من الأرشيف

قصور «الثورة» في عهد كرادلة المشترك الذين لا يحبون «عفّاش»!‏

يوجد ركمجية (راكبو موجات) استطاعوا برشاقة - رغم كبر أعمارهم أو اوزانهم- بلوغ ‏اعلى نقطة في موجة ثورة فبراير 2011. من تلك "النقطة الثورية" وثبوا إلى السلطة بمبادرة ‏سياسية سعودية- خليجية. هؤلاء الركمجية هم قادة أحزاب اللقاء المشترك ومساعدوهم. ‏المبادرة مكنت هؤلاء "الثوريين" من حصد نصف مقاعد الحكومة علاوة على مواقع تنفيذية ‏وسياسية رفيعة ونصيب الأسد من اغلب اللجان والهيئات الوفود و"المنح العلاجية" الترفيهية.‏

‏***‏
مع اعلان التشكيل الحكومي الجديد قبل عامين ونصف تقريبا، بدأ المشترك يدير ظهره ‏للثوار وللشعب. كانت الذريعة حينها ان الرئيس الذي ثار عليه الشعب ما يزال رئيسا رسميا ‏رغم العزلة التي فرضت عليه.‏

في 21 فبراير جاء الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي. طوّر المشترك "آلياته الدفاعية" ‏التبريرية فحوّل كل أنصار الرئيس السابق وحزب المؤتمر الشعبي إلى فلول. لم يكن هذا ‏كافيا، فصارت "الفلول" تهمة يلقيها "المشترك" في وجه أي ناقد أو معترض. لكن "القوة ‏الشرائية" للفلول كانت ضعيفة خصوصا وأن المفردة ليست يمنية اصيلة بل مستوردة من "أم ‏الدنيا" و"الاقليم القاعدة" للقوميين العرب (الاشتراكيين) والناصريين في اليمن.‏

تفنن اعضاء المشترك وبخاصة الاصلاحيون فامتشقوا "السيف البتار" من مفردة "عفّاش" - ‏وهو اللقب الدفين لأسرة الرئيس السابق الذي اكتشفته الفرق الأثرية والانثروبولوجية لأحزاب ‏المشترك في "خريف البطريرك" الأخير قبل أن يختال الربيع الطلق بجلابيب الاسلاميين ‏وشعارات اليساريين والناصريين في اليمن. كذلك صار كل ناقد للمشترك أو متشكك في ‏خياراته وسلوكه محض "عفّاشي" من شرذمة "عفافيش" أو "عفاشيين".‏

هذه المفردات "البدائية" التي تشتثير الغرائز وتنقب في "الأصول" كانت بمثابة "معالم على ‏الطريق" إلى "جاهلية" المشترك وأحزابه ووزرائه في السلطة الانتقالية.‏

في العام الأول للمشترك في السلطة اكتشف المشترك "الذكي" أن الرئيس السابق صالح لم ‏يغادر اليمن بل صار "الزعيم" على راس الحزب الذي أسسه هو وصاغه على صورته، ‏وينتمي إليه الرئيس الجديد. توجب على أمناء عموم أحزاب المشترك أن ينكبوا قراءة ‏وتشريحا لوثائق الحزب الذي عارضوه 20 سنة على الأقل. وقد طلعوا بذريعة جديدة: الرئيس ‏المعزول يعطّل العملية السياسية ويتوجب ان يترك رئاسة الحزب للرئيس الجديد هادي طبق ‏ما تنص عليه مادة في النظام الداخلي للمؤتمر الشعبي العام.‏

‏***‏
كانوا لأول مرة يتدخلون في الشؤون الداخلية لحزب الرئيس صالح الذي برع، على الدوام، ‏في اختراق احزابهم وشراء ولاءات قياديين بارزين فيها.‏

اشترط صالح تسليم رئاسة "المؤتمر الشعبي العام" في مؤتمر عام للحزب حسب النظام، ‏فاخترعوا في العام التالي (2013) مطلب "استكمال نقل السلطة".‏

صار مطلب "استكمال نقل السلطة" الكابوس الذي يؤرق قطاعات واسعة من اليمنيين. ‏تجربة العامين الماضيين علمت اليمنيين العاديين أن الشعارات الثورية تفتك بأكثر مما فعل ‏بهم نظام صالح خلال عقود. علمتهم ان وزراء الثورة أكثر جرأة (وقاحة) في خرق القوانين ‏واللوائح، لأنهم يتدرعون ب"الثورة" ويتسلحون باخلاقيتها (السامة) ويتجملون بإرث اليسار ‏والناصرية في اليمن وأبطال اليمن التاريخيين الذين ارتفعت صورهم في ساحات الثورة تلقائيا ‏منذ الأيام الأولى لاندلاعها. كانت صور النعمان وابراهيم الحمدي وسالمين وفيصل ‏عبداللطيف وفيصل بن شملان والبردوني والزبيري، تزين ميادين الثورة، وكان هؤلاء جميعا ‏مثالا على النزاهة والطهارة الثورية (والإصلاحية) ونجوما تطرز عقد "الوطنية اليمنية" في ‏ذروة تجليها في الأسابيع الأولى من ثورة الشباب الشعبية السلمية (فبراير ومارس 2011).‏

