تناقلت وكالات الأنباء تصريحاً للأمير سعود الفيصل، وزير خارجية المملكة العربية السعودية، وجه فيه دعوة لوزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، لزيارة المملكة، وسيفاوضه. وفي الوقت نفسه، وصل وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، إلى الرياض، للالتقاء بوزراء الدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي.
من حيث القول: يعلم الأمير سعود الفيصل علم اليقين أن المفاوض الإيراني يستند إلى فلسفة وعقلية تغوصان في التاريخ الفارسي مسافة قرون من الزمن، من الصعب الوصول معهما إلى نتائج ترضي المفاوض المقابل.
أمامنا أحدث تجربة مفاوضات إيرانية مع دول أقوى، وأكثر علماً بفن وعلم التفاوض في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، فقد مضى أكثر من عشر سنوات لعملية تفاوضية بين إيران ومجموعة (5 + 1) حول المشروع النووي الإيراني.
لم يحقق الأوروبيون والأميركيون أي إنجاز عبر التفاوض مع إيران، تارة بالتهديد وتارة بالوعود برفع الحصار الاقتصادي عن إيران، إذا ليّنت جانبها التفاوضي. إنها تعمل على تخصيب اليورانيوم، وهي تفاوض الطرف الآخر على الحد من هذه العملية.
يعلم الأمير سعود الفيصل علم اليقين أنه ليس لديه فريق سعودي مفاوض، يلم بالثقافة الفارسية، وبنظريات الألعاب التفاوضية، وهو شخصياً، بحكم الزمن، لن يستطيع البقاء طويلاً على طاولة المفاوضات.
إنه من الخاسرين إذا قبل وزير خارجية إيران دعوة المملكة من أجل التفاوض، وحول ماذا سيكون التفاوض، هل على عروبة العراق وسيادته واستقلاله؟ هل على التوقف عن دعم بشار الأسد مالاً وسلاحاً ونفوذاً وإرشاداً، وماذا عن لبنان وحاله قد ينفجر في أي وقت، من دون سابق إنذار، وإيران طرف في تحديد مستقبل لبنان؟ هل سيتفاوض الأمير سعود وفريقه معهم على عدم التدخل في اليمن والبحرين والصومال وجزر القمر والسودان. حقاً، سيخفق فريق الرياض التفاوضي، وسترتفع معنويات القيادات المتشددة في إيران ضد العرب.
يشاركني في هذا الرأي الكاتب السعودي، عبد الرحمن الراشد، إذ يكتب: في غرفة التفاوض، ستكون السعودية الطرف الأضعف، ودخولها الغرفة، بحد ذاته، سيعزز مكانة الصقور في الداخل الإيراني، وسيعطي رسالة خاطئة للعديد من الأطراف العربية التي تصارع وكلاء إيران في مناطقهم، والأسوأ من ذلك أن أي علاقة مع صقور إيران ستعزز قناعات في البيت الأبيض بضرورة التعاون مع إيران (صحيفة الشرق الأوسط في 14 / 5)
من حيث التوقيت: أدلى الأمير سعود الفيصل بتصريحاته تلك، في الوقت الذي وجد فيه وزير الدفاع الأميركي في الرياض، لحضور اجتماع مرتب مع وزراء دفاع دول مجلس التعاون، الأمر الذي سيجعل الكارهين/ الرافضين السياسة الخارجية للمملكة يقولون إن ما تفضل به الأمير الفيصل ما هو إلا إملاءات من واشنطن، فرضها وزير الدفاع الأميركي على السعوديين تجاه إيران.
من الناحية العملية، لا تحتاج طهران إلى تفاوض مع السعوديين في الظروف الراهنة، لأنها تحقق أهدافا كبيرة في العراق، فلا حكومة ستتولى قيادة العراق اليوم، على الرغم من الانتخابات الصورية الجارية في العراق، إلا بموافقة إيرانية، والجنرال قاسم سليماني هو الحاكم الفعلي في العراق، على الرغم من كل مظاهر السيادة المزورة للعراق اليوم. في سورية هي مديرة العمليات العسكرية في الحرب الدائرة، وحققت انتصارات في القلمون وحمص وأماكن أخرى. في لبنان، لن تتشكل حكومة أو يتم انتخاب رئيس للجمهورية، ما لم يكن لإيران رأي فيه، على الرغم من كل الأقاويل عكس ذلك. وفي اليمن والسودان حدّث ولا حرج.
في الجانب السعودي، غياب تام عن الفعل في العراق، علماً أن الظروف مواتية لفعل سعودي، ينصر أهل السنة في العراق، ويشد من أزرهم في مواجهة طغيان نوري المالكي وعصابته من الصفويين. إيران مكّنت الشيعة في العراق المتحدرين من أصول فارسية من الهيمنة.
وفي سورية، الدور السعودي في تراجع، فلا استطاعت السياسة الخارجية للمملكة توحيد فصائل الثورة والمعارضة السورية، كما فعلت في أفغانستان ابان الاحتلال السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي، ولم تستطيع تزويد المعارضة /الثورة بسلاح فعال يحدّ من سلاح الطيران السوري ضد المدن والقرى السورية، وإعطاء ضمانات لأميركا وحلفائها بأن السلاح المتطور لو سلم للثورة السورية لن يقع في أيادٍ خارجة عن السيطرة، ولا مدفعية بعيدة المدى، بهدف التصويب على القصر الرئاسي في دمشق.
آخر القول: لن تجدي مع إيران المفاوضات في أي شأن عربي، ما لم يكن للطرف العربي اليد العليا، مالكاً وسائل القوة والإكراه، كما فعل العراق في حربه مع إيران، عندما قال الخميني "إني أتجرع السم، وأنا اوافق على وقف إطلاق النار"، والقبول بالهزيمة أمام جيش العراق العربي الحر في زمن الرئيس صدام حسين، رحمه الله.