضر وتحويله إلى ملاذ آمن لتفريخ العقليات الانتحارية وتصديرها إلى أرجاء المعمورة كما حصل سابقاً في أفغانستان.