يجتاح الوطن العربي، هذه الأيام، مرض خطير ومعد، وهو "مرض الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية"، وقيل لنا إن "الصندوق" خير شاهد على تسلم مقاليد الأمور وتداول السلطة. في العراق، انتخابات برلمانية، والناس ذهبوا في طوابير للإدلاء بأصواتهم لهذا الفريق أو ذاك، الأحزاب السياسية المتنافسة على السلطة في العراق من نوع واحد لا ثاني له، وأينما اتجه الناخب في النهاية، تكون المحصلة لتلك الطائفة المتنافسة على السلطة، وسوف تتوزع أصوات الناخبين بين أطراف تلك الطائفة، ثم يجتمع القوم ويشكلون ائتلافاً واحداً ليحكموا العراق، بذريعة أن "الصندوق" خير حكم. كلنا نعلم أن الأمور مدبرة، والأصوات محسومة لهذا الفريق أو ذاك.
ليس هدف الانتخابات العراقية الإتيان بأفضل رجالات العراق علماً وعملاً وخلقاً وتجربة، وإنما الاتيان بمن يخدم الطائفة وحلفاءها في العراق وخارجه، وإلا كيف تجري انتخابات في العراق، والحرب الحكومية الطائفية على أكثر من نصف العراق مشتعلة، والعاصمة بغداد تنهشها التفجيرات، والدماء تسيل في كل أحيائها. إنها انتخابات الزور والبهتان، بهدف تفتيت العراق وإبادته. لكن، هيهات لهم ذلك.
(2)
في الجزائر، بلد المليون شهيد استشهدوا من أجل الحرية والاستقلال، جرت فيها انتخابات رئاسية في الشهر الماضي، وكانت النتيجة لصالح من رسم خطة الانتخابات، والإتيان بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة.
وعلى الرغم من حبي ومودتي وصداقتي الشخصية للرئيس بوتفليقة، فإنني لم أكن سعيداً بترشيحه نفسه، وهو في هذه الحالة الصحية التي حالت بينه وبين الوصول إلى صندوق الانتخابات إلا جالساً على كرسي متحرك.
صحيح أن الرئيس بوتفليقة من رجال الثورة الجزائرية، ومن رموز قيادتها في الستينيات، وقدم للقضية الفلسطينية واللغة العربية في الأمم المتحدة ما لم يقدمه غيره من القادة العرب، ولا بد من ثناءٍ عليه، في ذلك الإنجاز الذي جعل اللغة العربية رسميةً في الأمم المتحدة، أسوة بلغة المؤسسين، أي الدول الدائمة العضوية، وإدخال منظمة التحرير الفلسطينية عضواً مراقباً في الجمعية العامة ولجانها.
وعلى الرغم من ذلك، لم أكن أود أن أرى الرئيس بوتفليقة يدلي بصوته لصالح نفسه، وهو جالس على كرسي متحرك. لكن، هكذا أراد من حوله أن يشوهوا سمعته في آخر حياته بأن يقال: انتخب رجل ليقود الجزائر الثائرة وهو عليل، ولا شك أن ذلك سيكون إضعافا للجزائر، في وقت نحتاج فيه قيادات مكتملة الصحة والبناء، لتعطي من جهدها ما ينفع الأمة.
(3)
في مصر، تعد قوى الانقلاب العسكري لإجراء انتخابات رئاسية، في الشهر المقبل، يتنافس فيها شخصان، الأول عسكري، هو المشير عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري على القيادة السياسية المدنية المنتخبة (الرئيس محمد مرسي)، والثاني حمدين صباحي، أحد أركان المؤيدين للانقلاب.
في تقديري، ستكون الغلبة، في هذا السباق، من نصيب العسكر، لأنهم القوة الفاعلة والأكثر تنظيماً، والأسرع استجابةً للتوجيه من مرشح الجيش. في هذه الظروف، المجتمع المصري منقسم بين مؤيدين لترشيح زعيم الانقلاب المشير السيسي وآخرين معارضين للانقلاب وما ينتج منه.
في مصر، ليست الجبهة الداخلية مستقرة، نظرا لذلك الانقسام. لم تعد السجون تتسع للمساجين لكثرتهم، والقضاء أصيب بحالةٍ عصبيةٍ، فلم يعد يميز بين الحق والباطل.
أحكام إعدام صدرت على مئات من معارضي الانقلاب، فوج فوقه فوج آخر ممن صدرت بحقهم إعدامات، وآخرون صدرت بحقهم أحكام قضائية، بسجنهم مع الأشغال سنوات وسنوات، وتظاهرات ومسيرات تجتاح مدن مصر وأريافها ضد الانقلاب.
سؤالي كيف يستطيع المشير السيسي، أو حمدين صباحي، حكم مصر في هذه الظروف الداخلية الصعبة، والاحتجاج العالمي على أحكام القضاء المصري غير العادلة لم تنقطع، ومديونية تجاوزت تريليوني جنيه مصري، وفساد منقطع النظير على كل الصعد، وإعلام لم يعد يشجع المشاهد/ المستمع/ القارئ لمتابعة الإعلام المصري، لضحالة مادته، وتغييب الحقيقة، فأصبح إعلام الردح بلا منازع.
(4)
سورية الحبيبة تُساق في الطريق نفسه، أي طريق "الصندوق"، على الرغم مما يدور على أرضها وفي محيطها. وهذا بشار قادم لترشيح نفسه، ليحكم سورية عن طريق الصندوق. معلوم أن هناك ملايين من الشعب السوري لن يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم، إما لأنهم لاجئون في دول الجوار أو أنهم نازحون إلى البراري والقفار. وعلى ذلك، ستزور القيادة السياسية في دمشق بطاقات المواطنين بأسماء اللاجئين والنازحين، وتصوت نيابة عنهم لصالح النظام. وهنا، تكون الكارثة.
جملة القول: كل انتخاباتنا مزورة لصالح الحاكم. كل المفتين دينياً فتاواهم تصب في مصلحة الحاكم. حسبنا الله ونعم الوكيل.