بات "استكمال نقل السلطة" يعني المزيد من الفوضى والنهب والعنف والفساد والانكشاف ‏الوطني وتقويض الجوامع اليمنية. كما الحاوي في عروضه الترفيهية، أخرج المشترك ثعابين ‏وعقارب من جرابه. اعتمد المحاصصة باعتبارها حقا مكتسبا لأعضائه فقط، فضرب فكرة ‏الدولة في مقتل لأنه حوّل ما كان منكرا في عهد صالح إلى "معروف" في عصر الثورة. كذلك ‏تفشت جرائم التمثيل بالقانون وسحل اللوائح في دواوين الوزارات باسم الثورة والتغيير وبناء ‏دولة القانون. وفي الموازاة ارتفعت اصوات زاعقة من قاعات موفنبيك تحتقر كل ما يمت ‏ل"الوطنية اليمنية" بقرابة. ‏

في موفنبيك تبدى "اليمن" الذي استشهد من أجل رفعته وكرامة شعبة مئات من شباب ‏الثورة، مجرد خردوات مطلوب التخلص منها في أسرع وقت لأن قادة المشترك و"أباهم الذي ‏في الستين" يريدون بناء يمن جديد. ولأنهم أبحروا فوق دماء الفادين من شباب اليمن (ثورة ‏وحراكا جنوبيا) فقد احتكروا لأنفسهم حق تفسير اماني الشهداء الذين اوصلوهم إلى السلطة. ‏قرروا نيابة عن اليمنيين أن المطلوب تفكيك الدولة والتأسيس لعقد اجتماعي جديد لكأن اليمن ‏كان في طور ما قبل الدولة تعيش فيه شعوب وقبائل متناحرة لم تعرف الدولة قط. كان قادة ‏المشترك يهومون في قاعات موفنبيك بينما في الواقع كانوا يعبدون الطرقات في أرجاء اليمن ‏لتنظيم القاعدة وعصابات الجريمة المنظمة وجماعات العنف لتتغول على اليمنيين.‏

‏***‏
ارتفعت الأسوار وانتشرت السيارات المدرعة بالوتيرة نفسها التي انتشر فيها العنف وشاعت ‏الفوضى في البلاد المسماة "السعيدة". وفي العام 2013 (ثالث أعوام الثورة الشعبية) جرت ‏أكبر عملية رشوة في التاريخ اليمني. جلب الرئيس الجديد ودعاة "استكمال نقل السلطة" ‏المئات من الفئات غير التقليدية إلى القصور الرئاسية وقاعات الفنادق لبحث بنود "العقد ‏الاجتماعي الجديد". وقد انغمس هؤلاء الأغرار بالدور حد التماهي ب"سادة اللحظة الراهنة"، ‏سياسيو المشترك والمؤتمر ورموز السلطتين السابقة والراهنة، وغدوا جميعا على "كلمة ‏سواء" ضد اليمنيين المقيمين خارج القصور والفنادق والأسوار.‏

أداروا ظهورهم للثوار وللشهداء وللجرحى وللفقراء، أداروا ظهورهم للمدنيين العزل الذين ‏راهنوا على الثورة من أجل استعادة الدولة المخطوفة من "البطريرك"، لكن "كرادلة" المشترك ‏لم يختاروا "بابا" جديد بل قرروا هدم "المعبد" على رؤوسهم فالمشكلة لم تكن في "عفّاش" ‏وإنما في "الدولة" و"الدستور" والقوانين" و"النظام السياسي" و"النظام الانتخابي" وفي ‏‏"اليمنيين" الهمج والمتخلفين والعدوانيين الذين ثاروا على "عفاش" رغم انه مجرد "تكثيف" ‏لكل ماهو أصيل فيهم.كذلك غدر قادة المشترك ب"الشعب" الذي اطمئن إلى وعودهم.‏

‏***‏
الصورة (المرفقة) نشرها الزميل الرائع محمد عبده العبسي في حائطه أمس وهي من تصويره، ‏وقد أثارت هناك موجة عارمة من مشاعر الصدمة والاستياء بين زائري صفحته في الفسبوك ‏‏(على الرغم من أن آخرين سبق لهم إثارة موضوعها نهاية العام الماضي).‏

https://nashwannews.com/ar/secontna/uploads/old/dir2/images2/2014/5/2/1399978366.jpg

في الصورة تشخيص بالخطوط والكونتيرات والألوان لـ"وجع" اليمنيين وشكل توضيحي ‏لعملية الغدر التي نالت منهم خلال العامين الماضيين، وفيها تجسيم لحال "اليسار" اليمني الذي ‏دخل "بيت الطاعة" اليميني، متخليا عن الفقراء والمهمشين والهامشيين في دولة الامتيازات.‏

هناك سور يرتفع، وإدارة ظهر للشعب المغدور، وقصر متخيل لا يدنو منه الحالمون. هناك ‏سلوك مشين من المشترك ( فالصورة للتمثيل وليس للحصر)، وتشبث مرضي بالسلطة.‏

هناك زميل (ورفيق) في الحكومة لهذا الوزير يبشر اليمنيين يوميا بقرب إقرار "قانون ‏استعادة الأموال المنهوبة".‏
هناك زميل آخر متهم بجرائم إخفاء قسري في الماضي يشيع العتمة في أرجاء اليمن.‏
هناك "يمن" يحتفي قسريا، وئيدا وئيدا، في عهد الركمجية الاسلاميين والقوميين واليساريين ‏أصحاب القصور المشيدة الذين بنوا لليمنيين قصورا من شعارات وقش ووعود!‏

زر الذهاب إلى الأعلى