على مدى ساعتين، جلس عبد الفتاح السيسي في حوار مونولوج، أقرب إلى العلاقات العامة منه إلى الصحافة. كان المذيعان، لميس الحديدي (مديرة حملة حسني مبارك الرئاسية في 2005) وإبراهيم عيسى (عفا عنه مبارك في تهمة السب)، يجتهدان في سد خروق عجز البيان وضبابية الرؤية وزوغان العين.
حوار الجنرال الذي ينهي آخر مراحل اختطافه السلطة في مصر جاء خالياً من أية ملامح لبرنامج انتخابي واضح، تعهده الوحيد الذي تمسك به هو أن يجعل مصر بلا "إخوان مسلمين"، لكن الفزاعة التي نجح في جمع الناس حولها لن تحل مشكلات الكهرباء، ولن تطعمهم من جوع، أو تنزل عليهم المن والسلوى.
اللافت في الحوار، أيضاً، أن السيسي، ومن طرف خفيٍّ، قدم مبرراً لفشله المتوقع في إعادة اللحمة بين "شعبين"، مزقهما بنفسه، وكاد يقول للمصريين إن الظروف التي تمر بها البلاد تجعل التخلص من "الإخوان" أهم من الخبز والماء والتنمية. لذلك، لم يقدم لناخبيه غير هذا الموعود الذي حققه بالقتل والسجن والقمع، فراح يختلق أقاويل على لسان مسجونين، لا يملكون تكذيب رواية أنه أنقذ المصريين من مقاتلين، كان خيرت الشاطر سيجلبهم من ليبيا والجزائر وسورية وأفغانستان.
لا يخلو تحليل مضمون المونولوج الدعائي الذي خضع لعمليات المونتاج من دلالات مهمة، استغرق الرجل في حديثٍ مدعم بأصابع التهديد عن "الإرهاب المحتمل"، وهذا مصطلحٌ صكه في عالم السياسة أول مرة، ما يطرح تساؤلاً عن غموض مستقبل 90 مليون مصري، يقودهم السيسي إلى أتون حرب بالوكالة ضد الوحش الكرتوني الذي صنعه، وعبثاً حاول بعث الروح فيه.
يذكّرنا ذلك بقصة الراعي والذئب: مازح الراعي أهل القرية الخائفين على أغنامهم بأن ذئباً سينقض عليهم، حتى إذا داهمه الذئب كان القرويون قد اعتادوا كذبه، فتركوه في المرة التي صدقَهم فيها، وهلك الراعي والرعية.
أوضح السيسي مأزقه مع العالم الخارجي، فمزاعمه عن الإرهاب المحتمل لم تقنع الغرب، أو بالتعبير العامي المصري "مش واكل معاهم"، لكنه لم يرجع ذلك إلى ضعف حجته التي يسوقها للرواية، وعزا هذا الفشل إلى أنه لا يملك أذرعاً إعلامية كونية، كالتي تسبح بحمده في مصر، وبالتالي، لم يفلح في تسويق ما يزعم.
في أقل من سبع دقائق، تحدث السيسي عن ملامح مسروقة من مشاريع مرشحين سابقين للرئاسة، بينهم الدكتور محمد مرسي الرئيس المنقلب عليه، وأيمن نور غريم مبارك في انتخابات 2005، ولما أراد أن يغش برنامج مدير حملته اليوم، والمرشح السابق عمرو موسى، نقل خطأ من صفحات الكتاب. وعبثاً، حاول محاوروه انتزاع وعد بإلغاء قانون التظاهر الذي كبّل الحريات. قالت لميس، في استجداء، إن القانون لم يمنع "الإخوان" من النزول للشوارع بكثافة، فيما تم حبس النشطاء شركاء 30 يونيو/حزيران بسببه. رفض الرجل إلغاء القانون، ووعد بمزيد من القوانين السيئة السمعة، بذريعة "أننا نعيش ظروفا استثنائية". وزاد الطين بلة، عندما اعترف بقتل أبرياء في سيناء، واستراح ضميره إلى أن كل قتيل بريء، تصل ديته إلى أهله قبل دفنه. وبعد ذلك كله، كاد يختم حديثه بمقولة الشاب المصري الذي ذاع صيته على صفحات التواصل الاجتماعي: أيام سوداء.