كل هذه الأكاذيب في حوار واحد! الثابت تاريخيا و بالوثائق أن كل العناصر الجهادية التي كانت قيد الاعتقال بعد انتهاء فترات محكومياتها في زمن حسني مبارك، خرجت من ظلمات السجون بقرار من المجلس العسكري الذي كان عبد الفتاح السيسي عضوا فيه، بعد مرور أقل من شهرين على قيام ثورة يناير.
غير أن المشير السيسي قال في حواره التلفزيوني أمس كلاما يناقض ما فعله اللواء عبد الفتاح السيسي الذي شارك بطبيعة الأمور في اتخاذ قرار إطلاق المعتقلين من التيار الإسلامي.
شخصيا لم أندهش من ادعاء السيسي في حواره أمس بأنه قال للرئيس المختطف محمد مرسي : "أنتم تخرجون أناساً ستقتلنا"، وذلك على خلفية قرارات الرئيس المعزول بالإفراج عن قيادات الجماعات الإرهابية خلال فترة حكمه.
فالثابت أن انقلاب الثلاثين من يونيو/حزيران بني على أكاذيب أكبر وأضخم، ناهيك عن أن الأطراف المعنية بالرد وراء أسوار سجون السيسي، وبالطبع لن يتسنى لها الكلام والتمحيص.
إن السيسي في حواره أمس قدم أوراق اعتماده كمرشح مثالي للثورة المضادة، إذ يغترف من قاموس حسني مبارك، دون تصرف غالبا، وبتصرف نادرا، الأمر الذي جعله واضحا في كراهته لثورة يناير كما لم يحدث من قبل.
وعلى ذلك يجدر أن نقولها مرة أخرى، كما قلناها قبل نحو أربعين يوما من عملية سحق ثورة يناير 2011 في يونيو 2013: الحكاية من الأول: المصريون قاموا بثورة على نظام مبارك، شارك فيها كل الأطياف من الإخواني والليبرالي والعلماني والناصري والمواطن العادي، ثم أكملوا طريقهم ضد ما تبقى من ظل مبارك وذيوله.
باختصار: تلك كانت المكونات الواضحة الشفافة للثورة، وعليه حين يقول لك أحد إنه يواصل الثورة بضم واستدعاء أتباع مبارك وأنصار ظله، قل له إن هذه ليست ثورة، ولا موجة جديدة من الثورة، ولا استمرارا لما بدأ في يناير 2011، فهذا اسمه صراع سياسي على سلطة وحكم، ينبغي أن يظل محكوما بآليات ومنطلقات هذا الصراع، بعيدا عن استخدام اسم وشعارات ومنطلقات الثورة.
إن الثورة ليست ملكية خاصة لفصيل أو تيار كان من المشاركين فيه، كما أنها لا تدار بمنطق الشركات المساهمة، وبالتالي لا يملك أحد المساهمين أن يخرج آخرين، أو يتخارج منها وقتما شاء وكيفما شاء، فيمحو الثورية عن هذا ويسبغها على ذاك.
وحين تقرر ثورة أن تنقلب على بعض مكوناتها، أو تصنفهم كأعداء وخصوم، وتستبدل الذين قامت ضدهم بهم، فإنها بالضرورة تنقلب على نفسها وتتخلى عن جوهرها، وتخرج من كونها ثورة إلى شيء آخر.. هكذا يقول منطق الأشياء الذي يجعلك تسمع عشرات المرات في عشرات المناسبات تعبيرات من نوعية «الموجة الثانية من الثورة» كما قيل في الأحداث المصاحبة لمعركة الاتحادية، ثم قيل في ذكرى 25 يناير، وها هو يقال الآن على حراك يقوم على الحشد الكمي، بما يسمح بدمج وإدخال من قامت ضدهم الثورة في التركيبة الجديدة الغريبة.
وعلى ذلك شئنا أم أبينا فإن ما يسمى «ثورة على جزء أساسي من الثورة الأم» يصبح ثورة عكسية، وحين يتقاطع ذلك أو يتواشج أو يتجاور أو يتحالف مع الخصوم الألداء الواضحين لهذه الثورة فإننا نكون أمام تجسيد واضح للثورة المضادة.
وعندما يرفع بعضهم شعارات التطهير والإقصاء والقضاء على فصيل شارك في الثورة، ويتعامل معه باعتباره استعمارا دخيلا، فهم من حيث لا يدرون يأخذون البلاد إلى آتون حروب الإبادة، فيشعلون النار في كل بارقة أمل لانعتاق مصر من فقرها وجوعها، فيصبح القمح مثلا هدفا لإطلاق النار الكثيف، وتكون أخبار زيادة إنتاجه من المنغصات، بدلا من أن تكون من بواعث الفرح والتفاؤل.
إن النتيجة المباشرة للاستسلام لمنطق الكراهية العمياء وفلسفة الإقصاء والإبادة أن نشعل النار في قمحنا وخبزنا وننشد للخراب أغنيات ثورية. هذا ما سجلته في صبيحة 19 مايو/أيار 2013 00 ووجدته يقفز أمامي بعد هذا الحوار الطافح بنوازع الإبادة ورغبات الإحراق، ما جعل كل من شارك في ثورة يناير يتحسس رأسه وينتظر ضربة السياف. استيقظوا.. أو موتوا!